عبدالله البقالي

في ذكرى رحيل عميد الاغنية العربية الملتزمة الشبح محمد عبسى إمام. كان المد قويا.أشياء كثيرة جرفها حسبت قد انتهت الى اعماق سحيقة , و أخرى حملها على ظهر بسائطه وقذف بها اتجاهاتنا . سبل مغرية انفتحت .مجالات رحبة لا حت . أشياء رائعة وجدناها على مقاساتنا , لبسناها. أكاسير تنعش الاحلام التي هدها...
أحس أنه في حاجة إلى هواء كثيف. صعد إلى سطح البيت. بدأ يروح و يجئ، و ينظر من كل زاوية إلى أطراف المدينة التي تنامت كغول لا أحد يتحكم في نموه. أثار انتباهه أن باب غرفة المتلاشيات ليس محكم الاغلاق. فتحه. رأى مجموعة من الصناديق و العلب الكبيرة مرتبة بانتظام. حب الاستطلاع دفعه لفتح إحداها. وجد الأمر...
في ذلك التبادل اللامتناهي بين الحلم و اللاحلم، كانت الأبواب تشرع على حوار آخر أكثر شمولية و اتساعا، ليتوزع بين الانتصار الكلي للذات و الألغاء التام لها. عالم يمد مدراجه لينسفها الآخرـ فتستعير الأشياء تجليات و أشكالا مستنسخة لتعوضها جوار كنهها الخالص من أجل مغالطة الحقيقة للظفر بآماد مؤقتة داخل...
تمثلاتي عن الطائرة لم تكن ودية على الاطلاق. بل و استطيع القول من غير مبالغة أنها كانت عدائية حتى وان لم يكن ذلك من تجربة لعلاقة مباشرة معها. لقد ترسب في ذهني منذ الطفولة انطلاقا مما كان يحكيه الاهالي، ان ظهور طيارة في السماء هو دليل شؤم. و يسوقون عن ذلك مثال "الطيارة الحمراء" التي لم يجلب...
أمران كانا يشغلان بال الناس تلك الظهيرة . الكلمات القوية التي كانت تبث من مسجد القرية عبر المكبر , و السرعة الجنونية التي كانت سيارة الدرك تقطع بها الشارع المحفر . لكن الزمن لم يكن وحده ما جمع بين الحدثين و ذلك أن الشاب المكبل داخل السيارة كان نقطة تقاطع أخرى بين من صنع الحدثين . وربما لهذا...
على مهل راح يحدق في العالم المنتصب قبالة القضبان .ومن ثنايا تفرعات تؤجج توقده الداخلي , امتدت بسائط نسجت رحابها السنون , و أحلام وردية قادته كي يشق الطريق التي انتهت به الى حيث هو الآن . أكانت رغنته حقا الطاقة التي شحنت قواه ودفعته بلا هوادة كي يسلك ذلك المسار , أم أن انغلاق الأبواب في وجهه...
باستعجاله المعهود انطلق "السي علي"بعد ان أغلق باب الادارة, وانطلق سالكا الطريق الظليل المنحدر الذي يفضي الى ساحة المدرسة . كان سؤال محير يقلقه .اذ طيلة السنوات التي أدار فيها شؤون المدرسة , لم يراها فارغة مثلما كان يراها تك اللحظة..ذلك ان كل التلاميذ بما في ذلك الذين يدرسون في الفروع المنتشرة...
النص الاول : الخبز الابيض . ما كرهت في طفولتي شيئا كخبز الشعير . بل لم يكن الأمر مجرد كراهية , فقد اعتقدت طويلا أن مسألة الوسامة و بياض البشرة مردها الى الخبز الأبيض . و ان السواد و بشاعة الصورة مردها الى خبز الشعير وأن الافراط في تناول هذا الخبز يفضي حتما الى التهلكة. هكذا نشأ موقفي...
مرضت و طال الوقت دون أن أسترجع عافيتي . زاد من هلعي أن الطبيب أفضى لي بهواجسه عن امكانية اصابتي "بالبلهارسيا". ولأن معدات المستوصف كانت متواضعة ، فقد نصحني بالتنقل الى مدينة بعيدة لاتمام الفحوص. الطبيب البولوني أمرني بالبقاء في المستشفى بعد قراءته للتقرير الى حين التعرف على نوع مرضي.لم أعتبر...
الى رداد الصديق لم اتساءل يوما ايهما كان السباق عن الاخر. ليس لاني لم اكن قد بلغت مرحلة التعامل مع الافكار في بعدها المجرد. و انما لاني عشتهما كحياة، امتدت خلف بوابة ، و دون ان ادري الى اين كان يمضي الممر الذي كانت تنفتح عليه. و لذلك وجدت نفسي كجسم عائم ، تتداول حمله الامواج. تخفضه موجة لتسمق...
كنت على وجه التحديد في العاشرة و بضعة شهور حين رأيت "مونيك" او "مونييك" كنيزك أو جرم سماوي يشق طريقه منفصلا عن الأعالي، و يهوي مستقرا في صقع بارد من رحاب المعمور. شابة بلجيكية من مدينة"بروكسيل" و طالبة جامعية في ريعان الشباب تصل إلينا في ذلك المرفئ البعيد من العالم. لا أحد يستطيع ان يتكهن بنوع...
هناك، على بعد أمتار قليلة تلوح لك المدينة .تستطيع من هذا المكان ان ترى البنايات والاشجار , و ان كنت حاد البصر، تستطيع ان تتبين الناس حاملين أغراضهم و هم يمضون في سبل شتى. . لكنك مع ذلك لا تستطيع ان تدخل المدينة. اذ على بعد سنتمترات قليلة يمتد شئ غير مرئي، لكنه افصح من كل المرئيات . شئ يفهمك مهما...
في قلب الإعصار تجمعوا. من كل صوب و في برشلونة تمركزوا ليقاوموا الموت القادم من مدريد. إعصار دوامته ثقل عصور الاستبداد، تؤججه ثقافات الأسياد المهددة، و طغيان الجبابرة. لينصهر كل ذلك و يندفع عبر هبات هدفت لفصل الكائن عن كنهه، و تشطيب خلاصات البشرية في مسعاها للتوحد مع مثلها العليا، ليخلف الإعصار...
هل كان الموت في إجازة أم في مطلق التخمة ؟ هل كان منهكا أم في لحظة سهو نسي خلالها تعاويذ طلاسيمه فتلفظها خطأ. فانقلبت صفحة لم تشأ أن تكتب بغير إكسير الحياة؟ هو تفسيري الوحيد الذي أجده مبررا لتواجد هذا الرجل بيننا في هذه الحياة. و لعل هذا الاستثناء يفوق طاقة الإدراك أحيانا. و يخلق في الأذهان...
أحكم قبضة يده على عنقه حتى جحظت عيناه . أزاح كفه مدة، ثم عاود الضغط . دمعت عيناه وصار وجهه قانيا . ارخى القبضة من جديد . وضع رأسه على المنضدة و سكن مبحرا بين لجات دواخله الدفينة . في استرجاعه للمنعطفات الكثيرة داخل رحلة عمره ، يجد أنه كان دوما يركب تحديات خاسرة انتهت به الى الانحصار في زوايا...

هذا الملف

نصوص
184
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى