مناف كاظم محسن - المهر..

لم أصدق ما تراه الآن عيني المغرقتان بالدموع، بعد ما هوى سيدي من على ظهري المثقل بالسهام الجارحة الى الأرض الحارقة. ربما احتضنته الرمال الحزينة وهي تبكي بعد أنْ شهدتْ معي وحشية هؤلاء القوم الذين فاق عددهم خيالي الذي كنت قد تخيلته لحظة خروجنا من المعسكر، كأنهم اسراب جراد، أحاطوا بنا من كل جانب ومكان، يرشقونه بالنبال والسهام والحجارة. فصار كالقنفذ لكنّه مثقل بالجراح. ورغم نفسي الحيوانية التي لا ترتقي كي تمتلك الجزء القليل من المشاعر الإنسانية الراقية الّا انني لمْ أستطع النظر الى ذلك الوحش الرذيل الذي صعد بجرأة لم يمتلكها أحداً غيره على صدر سيدي كي يحز رأسه.
عدت للمخيم مطأطئ الرأس باكياً، دموعي المنهمرة جعلتني لا أستطيع الرؤيا وكل شيء من حولي صار ضبابياً لكنني رغم ذلك لمْ أتوقف، سامعاً ثلاث تكبيرات كبّرها العسكر. متحاشياً النظر الى الرأس المقطوع بعد أنْ رفعوه على رمحٍ كبير، لا أشعر بالجراح المنتشرة في جسمي.
استقبلتني النسوة الثكالى والأطفال اليتامى بالصراخ والبكاء والعويل. ورأيت الخيام تحترق والدخان ارتفع عالياً يغطي زرقة السماء. تمنيت لو أخذني الموت مع سيدي ولمْ أر كلّ هذا الحزن والوجع الذي جثم على قلبي فصار ثقيلاً كالجبل يضغط على صدري حد الاختناق. لكنني أخيراً تركتُ العنان لنفسي وركضتُ في البرية غارقاً بالبكاء، متذكراً عطشنا الذي لا يحتمل، كارهاً نفسي حينما اقتربنا من النهر وشربت الماء قبله دون أنْ أفكّر انّه لمْ يشرب قطرة منه.

مناف كاظم محسن
10 محرم 1444

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى