قال الرّاوي:
قال المجنون: "القلبُ المتيّمُ صانعُ الجنونِ ومدبّرُه." فقيل له: "وما أصلُ الجنون؟" قال: "القلبُ المتيّمُ." قيل له: "وكيف نلِجُ الجنونَ؟" قال: "بالقلبِ المتيّمِ." قيل له: "وما القلبُ المتيّمُ؟" فقال: "فينوس الشّعر المتواشجة مع انزياحاتِ العقل تنثرُ القولَ وتعذّبه لتصنع منه عِقدا لا...
كيف أشتري عينين لنظّارتها؟
كيف أشتري لها عقلا ترى به ما لا يُرى؟
كيف أترجم لها لغةَ العشب وأنينَ التّراب؟
كيف أقنعها بضرورة أن تصلّي لي ركعتين كلّ مساء؟
كيف أنقذها من جهنّم؟
تصطدم بأواني الزّهر وتقول إنّها ترى
تمنع الطّيور من التّحليق فوق الشّجرة وتقول إنّها ترى
تأكل لحم العصافير وتقول إنّها...
أخذَتْهُ، واللّهِ العظيمِ أخذَتْهُ معها، طفلها، وانطلقا في ليل غائم لا طائر يطير ولا سائر يسير ومن حينها افترقنا، آه يا سادة من عصفور الحيّ الّذي رسمناه فاعلا في الحكاية، طائر طار، خلّف ريشة من ريشاته في الدار، ونبدأ بِاسمِ القهّار:
ماشيان ماشيان ومواقع الأقدام ترتعدُ
والرّعدُ
يأبى الذّهولَ...
لو أنّ لي يدين قويّتين ورفعتُ السّماءَ لانْتهى كلُّ شيء في حِينه...
الأبوابُ الموصدة
النّوافذُ الصّغيرةُ
حرّاسُ الشّمس بميدعاتهم الزّرقاء
الكلماتُ المنثورةُ باتّجاه البحر...
كان اللّيل حين انسللتُ من عينيها وظلّتْ تلاحقني
وقعُ قدميها تماما كدقّات قلبي
كنّا ثلاثتنا نركض
أنا وهي القمر...
لماذا داهمتني قبل بكاء اللّيل؟
لماذا أخذت عينيّ ورمتهما في قاع اللّيل؟
لماذا وأنا خائف تختفي خلف ستائر اللّيل؟
السّمكة الّتي يلفظها وجهي لا تموت
أشعر أنّني في صندوق على كتف السّمكة
تحملني إلى مملكة الدّود
أمّا التّفّاحة...
لماذا اسودّتِ الوردةُ حين بلّلتُ ثراها؟
لماذا هجتني وقد زرعتُها بالغناء...
أنا كقارئ عليّ أن أرتب مشاهد هذا النص كل جملة هي مشهد ربما يكون غير مكتمل من الوهلة الأولى لكن النص يقول عكس ذلك وكل مشهد يزيح الآخر قبل تمام رؤيته بقليل وهذا سمة النص المتزاحمة أفكاره والمتجمع كلية داخل الذات قبل لحظة الكتابة وكثير من الشعراء لا يكتبون قصائدهم إلا بعد اكتمالها في دواخلهم لذا...
أستعيضُُ عن يديّ بجناحينِ
ازرعُ في رأسي عيوناً أخرى
أتخلّصُ كليّا من مؤخرتي وألقي بها إلى الذّئابِ
أجعلُ معِدتي في حجمِ وردة
واعبىءُ قلبي باللّونِ الأخضرِ
اتعلّمُ لغةَ العصافيرِ وأناشيدَ الرّياحِ
أطيرُ عالياً وأبحثُ في الكونِ عن وطنٍ جديدٍ
عن كوكبٍ آخر أمارسُ فيهِ حياتي للمرّةِ الأولى
ارى...
أصوات الرّيح تأتي من دهشة عالقة في قعر كأس
لربّما هو اللّه الكامن في الشّجرة
خلف الأعين البلهاء
لربّما هو أنتَ القابع في الظّلّ تسبح في قعر الكأس
ثمّة مرآة تفصل بين فراشتين
جدار عاكس يكرّر الوردة
كيف يمكن لمن توضّأ بالشّمس أن يصلّي العتمةَ؟
كيف نُشعل الشّجرة؟
الرّيح كتلميذة نزل الدّم منها أوّل...
لا أحد من المطّلعين على السّاحة الأدبيّة في تونس ينكر تمكّن عبد الواحد السويح من نصّه الشعريّ رغم كل العدول الذي صار يمارسه فيما يكتب وينشر في الصفحات الاجتماعية، فرصيده الإبداعي نثرا وشعرا، وحضوره المتواصل، واشتراكه مع زملائه في تأسيس حركة "نصّ" والتنظير لها، يجيز لنا أن ننطلق في قراءة هذا...