تماضر الطاهر - ظِلنا..

أعتق الرجل ظله، وعاد في الليل بدونه، وعند الصباح وجد نفسه يرقد تحت صخرة كبيرة بها ثقب صغير، يدخل دعاء الأحباب وأصوات الكلاب التي تتبول دون قصد على الحجر الذي يحمل تاريخ وفاته.
،
همهم معاتباً وهو يتمدد على سريره:
ايها الظل الوفي
هل كان عليك ان تتبعني؟
،
كنت استمتع بتأثير الضوء على رسمك الملاصق لحدود اقدامي بلا انفصال، وأراقب انطباع شكلك على الأرض وعلى أجزاء جسدي، فأدور حول نفسي لأرهقك فأسقط بفعل الدوار، قبل أن تسقط معي وتضحك ساخراً.
ربما كنت أسعى لصداقتك إن لم يُفرض وجودك علي فرضاً، او كانت لدي خيارات سواك، لظلال أكبر أو أصغر ،اطول أو أقصر، لطيفة مهذبة تستأذنني قبل الدخول، تراعي خصوصيتي، أو لعلها تعمل لدي بدوام نصف يومي أو تسافر بعيداً في اجازتها السنوية، وتفتعل المرض والظروف الأسرية لتتغيب عن العمل بحبكات خبيثة ملتوية.
يغيظني ميل جسدك البارد، وأنت تحل بلا مبالاة على كل شيء، وتسبقني في الدخول حيثما لا يعنيك،كما يغيظني صمتك أيها الظل وانت تقلد افعالي، فلم لا تبتكر ما يجعلك على غير ما انت عليه؟
ربما لا تعرفني يا ظلنا!!
فقد نشأت وانا اعشق الاستقلال، ولا أحب ان أتبع او يتبعني أحد.
فأنا (غفاري) الهوى والمذهب، احب الوحدة، واكره ان يرافقني اي شخص لأي مكان وإن كان والدي أو أخي، فكأن الكوكب يضيق حولي في وجود الآخرين.
أخفقت في كافة أشكال العلاقات الإنسانية، واتخذت لي عملاً لا يجمعني بالناس إلا على نطاق ضيق، لأنني أرفض فكرة الرفيق الدائم، وسرعان ما اشعر بالملل وأفتقد الهدوء.
سحبت ورقة من كومة أوراق الطباعة بجواري، وقررت أن اكتب لك ايها الظل اللزج، لعلمي انك تقرأ،
وكتبت بعرض الورقة:
هل ترضى لنفسك ما ترضاه لي؟
الا تخجل من التجسس علي؟
الأ تشفق علي في لحظات ضعفي؟
بالأمس تخلصت منك، بإطفاء الانوار وخلدت مبكراً للنوم ، ورأيتك -للأسف- تتبعني في حلمي.
لكن الجميل في ذلك الحلم أنها المرة الأولى التي تظهر فيها منفصلاً تماماً عني.
جلسنا متقابلين في مقهى قريب، تحررت منك للمرة الأولى وشربت القهوة وحدي، وقرات الجريدة واستمتعت باخبارها المكررة دون ان اسمح لك بالاطلاع عليها.
فسمعت لك صوتاً أشبه بالأنين عندما نطقت مجيباً على رسالتي، مبرراً وجودك الدائم بقربي وانت تنتحب وتعتذر، سيدي: انا مجبر وليس بيدي شيء.
أحسست ببعض الخجل!
هل أنت مرح لطيف؟
وهل تستمتع برفقتي وتحب أن أصادقك؟
كانت المرة الأولى التي يراودني فيها شعور بالحزن على حاله، وعرفت اني إظلمه، فشعرت تحت اجفاني بذلك الدفء الذي يصاحب تكون الدمع.
يا إلهي!!
هل يكون ظلنا هو حقيقتي المسيرة التي اراها و لا أهرب منها؟
واعترفت له:
يساعد النور على تكوين رسمك غير المنتظم، وعلى الرغم من انني لا أحبك، إلا انني اراك الشجاع الوحيد في هذا العالم، الذي انتصر على غرور الإنسان وعنصريته، ولم يمكن اللون من استغلاله، ولو وسقط على اقدام قوس قزح.
فوقف الظل وعانقني معتذراً وقال:
نعم كنا رفاق، لكنك من الآن حر ، ولن تجبر على البقاء في العتمة لتصبح وحيداً، او تضطر لتغيير كلمة السر لدخول الوسائط، لن أتبعك بعد الآن في خلواتك، وسأتركك للأبد،
انت حر ،وعند صباح الغد تنتهي مهمة ملاحقتي لك على حافة قبرك.
افقت فزعاً من النوم وأنا اسعل بشدة، وانتفض مختنقاً.
اشعلت المصباح بجانبي، فناولني الظل كوب ماء، وفتح نافذة غرفتنا، فرايت مواكب الشمس تلون الأفق وتسبقها للإشراق وهي تقاوم النعاس.
وبرغم خوفي وهلعي من رؤياي ابتسمت وقلت له:
لا تذهب، كيف تسمى الحياة حياة بلا رفيق؟
انا أعتذر.



  • Like
التفاعلات: تسنيم طه

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى