د. سيد شعبان

أخبرتني جدتي أن لكل شيء أوانا: حصاد الزرع وموت الإنسان؛ نهاية الحكي حيث تضرب القطة السوداء باب البيت في ظلمة الليل والسماء تقذف بكتل نار من برق يتبعه رعد، حتى بنت بهانة انتهى حالها معنا؛ لا أدري لما قال سببا، كان منشرحا في القعدة، منبسط الوجه، يرتشف قطرات من كوب الشاي الذي يتسلى به حتى ظننته...
أنتظر هنا منذ زمن ليس بالقليل حتى قال ناظر المحطة التي سكنتها فئران الحقول، وفي ليالي الشتاء الطويلة تتقافز فوقها الثعالب البرية: لن يأتي قطار السابعة في موعده، تمنى ألا يراني؛ بدأت أشعر ببطء عقارب الساعة، ثقل الهواء يضرب صدري في غير هوادة؛ ثمة ملل يجتاحني؛ الحياة من حولي فقدت رونقها الذي كنت...
بت أتساءل لم تظل القلعة أعلى الجبل تثير كل تلك الحكايات ؟ جميع سكان المحروسة يخافون منها، جن أحمر يصرخ في عتمة الليل، تبدو خاوية! هل ستبقى الأريكة دون أن يعتليها أتابك؟ تجري الخيول غير آبهة لما يدور في الحواري، نترقب موكبهم، يهتفون بحياة القادم شاهرا سيفه، أتسلل من بين الجموع، أبحث عن السلطان...
انتهى يومه الحافل بالعراك، عصاه التي نقعها في الخل والزيت طيلة شهر أحسنت مساندته، لقد فعل كل ما توجبه الفتوة من مهارات، استطاع أن يرد الخصوم، ولم لا؟ فشاربه الذي قيل إن الصقر وقف عليه حتى زها به! نظرات عينيه القوية وعضلاته المفتولة مثل حبل الدلال حين يمسك بلجام الخيل يوم السوق، جسده ذو اللون...
تجوب حارتنا حكايات مالها حصر، آلاف جاءوا ثم مضوا دون أن يتركوا بصمة، في بلاد تنام من المغرب وتصحو على سياط الذل، وحدها تفرد مساحة من ذاكرتها، أسرار خفية احتفظت بها؛ يوم ضرب وباء الكوليرا الناس؛ مات كثيرون، كان الطوفان الأصفر مثل رياح الخماسين غطى سماء المحروسة، تدوي صافرات الإنذار في فزع، يتملك...
زعيق في الزاوية، صويت جاء من ناحية الطاحونة اليتيمة؛ تنبح الكلاب في ذعر، يجري الناس في بله، بهلول طاح في الكفر، خلع جلبابه، رفع عصاه، ما عاد يقدر عليه إلا رب القدرة، انتهى زمن الكلام الناعم، لكل وقت آذان، سرى السحر كالسم في جسم الغلابة؛ أرض الوقف استولى عليها، جدار الجامع يسد الطريق أمام عربة...
يقال إن الراحلين مروا بكفرنا في سنوات الفيضان الذي غمر قرانا حتى ملأ الوادي. تركوا أثرا في ذاكرة الذين يجتمعون كل ليلة يتبادلون في مسامراتهم حكايات عنهم. يمثل لي طيف غريب، فارس ملثم تتبعه نخلة عند شاطيء النهر. ألمح طيف امرأة وجهها يشبه القمر حين يكون بدرا، تحمر وجنتاها، أتبعها فبي ولع بذوات الخد...
أخذت تلوك حكايات ليس بينها رابط، في سلتي حزمة نعناع ذو عطر أخاذ، بعض غرس الطيب رحمة الله عليه، على كل حال انشغلت بالاستماع إلى ركاب الحافلة، هذا عاود طبيه وأخرى تخفى جمالا تكاد تشي به عيناها، ثمة تعبيد للطريق، يقال إن رجلا كبيرا سيمر من هنا، يخيم صمت يقطعه حديث، يتهادى القطار في جانب الطريق، في...
في سيرة الحرافيش عصي نقعت في الزيت والخل حتى لا تكسر أو يسرح فيها السوس، وأجساد لفحتها شمس الظهيرة، وحمرة وجه كأنه الجمر، صلابة ما تراخت وعزيمة ما وهنت؛ رغم كل هذا معتلون بداء الخنوع، مثل كرة يتقاذفها الصغار، يسدون باب الحارة بأجسادهم، يعشقون ترابها، يحفظون كل شبر منها، لم يخذلوها يوم هجم...
حلمت أنني أرتدي ثوبا تتماوج به سبعة ألوان كأنما هو قوس قزح يظهر بعد سقوط المطر فوق أشجار حديقتنا فتبدو لوحة جميلة بها غزلان وحملان وحمائم، غير أن غرابا يقف مترصدا لها فوق شجرة الكافور؛ تنبح الكلاب فرحة؛ أعلم ذلك منها حين تشبع من وجبة عظم شاة مذبوحة؛ كثيرا ما يزورني طيف أبي فتمثل لي نصائحه واقعا...
ماتزال في الأمة بقية خير يحملون العلم هديا ويعطونه هبة، تدرك بهم سيرة السلف فإذا أنت بين يدي كرام أجلاء، تدرك بهم معنى الإتقان وعراقة الانتماء. لا أغالي أن وجدت في الأستاذ الدكتور عبدالكريم حسين القارئ العربي يد الله ترعى وعنايته تحفظ، تعهدني قارئا وقومني ساردا، أعنته طلبا ويجزل العطاء سهلا، دل...
تدوي صافرة قطار الدلتا بما يمور داخله من كائنات، يترقب كل واحد محطة المغادرة، وحدها لا باب خروج يشهد خطوتها الأخيرة، تظل تفكر في مصيرها، صباح غامت شمسه وراء ظلال الأحزان التي استبدت بها مثل سياط القهر التي شوت ظهرها، كان جلادا بكل ما تحمله الكلمة، لا تعلم هل كانت زوجة أم جارية، كل ما تبقى لها...
ظل هذا السؤال يلح علي؛ سيما وأن كتاباتي القصصية ومقالاتي السردية تعددت كثيرا؛ لا أجد إجابة واحدة كما أن المفردات مخايلة مثل ضوء القمر على صفحة النهر تكون التعبيرات، عجنت بالحكي فأنا مستمع جيد، ولا أزعم أنني كاتب جيد، في حالات كثيرة أشعر بأنني لا أمتلك غير ثرثرة وليتها كانت فوق النيل، صعب أن يخط...
على غير عادتي نمت مبكرا، زارني طيف رجل طويل يتعمم بشال أبيض يرتدي عباءة حمراء من صوف الغنم، يتوكأ على عصا من أبنوس، يفتر فمه عن ابتسامة طيبة، في مجلسه تحضر بنت مجذوب لكنها لاتردد غير أورادها تمسك بمسبحة ذات تسعة وتسعين حبة، تهيم في ملكوت علوي، يقال إنه الطيب صالح، اعتدل في جلسته ثم نهاها أن تأتي...

هذا الملف

نصوص
482
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى