ثناء درويش - طريق النحل .. ٢

٢- ذكر النحل :

واحد من مئات الذكور أنا، مقابل الآلاف من العاملات.. في هذه الخليّة العجيبة المتكاملة .
في عيون سداسية خاصة جئت كسائر الذكور من بيضة بتوالد بكريّ عذريّ بغير لقاح، فلا أعرف لي أباً غير أبي الذي في السماء، لأنسب إلى أمّي، فكأني عيسى بن مريم أو المسيح؟؟!!
الجاهل قد ينظر إليّ كعالة على الخليّة حين يراني مجرّداً من سلّة لجمـع حبوب اللقاح أو غدد لإفراز الشمع أو غدد إفراز الرائحة التي تتمتّع بها العاملات، فيقتضي ذلك ألا أشارك في جني الرحيق وصناعة العسل، حيث تقوم العاملات بتغذيتي، أو ألعق بلساني العسل من العيون السداسية .
لكن من آمن بلعبة الأدوار سيعرف أن دوري في المسرحيّة يقتضي أن أقضي أيام عمري في انتظار لحظة خروج المليكة العذراء للتلقيح، وبي أمل لا يفتأ يراودني أن أظفر بهذا الشرف، من بين المئات.
لأسقط شهيداً بعد أن أودعت عضوي بكامل نطافه في تلك الأنثى الكاملة .. ملكة النحل .. لتفقس البيوض الملقّحة عن آلاف العاملات.. وتفقس البيوض غير الملقّحة عن الذكور.
تسألون عن مصير باقي الذكور الذين شاركوني سباق اللقاح؟!.
أما سمعتم بما يدعى مذبحة الذكور ..........
إن كلّ تلك العناية الفائقة بنا معشر الذكور التي نحظى بها في الربيع من قبل العاملات، وكل ذلك الدلال في وقت لقاح المليكة، يستحيل نهاية الصيف وأوائل فصل الخريف وعندما يندر وجود الرحيق إلى نقمة، وهكذا تبدأ العاملات التي على رأسها ملكات ملقحة بمنعنا من التغذية على العسل المخزّن، وفى نهاية الأمر تجرجرنا وتسحبنا خارج الخلية حيث نعاني من الجوع والبرد، ليكون في النهاية مصيرنا الموت .
أسمع همهمتكم واستنكاركم كالعادة لما تجهلون .
أسمعكم تعترضون وفق مقاييس البشر وعيونهم القاصرة قائلين: أيّ عدل هذا، وأيّ ذنب لذكور تحيا وتموت، على احتمال ضئيل وفرصة نادرة بأن يكون كل منها هو الرابح .
وأيّ عدل أن يكون مصيرنا موتاً جماعياً، بعد تحقيق الغاية وهي لقاح الملكة .
بل أيّ عدل بأن يموت ذلك المحظوظ لحظة القران، متخلّياً عن عضوه الأكبر من حجم جسمه، وكأن حياته مرهونة به، وكأنه ما كان إلا هو، بما استودع فيه من مورّثات الخلق الجديد؟؟؟؟!!!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى