بهاء المري

ظَننتُ الوجدَ ولَّى واندثر فبعدَ طُولِ تجاربٍ اخترتُ اجتناب كل صُنوف البَشر ومِن وقتها لم يَعُد في يومي جديدٌ بل صار غَدى امتدادٌ لِما مَضَى واضحَتْ ذكرياتي هي الأنيس فلا تَطفل ولا فضول ولا نفاق ولا رياء ولا ضَجَر ***** فقد كان ما كان في زَمني منه ما ولّى مع الصَباح ومنه ما لم تذروه الرياح...
كان أحدهم يَزورُ الجار المُلاصق مسكنه لمَسكنهما الكائن في قلب الأرض الزراعية بعيدًا عن باقي الجيران. انزلَقَ الحديثُ إلى سِيرتها، يَعلمُ الناسُ في القرية، بل في القرى المُجاورة أنها تُمارسُ الرَذيلةَ مع الرجال دون تَمييز، لقاءَ أجر يُحّصِّلهُ زوجها من الزبائنِ. لم يكن الزائر مُصدقًا قولاً كهذا،...
استعْصَى عليه استيعاب مَوت زوجته، لم يُصدِّق الرَّجُل السِّتينيّ أنه سيعُودَ إلى البيْت ولا يجدها فيه، عاش كابوسًا لم ينته إلا وكانت إلى جواره. انتهَى العَزاءُ وجُمِعَ السُّرادق، بقِيَ جالسًا لا يريد أن يُغادر مكانه، قضَى ليلتهُ فى بَيْت ابنه الوحيد وبين أحفاده؛ رفضَ اقتراح ابنه بأن يَبقَى معه،...
لاحَظَتْ انزواءَه كثيرًا في مكتبه، جُّلُّ أوقاته يَقضيه فيه مُنفردًا وكأنَّ شيئًا هامًا يَشغله، تُفاجئهُ غيرَ مرَّة؛ فيُسرعُ إلى إغلاق أجندة طالما يُطالعُ فيها شيئًا ما، تعود إلى مفاجأته فيأتي ذات الفعل مِن فَورِه. يُساورها القَلق، تُراقبه، تَجدهُ يَضعها أمامه كلما جلس إلى المكتب، يُغلق عليها...
يُدهشني أمري كنتُ أقولُ عَقلانية! كنتُ لا أؤمن بما يُقال "قلبٌ يدُق" كنتُ أقولُ: قُلوبنا بين أيدينا نُوجِّهُها وعُقولنا في رؤوسنا تَحكُمها ***** وإذا بقلبي يدُق فكأنِّى به غير الذي كنتُ أعرفهُ وكأنَّكَ الضياء الذي جاء يَكشفهُ هل كان بَوْحُكَ بشيءٍ عن مشاعركَ "بالونة اختبار"؟ هل عمَدْتَ إلى...
الوقتُ شتاءً والسُّكون قاتِل، تُسَلِّي نفسها بالتلفاز تارةً، وبالقراءة تارةً أخرى؛ من دون الحصول على طاقة. تلجأ إلى سطح الفيلَّا تبتغي مُتنَفسًا لها خارج الجدران المُطبِقةِ على ضُلوعها، اتخذَتْ رُكنًا من السطح في الجانب البحري؛ لتجلس على أريكة تحت "البرجولة" المُغطَّاة بالقِرْميد اليوناني،...
دَرجَ على استثمار أمواله لا تَجميدها في أُصُولٍ لا تُدِرُّ ريعًا أو كان ريعها ضئيلاً، حتى نَصيبه ميراثًا في منزل والده باعه فور مَوتهِ لاستثمار ثمنه، كان هذا هو دأبه منذ تَخرَّج في الجامعة وانفصلَ عن قريته واستقر بالمدينة. أما نَصيبه في الأرض الزراعية التي ورثها مُحمَّلة بالمستأجرين، فلم يَقنَع...
رَنينٌ يقطعُ صَمتنا الَّلحظيَّ المُطْبِقُ على المكان وعلى قدْر رَعشة الجوَّال بين يَديَكَ على قَدر ارتباكِ ملامِحكَ ارتباكًا جَلِىّ البَيان ارتباكُ ناظرَيكَ، ارتعاش يديكَ، شَفَتيكَ، أثناء الكلام ثم كان اصفرارُ وجهكَ، واحمراره، واخضراره وما تَلاه من مُختَلف ألوان الطيف ليَسَقَطَ مِنكَ أرضًا...
بصوتٍ خَفيضٍ وابتسامةٍ باهتة يَسألها: - بَلغني تَخوُّفك، فهل قرأتِ جيدًا في تاريخنا المُفترَي عليه؟ لم تكن تعلم أنه قياديّ في جماعته، رشحها له صديقٌ مشتركٌ بعد رحيل زوجها حين أبدى رغبته في الزواج مرة أخرى، ولم يذكر لها تفاصيل أخرى. أجابته: - لا، طَوالَ حياتي لم أهتم إلا بتفوقي الدراسي إلى أنْ...
لم يَتخلَّ عنها جمالها وقد شارَفَتْ السِّتين، أرستقراطية من عائلة مَعروفة، كانوا لا ينادُونَها إلا بالملكة، اعتادَتْ قضاء جُلِّ أوقاتها في النادي الشَّهير حتى صارَت من معالمه. فجأةً؛ تَصيرُ حديث النادي، تَردَّت في هاوية حُبِّ شاب من عُمْر أبنائها، ما الذي دهَاها؟! ولماذا هذا الشاب بالذات؛ الذي...
تَقولينَ قُل! قُل لي في الحُب شيئًا؛ كي أعرف مَشاعرك واشتَطتِّ غيظاً وأردَفتِ: أما آن الأوان؟ ما هذا الصمتُ؟ ما هذا الجِنان؟! ******* حنانَيكِ يا صغيرتي: فأنتِ لحنٌ جميلٌ، تَعزفهُ روحي قبل البَنان. وُرودٌ تفتَّحت في رُبى عُمرى ورياحينٌ، وياسَمينُ، وسهولٌ ووديان. خميلة مَشاعر وارفة الظلال. ******...
في ليلةٍ سوداءَ كسواد جَهنَّم؛ تَرجع إليه ابنته العَروس تحت جُنْح الذُّلِّ فَجر ليلة زفافها. يَسقط أرضًا جالسًا القرفصاء، يُنكِّسُ رأسه بين كفَّيه، تدور به غرفته الكائنة في بئر السلم، تتسارَع في رأسه صورة الليلة الفائتة، الرَّقص والغناءُ والتحطيب، جارات وصديقات هنادي وهُنَّ يَتحلقن حولها...
يا ابنة النائب العام يا ابنة البطل الشهيد رأيتكُ بالسواد قد التحفتِ وفيما قلتِ نعىٌ له وحِداد تشكين إلى الله فاجعة بأنينٍ حزينٍ يخلع الفؤاد مقروحة العين على أبٍ طواه مع الشهداء رماد وآهةٌ مكتومةٌ أكاد أسمعها تخلع القلوبَ ترقق قلب الجماد فى يوم صوم تهاوى وما تخاذل عن الجهاد رجلٌ من رجال...
مِن بين الحاضرينَ توارَت قليلاً كنُور الشمس يَحجُبهُ الضَباب خبَّأتها الرُؤوسُ ولَما أطَلَّتْ فكأنَّ البَدرَ لاحَ مِن بين هَالاتِ السَحاب. ما كُنتُ لأراها لولا لَحْظُ مُقلتها أهكذا اللَّحُظ يَخطفُ الألباب؟! *** ثم رُحتُ بين الحِينِ والحين أرمُقُها...
كرياح هَبَّت فأشعَلت جذوة الذكريات تحت رَماد السنين كان لقاؤه بابنها الشاب، تَصادَف أنْ جاءهُ كموظف سَيعمل تحت رئاسته. يَشعرُ أنَّ ملامحهُ قد رآها من قبل، يُحاول أنْ يَتذكر ذلك ولكنه لا يعتقد مقابلته فيما مَضَى، يُطالع اسمه رباعيًا ثم يَنظر إليه، ويَعود يُطالعه من جديد ويَتفرَّس في ملامحه،...

هذا الملف

نصوص
110
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى