جودت جالي

جودت جالي من مواليد 1951 في بغداد بقرية الرستمية. تخرج في معهد السكك وعمل في محافظات عديدة وأحيل على التقاعد بدرجة مدير فني. مارس الرسم في بداياته ورُشح وهو في الثامنة عشرة للعمل في مجلة (مجلتي) رساما ولكن البيروقراطية الإدارية حرمته من التعيين. شارك في نشاطات الفرقة المسرحية لمركز شباب...
آه ياحبيبتي... أجل. ها نحن نجلس هنا أمام النار، على ألواح أرضية واسعة دافئة فيما يتناول الأطفال طعامهم بيننا جالسين على شكل هلال. أنا والبنت نتقاسم نصف بينت من البطاطا المقلية على الطريقة الفرنسية وأنت والولد تتقاسمان آخر. وفي الوسط، الطفل الرضيع الذي لا يشاركنا شيئا، وقد وُضع في مهده الهزاز،...
قبل أيام مات (تكليف). أشهد أنه عاش حياته فقيرا، ومع فقره كان صابرا دون شكوى، ودون رضا أيضا. مع ذلك لم تكن حياته خالية من المتع والمسرات التي يحسن التكتم عليها. عندما يكون قد قضى وقتا ممتعا ألاحظ إنشراح المتعة على ملامح وجهه وطريقة كلامه الأكثر مرحا من المعتاد وربما زين مرحه بلازمة كأن يردد بصوت...
قالت: -إشرب أنت الشاي. أنا أكلت من البقلاوة التي أعطتنا إياها إبنتنا بالأمس.... ضحكت وأضافت: -.... لا أستطيع منع نفسي من الأكلات الحلوة الدهينة. وضعت قدح الشاي أمامه بينما رفع بصره اليها مبتسما إبتسامة تعرف مغزاها. قالت في سرها وهي تتجنب النظر اليه "سيبدأ هذا الشيخ مجددا"، ومدت يدها اليسرى...
أحدثكم عن مجمع الكيف الذي شهد صعودا حينا من الدهر فغدا كأنه مدينة ألعاب ضاجة نهارا ومزدانا بالأضواء الملونة ليلا تملأ الأرجاء منه أصوات الغناء وموسيقى الطرب ثم ضربه هادم اللذات ومفرق الجماعات فصار أثرا بعد عين، وسُلب ونُهب وهدمت بيوته وتفرق أهله أيدي سبأ. شاءت الأقدار لي، حالي حال من ضاقت به...
لم تغمض له عين طوال الليل ، ولم ينهض من الكرسي الحديدي، وكل ما كان يفعله هو التحرك في جلسته قليلا وتغيير اتجاهها، أو وضع ذراعيه على المنضدة الخشبية وإسناد رأسه عليهما. لم يفتح أحد الباب منذ أن غادر آخرهم بالأمس ليلا. خشي أن يفاجئه أحدهم وهو يتمشى في الغرفة فيكون قد أعطاهم الحجة لتوجيه الصفعات...
أظنك ناقما علي ، وأظنك الساعة ، لما عهدته فيك من غباء ، تستعجل يوم فراقي وحري بك أن لا تستعجله لأنه سيكون ، إذا حل ، يوم ضياعك . مشكلتك هي أنك لا تستطيع العيش بعدي . من يطعمك أو يكسوك إذا مت أو حدث لي مكروه ؟ ما دمت أنا حيا معافى فأنت مطمئن البال ليلك ونهارك ، ضامن لكسوتك وطعامك . أنا وأنت...
كانوا يعطون كلا منا علبة سجائر أسبوعيا، تنتهي خلال يومين أو ثلاثة ونحن آنذاك في معسكر، ربما شغله حراس الحدود سابقا، في مكان منقطع عن كل شيء على الحدود البلغارية مع صربيا. يجهزوننا ببعض الطعام ومستلزمات النظافة، ولدينا من الوقت أكثر من اللازم، نحن القادمون من بلدان عربية وأفريقية شتى، لنقضي الوقت...
جلس هناك، في غرفة صغيرة جعلها مكتبا له في منزله، حيث وضع منضدته، ومذياعا، وجهاز تلفزيون صغيرا، وخزانة كتبه التي تضم مراجعه الهندسية، هناك حيث رتب منذ سنين ركنه الخاص لإنجاز تخطيطات هندسية كهربائية للشركات الصغيرة، ولقراءة مجلات علمية فيما يشغل التلفاز أو المذياع بصوت واطئ كعادته. لكنه هذه المرة...
في زمن الطفولة حين كنا نلعب على أطراف قريتنا لم يكن يوجد بيننا فرق في الفهم، فإن وجد لم نشعر به، وإنما إختلفت الأفهام فيما بعد. لم نكن نعرف عنه في الطفولة غير رعونة نخشاها وسرعة رضا نستغلها. إختلفنا في النشأة بمرور الزمن، ففي حين تدرجنا في الصفوف الدراسية لم يفلح عبود في اجتياز الصف الأول، بل لم...
كل ما يستطيع قوله هو أن نظرته اليه كانت نظرة استخفاف.. استخفاف حيواني خالص، استخفاف يمتد نحوه عبر الأمتار القليلة مع برد الفجر من وقفته، المتفرسة، الجانبية، الكالحة، الصنمية. فهمه... تفاهما، وكل في عالمه المتوحد، بتلك النظرة المخيفة التي كان يوجهها اليه، بسماجة الغريزة وثبات الوحشية. كان ضبعا...
نعود عصر كل يوم أدراجنا على الدرب الذي يتلوى بأشكاله الترابية بين تلال ومجاري سيول جافة متشققة وبين سماء استنفدت الظهيرة غبرتها وقلقها فبدت جديدة وناصعة غسلتها الشمس بنور مفاجيء. لم نكن مستعدين لتأمل أي شيء مرئي، نحن الثمانية المرهقون من الحفر والدم وعريفنا المرهق من حثنا عليهما طوال النهار،...
الى روح الكاتب التركي العظيم عزيز نسين في ذلك المعسكر الصغير المهجور، وعلى أنقاض القاعات التي هدمتها مجاميع من الناس أتت من حيث لايعلم أحد وباعت حديدها وطابوقها ثم مضت الى حيث لايعلم أحد، بنيت عشرات البيوت الشوهاء فبدت مثل رقع مختلفة المساحات، متراصة على شكل صفوف متعرجة، من خلفها ويمينها أرض...
خرج الرجلان من الباب الجانبي للمسجد المجاور للمستشفى الذي كانا فيه قبل ساعة. كان الشيخ يحمل على راحتيه جثة الوليد الأكبر ملفوفة بالكفن فيما حمل الشاب جثة التوأم، الملفوفة أيضا بكفن، واضعا إياها لصق صدره. ضربتهما شمس أول العصر الشتوية بحرارتها الساطعة، وكاد الشيخ أن يرتبك في مشيته عندما إرتد الى...
قال (ثويني) لعمال المجارف الذين يعملون داخل القبر الواسع: - لا تنزلوا بالحفر عميقا .. أوشكت على الظهور ولا نريد إلحاق الضرر بها. كانت نبرة صوته تشي بما يعتمل في صدره من إنزعاج حتى أنه لم يطق أن يلفظ كلمة جثث. تلفت يمنة ويسرة يراقب العمال وهم يرفعون التراب بمجارفهم ويلقونه خارج الحفرة الطويلة...

هذا الملف

نصوص
19
آخر تحديث
أعلى