د. سيد شعبان

بيضة ديك لمولانا ساكن القلعة؛ منذ سبع سنين عجاف وهو يتلوى كل ليلة في فراشه، الحمراء والصفراء بل حتى السوداء التي تضج نارا لم يفلحن في شفائه من دائه، تجمعت الشياه عند الماء، في بلادنا لا تنفرد واحدة وإلا كان الذئب، حدثني جدي عن ديك يخرج ساعة يؤذن لصلاة الجمعة؛ بين الخطبتين: الأولى والثانية؛ يزهو...
في بداية الخليقة كان ماء وسماء وأرض، ظلام ليل وضوء نهار، شمس وقمر؛ ثمة حياة، وبعد؛ فما بعث الله غرابا يبحث في الأرض؛ الليلة الأولى بعد الألف تعيد البشرية سيرتها ؛ قابيل يمرح لاهيا وينتشي حين يراقص سالومي يشرب نخب دم أخيه، يلهو سعيدا، تأتي الغربان لتعلمه كيف يمزق جسده، يقطع عضوه، في وهج الخمرة كل...
قد يبدو العنوان مختلفا بعض الشيء وهذا ما أردت الحديث عنه؛ في عالمنا ما يدعو للحياة؛ يقهرنا الواقع ويخيم علينا اليأس؛ تتحطم أحلامنا تحت قيود الجهل والفقر والسوط، يتفشى المرض ويتعالن القبح؛ نجري ونلهث لكننا نفقد البوصلة؛ إنه شتات يتسع بحجم الوطن ومن ثم نلعق جراحنا، في ألفية جديدة تقتلنا نفس...
أنتظر هنا منذ زمن ليس بالقليل حتى قال ناظر المحطة التي سكنتها فئران الحقول، وفي ليالي الشتاء الطويلة تتقافز فوقها الثعالب البرية: لن يأتي قطار السابعة في موعده، تمنى ألا يراني؛ بدأت أشعر ببطء عقارب الساعة، ثقل الهواء يضرب صدري في غير هوادة؛ ثمة ملل يجتاحني؛ الحياة من حولي فقدت رونقها الذي كنت...
لا أدري متى قطعوا زائدتي الدودية تلك التي كانت تتراقص في فمي، كنت أناغم بها أبيات شعر لفتاتي الجميلة، أشاغلها بها، فالنساء يعجبهن الثناء ويطربهن؛ لا مال لدي غير أنني ماهر في كلمات الهوى، في مرة انتهزت سكون الليل وفي جلوة القمر صعدت مئذنة المسجد التى كانت عالية- الأطفال يرون الأشياء أكبر مما هي...
قمت من نومي فزعا؛ الكلاب في الخارج تواصل نباحها، يبدو أن ما رأيته كان كابوسا مصنوعا من سراب؛ آلة عملاقة تحرث النهر، تمسك بي زوجتي، يصرخ أولادي؛ فالجوع في هذه الأيام أنواع كما الجنون؛ ندور في حلقة مفرغة، كارثة تلو الأخرى تمثل وحشا، فتحت جهاز التلفاز، مذيعة تنشر شعرها وتضع أصباغا على خديها، حمالة...
يمثل الدكتور سيد شعبان علامة مائزة في عالم السرد القصصي، ولم يرصف قلمه في أغلال السرد، ولم يصدأ سن يراعه منذ ولج عالم القص، فقلمه سيًّال بمداد البلاغة، وبيان الفصاحة. ولا يستدعي بعض تقنيات المسرح إلى عالمه القصصي، فيغيب الحوار عن قصصه في هذه المجوعة التي بين أيدينا المعنونة ( أولياء الله...
لما تكتمل الحكاية بعد؛ في ليل الشتاء وحين تضرب السماء بريح عاتية، تكاد القلوب تنخلع قبل الأبواب، تأتي النداهة إليها، حين كان الفيضان وحشا يغمر البر، تبعتها لا تلوى على شيء، هل كانت تسحرها أم تشدها بحبل خفي؟ تتراقص على صفحة التيل جنيات زرق وحمر، تبلغ بها مسافة الغرق، تلاعبها مثلما تفعل الحملان...
طالعت اليوم في كتاب أصفر تآكلت حوافيه، أختزن في بيتي مجموعة قيمة من تلك الكتب، توراثت عن جدي بعضها؛ أما البقية فقد جاءتني من قريب لي يهب لمن أحبه نصوصا تقاوم النسيان في بلاد تحوطها العجائب من كل نواحيها. تقول الحكاية: ذيل طويل يمتد مسافة ليلة ونصف، ظهر في مرآة عملاقة لطيف يتراقص عند منتصف الليل...
انتهى يومه الحافل بالعراك،عصاه التي نقعها في الخل والزيت طيلة شهر أحسنت مساندته،لقد فعل كل ما توجبه الفتوة من مهارات،استطاع أن يرد الخصوم،ولم لا؟ فشاربه الذي قيل إن الصقر وقف عليه حتى زها به! نظرات عينيه القوية وعضلاته المفتولة مثل حبل الدلال حين يمسك بلجام الخيل يوم السوق،جسده ذو اللون...
يبدو والله أعلم أن الزمن تغير منذ غادرت البلد- حتى إنني أنسيت كم لبثت في تلك الغيبة- حين طالعت وجوه المارين في الشوارع وجدت شيئا عجيبا؛ الناس شاخت عن ذي قبل؛ تجاعيد وابيضاض في الشعر، انحناءة في الظهر، كل هذا وأكثر منه لا يعرف بعضهم بعضا، إنهم بلا أسماء، يتنادون بألقاب مغايرة؛ هذا الأبيض، وذاك...
بدأت الوشايات تتناقلها شفاه الناس في كفرنا، فهم في زمن الخواء يقتاتونها بدل أرغفة الخبز الشهية؛ يسكنون علبا مميكنة، يدبون على الأرض بأحذية مرصودة؛ يعبثون مع نسائهم في ليال محددة، يدعون أن الجنون بلغ منتهاه، ربما أكون الوحيد في هذا البيت، الذي لم يصب بعد بتلك الحالة، سيذهبون بي إلى السرايا...
أغلق على نفسه باب الحجرة، ارتخى جسده على السرير؛ أخذ يستعيد أربعين عاما مضت، كل التفاصيل الدقيقة ما تزال عالقة بذاكرته، ما أصعب أن تبقى منها نتوءات لا تغادر، يوم لا يستطيع نسيانه، شاخص أمامه، في ساعة من ذلك اليوم والبلاد تفور مثل قدرة الفول. حتى إذا سكن الليل، تلفت في كل جهة؛ ألا يراه واحد من...
على الحرافيش أن يقفوا اليوم صفا واحدا؛ فالحارة يتهددها العجز والموات. ثمة أخطار تأتي من بلاد بعيدة. عاشور الناجي الكبير يترك حرافيشه بعدما علمهم أن الحفاظ على الحارة متماسكة بعده كان شغله الشاغل، روض من سيأتي بعده أن يتحمل المكاره، الحارة تقف على شفا جرف هار، الأسود يتربص بها المكر، عصا الناجي...
ترامت شائعة وكثيرا ما تتوالى إحداهن من أفواه أولئك القابعين في تلك البلدة التى تختزن الأقاويل لزمن تنكسر فيه أصلاب الرجال أمام سطوة الزمن، أن عم عبدون- وذلك لقبه الذي أطلق عليه- يسحر للنيل؛ منذ كانت في كفرنا خيول وإبل تشق صمت الليل؛ وهجانة يمسكون بسياط تلوي ظهور الناس، عبدون جاء مع فيضان النيل؛...

هذا الملف

نصوص
482
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى