عبد الواحد السُّوَيِّح

لو أنّ لي يدين قويّتين ورفعتُ السّماءَ لانْتهى كلُّ شيء في حِينه... الأبوابُ الموصدة النّوافذُ الصّغيرةُ حرّاسُ الشّمس بميدعاتهم الزّرقاء الكلماتُ المنثورةُ باتّجاه البحر... كان اللّيل حين انسللتُ من عينيها وظلّتْ تلاحقني وقعُ قدميها تماما كدقّات قلبي كنّا ثلاثتنا نركض أنا وهي القمر...
كلّ العيون الّتي تنظر في اللّوح العيون الّتي تقرأ أسمال سنوات تجرّب السّقوط تجريبا مرّة أخذتها السّجائر إلى منتصف سمكة ومرّة عادت بها إلى حلم مغسول بالتّراب العيون الّتي يراها التّراب العيون الميتة تقريبا تشاهد التّفّاح تأكل التّفّاح لكنّها لا تدرك عطش التّفّاح
اثنانِ ثالثهما مجنون . قالَ الإثنانِ نحنّ للإنسانِ . ندسّ لهُ الشِّعرَ في اللسانِ . فينوسْ والحُبّ سيّان . على عرشِ الأحلامِ متربّعانِ . لإيلامِ العذّال مستعدّان . فينوسْ والحُبّ أقنومان . لا ترهبهما حرب ولا نيران . في كلِّ ضميرٍ حيٍّ يتّقدان . للعقلِ يتجاوزان . إنَ العقلَ مصدر الخطرِ والشّرِّ...
كُنْتَ فِي اَلْوَضَحِ، حِين تَعَلَّمت نِصْفَ حَقِيقَتِك. وَالنِّصْف اَلْآخَر تَعَرَّفت بِهِ فِي اَلظُّلْمَةِ (كَارْلُوسْ بُوسِينُو) وَأَتْرُكُهَا لِأَعُودَ إِلَيّ أَحُوم حَوْل نَفْسِي وَحَوْلكَ وَهُنَاكَ بَعِيدًا تَرْمُقُنِي عَيْنَاكِ وَأَتَجَاوَزُ سَبْعَة بحار وستّ بِرَايَا، أَنْدَهِشُ...
لماذا داهمتني قبل بكاء اللّيل؟ لماذا أخذت عينيّ ورمتهما في قاع اللّيل؟ لماذا وأنا خائف تختفي خلف ستائر اللّيل؟ السّمكة الّتي يلفظها وجهي لا تموت أشعر أنّني في صندوق على كتف السّمكة تحملني إلى مملكة الدّود أمّا التّفّاحة... لماذا اسودّتِ الوردةُ حين بلّلتُ ثراها؟ لماذا هجتني وقد زرعتُها بالغناء...
أنا كقارئ عليّ أن أرتب مشاهد هذا النص كل جملة هي مشهد ربما يكون غير مكتمل من الوهلة الأولى لكن النص يقول عكس ذلك وكل مشهد يزيح الآخر قبل تمام رؤيته بقليل وهذا سمة النص المتزاحمة أفكاره والمتجمع كلية داخل الذات قبل لحظة الكتابة وكثير من الشعراء لا يكتبون قصائدهم إلا بعد اكتمالها في دواخلهم لذا...
"كُنْتُ فِي اَلْوَضَحِ حِينَ تَعَلَّمَتُ نِصْفَ حَقِيقَتِك وَالنِّصْف اَلْآخَر تَعَرَّفَتُ بِهِ فِي اَلظُّلْمَةِ" (كَارْلُوسْ بُوسِينُو) وَاتْرُكْهَا لِأَعُودَ إِلَيّ أَحُومُ حَوْل نَفْسِي وَحَوْلكَ وَهُنَاكَ بَعِيدًا تَرْمُقُنِي عَيْنَاكِ، أَتَجَاوَزُ...
أستعيضُُ عن يديّ بجناحينِ ازرعُ في رأسي عيوناً أخرى أتخلّصُ كليّا من مؤخرتي وألقي بها إلى الذّئابِ أجعلُ معِدتي في حجمِ وردة واعبىءُ قلبي باللّونِ الأخضرِ اتعلّمُ لغةَ العصافيرِ وأناشيدَ الرّياحِ أطيرُ عالياً وأبحثُ في الكونِ عن وطنٍ جديدٍ عن كوكبٍ آخر أمارسُ فيهِ حياتي للمرّةِ الأولى ارى...
هَذِهِ اَللَّيْلَةُ تَمْضِي، وَمْضَتَانِ انْدَلفتَا مِن اَلْبَعِيدِ اَلشَّرْقِيّ قِي نَفْسَكِ مَنِيَّ يَا سَاحِرَةُ وَاصْرُخِي مِنْ قَعْرِ اَلْبِئْرِ، هُنَاكَ تُعَشِّش اَلْغِرْبَانُ وَتَغِيظُ اَلْعُمْرَ بِسَوَادِهَا وَالْوَمْضَةُ اَلْأُولَى تُغَازِلُ اَلْوَمْضَةَ اَلثَّانِيَةَ وَقَرِيبًا...
أصوات الرّيح تأتي من دهشة عالقة في قعر كأس لربّما هو اللّه الكامن في الشّجرة خلف الأعين البلهاء لربّما هو أنتَ القابع في الظّلّ تسبح في قعر الكأس ثمّة مرآة تفصل بين فراشتين جدار عاكس يكرّر الوردة كيف يمكن لمن توضّأ بالشّمس أن يصلّي العتمةَ؟ كيف نُشعل الشّجرة؟ الرّيح كتلميذة نزل الدّم منها أوّل...
اللّعين يتبعني ويتبع ظلّي يأكل ويشرب معي يحتلّ فراشي دون استحمام أيضا وحتّى دون خلع الحذاء رائحة أنفاسه الحارّة أنينه كلّما أصيب بنزلة برد رائحة البحر في جسده قطرات البول الباقية تحت بنطاله أغاني ما بعد منتصف اللّيل طلباته المريبة كلّما حلّق عانته عاداته السّرّية أعقاب السّجائر المتناثرة حوله...
لا أحد من المطّلعين على السّاحة الأدبيّة في تونس ينكر تمكّن عبد الواحد السويح من نصّه الشعريّ رغم كل العدول الذي صار يمارسه فيما يكتب وينشر في الصفحات الاجتماعية، فرصيده الإبداعي نثرا وشعرا، وحضوره المتواصل، واشتراكه مع زملائه في تأسيس حركة "نصّ" والتنظير لها، يجيز لنا أن ننطلق في قراءة هذا...
يَنْأَى اَلْمَكَانُ مُتَضَجِّرًا يُوقِعُنِي فِي اَلْهَاوِيَةِ فِي اَلْفَرَاغِ لَقَدْ أَلْلَتُ فِي اَلْهَرْوَلَةِ وَاللَّيْلُ عَيْنَايَ عَلَى وَرْدَةٍ تُقْطَفُ وَالْخُطَى فِي سِجْنٍ مَنَامِي اَلَّذِي لَمْ يَنْتَهِ يَرْقُبُ مَا يُرَى بِالْعَمَى طَرِيقِي هَيَّا إِلَى بَابِي بِالْكُنُوزِ...
هاَ قدْ فتحْناَ أعينَنَا نحْنُ فراخُ الشِّعرِ نؤمنُ بهِ أحدًا ولاَ نُكفّرُ الزّائغينَ لأنَّ عودتَهمْ إليْنَا حتميَّةٌ فتحْنَا أعينَنَا ولنْ ننظرَ هناكَ ولاَ هُنَا قِبلتُنَا حيثُ بدأنَا فراشةَ أنْ نثرْنَا اللّغةَ واخترْنَا اللّعبَ بالنّار نحْنُ جميلونَ وخفقاتُ مخلوقاتِنَا الملوّنةُ لا تصمتُ أبدًا...
أنامُ على سِكّة القطار علّني أسمعُ هديرَ قدومِكِ منذ آلاف السنين أترقّب نهايةِ هذه الأرضِ أتسلّقُ العاصفةَ أعيدُ ضبطَ خطوطِها كيْ لا تسقط الأغصانُ منكِ ايّتها الشّجرة مواكب العزاء متجدّدةٌ في الصّباح أفقدُ اللّيلَ وعند اللّيلِ أفقدُ الصّباحَ لكنّها تتّبعُ ريجيمًا قاسيًا قلبي لا يَزِنُ كثيرًا ذلك...

هذا الملف

نصوص
121
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى