محمد محمود غدية

داهمته الهموم، بعد وفاة والده المفاجىء، حول أوراقه الجامعية من إنتظام إلى إنتساب، وعمل فى إحدى الورش، التى تعمل فى صيانة وضبط إطارات السيارات، بعد أن أصبح مسئولا عن الصرف على أمه المريضة وأخوته الصغار، توقفت أمام الورشة سيارة، تقودها فتاة فى ربيع العمر، خطفته عيناها وحاصرته وهيئته لما تريد،...
كثيراً ما يختنق الحلم داخلنا، ويصبح مجرد خيال عابر، يتبدد ويتلاشى فور إصطدامه ببشاعة الواقع وقسوته، فيغتال كل طاقتنا وتجلياتنا، بينما الأزهار تنمو من حولنا، والمطر يتدفق والعصافير تغرد، والنوارس لا تغادر شطآنها، تعيش الألفة و الحب فى مجموعات تبهج النظر، قاعة المحاضرات تمتلئ عن آخرها، فى حضور...
عيناها ليستا زرقاوين أو خضراوين إنما مزيج منهما ، يجردانه على الفور من أسلحته، حين ينظر إليهما، شعرها خصلات من المطر، عطرها يستفزه ويستدرجه إلى الجنون، راحتها تستكين بين كفيه مثل طائر حنون ، حط فى العش الآمن . إنه الحب، ذلك الزائر المفاجئ الذى تفتح له كل الأبواب دون استئذان، يعيدنا إلى طهارتنا...
فى قريتنا الطيب أهلها، والمشاعر النبيلة، عشت طفولتى أو بالآحرى أحلى سنوات العمر، شقاوة وتعثر وبكارة، نتذكر القليل من ملامح وجوهنا وبكائنا وحماسنا وتسلقنا الأشجار، والجرى خلف الطائرات الورقية والفراشات، كانت الدنيا رحبة وكريمة ومحبة ومتسامحة، نملئ سلال البنات بالثمار والأزهار، تسكننا البهجة...
الأقدار فى كثير من الأحيان تعيد ترتيب الأمور دون رغبة منا، لا يغيب عن ذاكرته ذلك اليوم الممطر فى شتاء برد قارس ينخر العظم، الحدائق موحلة بفعل المطر والأشجار عارية من الثمر، والشمس توارت خلف البيوت الرمادية البعيدة، تطارده ملامحها وكلماتها التى تقطر شهدا، تسير بتمهل فى بهو روحه، الحياة دون حب...
حملت كعادتها أقفاص الطيور، اليوم موعد السوق وفيه الرزق الوفير، تبيع الدجاجات التى كبرت وإرتضت ببقايا الطعام، فهى لا تقدر على شراء علف الطيور، ضوضاء فى البيت و عراك، لا غلبة فيه لأحد بين أفراخ الكتاكيت وأولادها الصغار لاينتهى إلا حين يكبر الأولاد، تختبئ من وطأة الأيام، خلف وشاح الصمت، تتراكم...
وجده يتأمل صورة شقيقته فى شغف، سأله : أعجبتك ! تلعثم وهو يقول خجلا : شدنى إطار الصورة، - قال صديقه ضاحكا : مشيها إطار، مضيفا شقيقتى زهرة فى فرنسا للحصول على الدكتوراة، - قال بصوت خفيض لايسمع : زهرة ماأجملها، لا تماثلها زهرة فى الكون، أكيد مع زوجها - قال صديقه : إنها لم تتزوج بعد،...
ثمة شمس تتسلل على إستحياء، ويوشك أن يملأ ضياؤها الشارع والفاترينات والبيوت، وبضعة أضواء خافته تضيع فى ظلال الناس والأرصفة، تمر بائعة الورد الصغيرة أمام المقهى، فى خطواتها إضطراب وحيرة أشبة بقطرة مطر فارقت غيمتها، فى جدائلها ورد يصعب مقاومة رائحته الذكية التى تسبقها، يعرفها زبائن المقهى، الكثير...
أوقفتها الإشارة الحمراء ، بجوارها توقفت سيارة يقودها شاب، ملامحه غاضبة حادة .. ! شدتها الذكريات عن مقود السيارة وتذكرته .. - أحمد زميلها سنوات الجامعة وعضو فريق التمثيل - إبتسم لها ملوحاً : هاى ميرفت - هاى أحمد : كلاهما تذكر الآخر - قال : سأنتظرك عند أول كافتريا على الطريق، وجدتة فى...
سألوا يوماً الكاتب الكبير برنارد شو عن الرأسمالية فأشار إلى رأسه الصلعاء وغزارة شعر ذقنه قائلاً : (الرأسمالية كشعرى هذا، غزارة فى الإنتاج وسوء فى التوزيع) هكذا الساسة وقراء الطالع والفنجان، لديهم القدرة على صياغة الكلمات البليغة والرشيقة والحادة، أشبه بسكين يشق الزبد، وهذا حال قارئة الفنجان،...
وجهها فى لون سنابل القمح، عيناها، فيهما بريق دافىء مضيء وباهر، لايصمد أمام بريقهما أعتى الجبابرة، روحها لا تعرف الذبول، نبيلة وطيبة وأصيلة، تتهادى بكل أناقة على أوتار المساء، عطرها ينتشر فى الأجواء، تعيد ترطيب طاولات الفرح، للفارس القادم تنتظره بباقات الورد، وتغزل له أثواب الصباح، طراوة روحها...
اليوم جميل، رائحة الهواء فيه طازجة، كل شئ مجللا باللون الأخضر، حتى أنه بدا من المستحيل ألا يستمتع المرء به، الشوارع نظيفة ولا معة، إبتسم حين وجد نفسه هو الآخر لامع ومبلل بماء المطر، إنعكست عليه أضواء المصابيح فبدا كلوحة فنية تشكيلية، هناك عوالم من البهجة لا يدركها المرء، مغلقة أمام الحواس الخمس،...
كل صباح تمشط الليل الناعس بشعرها، تغوص أصابعها لمنابت شعرها المندى بعبير الورد، وتحزم حقائب السفر وأغراض الطفلة التى كبرت، وشعرها المسافر فى كل الدنيا، وثوبها الأصفى من زرقة البحر، تمتطى الحلم الجميل وهى ترى مهجة القلب، تكتب رواية العمر برطوبة قلب صغير، تتخذ من السحاب دار ومن الشمس ضياء،...
جميلة تسبقها خطواتها الرشيقة، كخطوات راقصات الباليه، وخصرها النحيل، وشعرها المسافر فى كل الدنيا، شجعها التفوق على المضى فى إرتقاء سلم النجاح، متخلية عن حبها لسامى فى سنوات الجامعة، حتى لا يعطلها عن الماجستير والدكتوراة، تشغل مديرة البحث العلمى فى وزارة الصناعة، تزوج سامى حين تخلت عنه، وأصبح...
إبتسامتها كاإبتسام اللوز والبرتقال، خفيفة كوشيش البحر، تزدهر وتلمع بغتة تبدو متوثبة، لأن جاذبية الأرض لا تستطيع الإمساك بها، ذات جبهة عالية مشرقة وعينين ساحرتين، وشعر مضفور بخصلات ليل هادئ، لم يسبق له رؤيتها رغم ركوبه نفس الباص يومياً، تأخر الباص ليته لا يأتي، ليظل مستمتعاً بتلك الحسناء، التى...

هذا الملف

نصوص
323
آخر تحديث
أعلى