د. محمد الهادي الطاهري

أنا من زمان بعيد، وهذا زمان جديد، جديد أنا من زمان وراء الحدود هنالك حيث الرجال رجال وحيث النساء نساء وحيث الطفولة دون قيود. أنا من وراء الجبل وطلحة جدّي يقيم على تلّة عاليه ونحن هنالك عشنا بلا دولة ولا ملّة ولا مذهب ولا طائفه. أنا من وراء الوراء نشأت على قطعة من أغاني الرعاة عليها أنام...
تمهيد: حين نشر الروائي المغربي محمد شكري روايته الشهيرة "الخبز الحافي" ونقلها المترجمون إلى أشهر لغات العالم حتى وصلت الجزر اليابانية وذاع صيتها بين القرّاء، تمنّى أحد القرّاء أن يزور مدينة تطوان وأن يطّلع على ما جاء في الرواية من سحرها وجاذبيّتها. ولمّا أتيحت الفرصة لهذا القارئ اليابانيّ أن...
ومن أخبار الإشكيمو أنه عمل مرافقا لسائق الحافلة بالشركة الجهوية للنقل بالكاف مع أنه لم يكن يحسن الكتابة والقراءة بالفرنسية. ولما كان ملزما في كل رحلة بأن يقتطع للمسافرين تذاكرهم فقد اكتفى بأن يتدرب على تحرير تذكرة السفر بالعربية وأن يحفظ معاليم السفر على طول الخط الرابط بين مدينة الكاف...
فقير أنا يا أبي ولا زاد لي في طريق الحياة سوى أمنيات! وبعض الأحاديث منك حفظتها عنك وخزّنتها في الصميم. تذكرت يوم جلست إليك سألتني: ماذا وراء الجبل؟ فقلت: أنا لا أرى ماوراء الجبل، لعل وراءه ذئبا يود اختطافي لعلّ... لعلّ؟ وقاطعتني ضاحكا: وراءه قصة حب وقصة حرب وقصة فوز عظيم. فقير أنا يا أبي ولا زاد...
(14) كنّا نتوقّع أن يكون فوج القادمين في زيارة رسمية لا يتعدّى الأربعة أشخاص وإذا بهم فوق العشرة. رجال ونساء في أشكال وازياء متنوّعة، فيهم الطويل وفيهم القصير، بعضهم بدا متعبا من آثار السفر والآخر لا تبدو عليه أي علامة. دقائق طويلة انشغلنا فيها بالترحيب والتقبيل والمصافحة والتربيت على الاكتاف...
(13) لم تتلق ربة البيت المصون طيلة عطلة مرضها إلا ثلاث زيارات رسمية إحداها من صديقتها ليلى. أما الزيارتان الأخريان فكانت إحداهما من جهة غير منتظرة. والطريف في هذه الزيارة أنها جاءت بعد أكثر من عشرين يوما على الحادثة الطارئة. عشرون يوما ونحن نتوقع زيارة كهذه لا أماا في المساندة والمساعدة...
(12) بدأت ربة البيت بمرور الوقت تستعيد عافيتها شيئا فشيئا. ها هي تتدرب على المشي بعكازة واحدة بدل العكازتين، وها هي تطوف في أنحاء المنزل. قد يستغرق منها المشي في الرواق مثلا دقيقة أو دقيقتين بدل الثواني القليلة سابقا، ولكنها مع تمشي وتجتهد في أن تكون مشيتها عادية. ومن فرط حرصها على المشية...
(11) لم تكن مدّة قيامي بأعمال ربّة البيت فرصة لاسترجاع بعض المهارات المنزلية التي اكتسبتها أيام العزوبيّة فقط، بل كانت إلى ذلك فرصة لاكتشاف أشياء أخرى منها ما يتّصل بالمنزل ومنها ما يتّصل بمحيطه. فمنزلنا الذي نأوي إليه وفيه نقيم منذ عشرين سنة إلاّ قليلا، يقع يا سادتي في ناحية منسيّة من حيّ لا...
(10) غادرت الأستاذة ليلى صديقتها ربة بيتنا المصون وتركت وراءها أحاديث كثيرة بعضها خفيف لطيف وبعضها الآخر فيه ما فيه من الهرج والمرج. قالت زوجتي: فضحتنا يا رجل. أهكذا تقدم القهوة؟ كأنك لم تستضف أحدا من قبل. قلت مداعبا: ألم يقل الشاعر (يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا / نحن الضيوف وأنت رب المنزل) المراد...
(9) لم تتلقّ زوجتي طيلة مدّة مرضها التي جاوزت الأربعين يوما سوى زيارات نادرة من بعض نساء الجيران. وتلقّت في المقابل مئات المكالمات الهاتفيّة العادية والمصوّرة والرسائل القصيرة بنوعيها. بعض زميلاتها العاملات معها مثلا أغرقن في التواصل معها عن بعد ولم يتسنّ لهن أن يزرنها. واحدة فقط من بين كثيرات...
(8) أعمال ربّة البيت كثيرة جدّا ولا تقف عند حدود المطبخ. في كل شبر من مساحة هذا البيت عمل لابدّ منه، في الأروقة وفي غرف النوم الثلاث، وفي قاعة الجلوس، وفي خزائن الملابس، وفي الشرفتين الأمامية والخلفيّة أيضا. في كلّ هذه الأماكن الفرعيّة عمل لابدّ منه. نعم قد تكون الأعمال فيها متباعدة الأوقات...
(7) لم يكن مطعم السيد محسن مطعما حقيقيّا. هو في الأصل دكان صغير لبيع السجائر الأجنبيّة المهرّبة أو السجائر التونسية المحتكرة، ولبيع المشروبات الغازية وكل أنواع المقشّرات. ولكنّه تطوّر شيئا فشيئا ليصبح محلاّ لبيع المأكولات الخفيفة والسندويتشات العصريّة، ثم توسّع فصار مطعما لإعداد الأطعمة...
(6) أمام مطعم السيد محسن عدد هائل من الروّاد. أطفال المدرسة ينتظرون أدوارهم لينال كلّ واحد منهم مطلبه، وطلابّ وعمّال وآخرون، والسيد محسن بطيء الحركات ثقيل الردود. يلتفت إليّ. أسأله عمّا أعدّ فيسمّي لي القائمة. أختار ما تيسّر لي اختياره وأنتظر تسلّمه. نصف ساعة أو يزيد. أدفع الثمن وأقفل راجعا إلى...
(5) فاتني أن أحدّثكم عمّا لحقني من الرهق وأنا أستعدّ لطبخ الكسكسيّ. هذا المطبخ على صغر حجمه كثير الأدراج والمخازن، بعضها لترصيف الكؤوس وبعضها للصحون وبعضها لأواني الطبخ الأخرى. ولا أدري على أيّ نظام تمّ توزيع كلّ هذه الأواني. حتّى العلب المخصّصة لتخزين البهارات كثيرة جدّا وليس عليها علامات تشير...
(4) غادرت المنزل وأنا لا أدري إن كنت غاضبا أو مبتئسا أو فرحا. والأرجح أنّ فرحا خفيّا بالخلاص من مشقّة الطبخ قد نبت في أعماقي ولكنّ التفكير في البديل قد أعياني. هل أعود لأجرّب من جديد؟ لا تعد. دع الأمر الآن والتحق برفاق المقهى فهم في انتظارك. في المقهى دارت أحاديث شتّى في مواضيع شتّى. لاحظ...

هذا الملف

نصوص
79
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى