محمد محمود غدية

إبتسامتها تسقي جفاف الروح، سكرها زيادة يتحاشاها مرضى السكر، الصبح يستمد من وجهها الإشراق والضياء ، غمرت كل من حولها بالحنان ، وغرست الزهور في أرض لا ينفع فيها الزرع فأينعت وأزهرت، لها قدرة مدهشة علي إمتصاص التعب والقلق، والربت بحنو بالغ على المشاعر، يغالب دمعة حبيسة أصرت على السقوط، فى غيابها...
فجأة توقف بث الفيلم الذى كانت الأسرة تتابعه، لتصدمهم نشرات الأخبار عن بدء الحرب وحصد الأرواح، صور أشلاء القتلى مروعة، وإنهيار المنازل، الأطفال فى تدافعهم يصرخون يبكون، طفلة صغيرة لاتجد دميتها التى كانت تلعب بها منذ دقائق، شقيقها الصغير إختفى تحت الأنقاض، الحرب مروعة نتائجها كارثية، المنازل بكل...
جارت عليه السنوات وأشعلت رأسه شيبا، وأحنت ظهره الحقائب المثقلة بالشجن والتى فشل فى إفراغها، يسرج خيول عربات المساء، رغم كل السواد الذى يحمله، والأقدح سوادا من هذا الليل الذى تمدد في العيون والشوارع وواجهات البيوت، يقلب فى دفاتر الغياب والوجع، كل شيء باهت تحيط به هالة من ضباب مصفر، تداهمه شتاءات...
تجمعهما الجيرة، والسلم فى الصعود والهبوط، وفى الأسانسير، بينهما بعض ود وإستلطاف، وعشرات الممنوعات لإستمرار الميل لكليهما، بينها الحب، أول الممنوعات، هناك فروق عمرية، هى أربعينية وهو فى خريف العمر إلا قليلا، ولا يخفى ذلك، ويحترم هذا الإختلاف، لا تتوقف بينهما كيمياء التفاهم والإحترام، والمشورة...
الرغبة فى الكتابة تعادل الرغبة فى الحياة، الوحدة والغياب سبب يدفعك لنزف الجرح على الورق، والتى لا تتوقف عن تفاصيل المشاعر التى تضربك فجأة، أيامه المشحونة مع من أحبها، بردت وتقلصت وإستكانت فى ذاوية من نفسه، بعد أن أحب جمالها الفالت الغير قابل للقبض، تبدو كممثلة هوليودية، جميلة إلى حد التوحش،...
كلماته تتماسك كلما توالت فى جمل مترادفة، تسرى خافضة راجفة، فيسرى الدفء والطمأنينة فى أعماقها، تعيش الحب الذى عصف بها، وأستقبلته بطريقة الذوبان فى أول نهر يصادفها، وهى لا تعرف بعد العوم، مستسلمة لوقدة الحلم، رسم لها لوحة فاتنة، ألوانها دافئة صافية، شموسها تشرق لا تغرب، أشجارها مورقة مثمرة نضرة،...
البحر أضحى كائن يثور ويغضب ويزبد، كل صباح يلقى بمركبه الورقى وسط الموح ويسافر مع محبوبته، إلى بلاد الأحلام والسندباد، حبيبته هجرت مركبه الورقى، الذى طوحه الموج والإعصار، وركبت مركب به أشرعة وقبطان، صفت به حقائبها، وجواز سفرها إلى مدن وعوالم أخرى، مازالت الصخرة التى تحمل أسمائهما، تصفعها الأمواج...
يرى أن الإبتسامة أعظم روشتة لا يكتبها طبيب ولا تكلف شيئا، عملا بالمثل الصينى الذى يقول : إذا لم تستطع الإبتسام فلا تفتح متجرا، الإبتسامة رسول يشيع البهجة والدفء، بسببها إرتقى أعلى المناصب فى المؤسسة التى يعمل بها، شديد التفرد والخصوصية، نقى السريرة، لديه رصيد هائل من المعرفة والتجربة، أصبح...
صدمته تجربة الحب الأولى فى حياته، أو كما يسمونها التجربة البكر المتعثرة، أو المراهقة العاطفية، التى تفتقر للجدية، أعطاها الكثير من قلبه دون عقله، أورثته الهموم وهزت كل كيانه، كتب فيها ديوان شعر حروفه تقتر وجع، إستقبله القراء بحفاوة بالغة، إنه الحب الذى فجر فيه كل هذه القصائد، وهو نفس الحب الذى...
كولن ولسن كاتب بريطانى، لا يكتفى بالقشرة الخارجية، يغوص داخل النفس البشرية، بمشرط جراح ماهر، يعرف دقائق النفس وآلامها، كيف تقرأ له تلك الفتاة التى لا يتجاوز عمرها الربع قرن ؟ إنه وهو الأكبر سنا، يجد صعوبة بالغة فى قراءته، ملامحها تفتقر للجمال، لكنها تتسم بذوق رفيع وتناسق رقيق فى ملابسها،...
الشمس تشرق من شقائق خدها، تستقبل الصباح ببسمة حانية، مهوسان بالبحر مثل طائرين أليفين، فوق صخرة وحيدة عائمة فى بحر مضطرب، لا يشتهى وطن سواها، عيناه واسعتان سوداوان مشرقتان، تمنح الناظر لهما شعور بالسكينة والإطمئنان، روائح البلل والرطوبة تطوق الأماكن والملامح، يحاكيان البحر كل يوم، ويبحران فى صخب...
على الطاولة التى لا يغيرها فى المقهى، جلس الخمسيني، الذى كثيرا مايشير لأصدقائه المتزوجين. ساخرا وضاحكا : أن القطار قد دهسهم وفرمهم، وأنه فى فى مأمن دون زواج، يتابع رواد المقهى، فى رياضة يعشقها، ألا وهى قراءة وجوه الناس، وفك بعض الطلاسم التى تستعصى على الأفهام، ورسم بورتريهات للوجوه التى تمسك به،...
بعد المعاش ووفاة أم أولاده، إكتشف مرارة الغياب والوحدة، فقرر القراءة فى البداية كان يقرأ كل شيء، ومع تنوع القراءة إكتشف سحرا فى الرواية، التى تشده من الغلاف للغلاف، فعشقها ولم يعد يقرأ غيرها، كما وجد براحا متسعا وقتل للوقت، فى نوادى الأدب، كل من حوله إما كتاب أو نقاد فى شتى مجالات الأدب، مابين...
غادرته الزوجة التى لم تكن تشكو مرضا، بعد خروجه على المعاش بستة أشهر، أصبح نهبا للوحدة، بعد أن كانت كل شىء فى حياته، الأولاد كل منهم له حياته وأسرته، تكفيهم هموم العيش، البعض أشار عليه بالزواج بعد رحيل الزوجة، لكنه رفض، لديه الأولاد يعيش بهم ولهم، أصغر الأبناء يعيش معه فى آخر تعليمه الجامعى، صارح...
تستقبل الصباح ببسمة حانية، تشكر الشمس على صبغة بشرتها بلون الذهب، ناضرة كالفاكهة ليس ذلك ماشده نحوها، لكنه ذلك الكتاب المتوحدة معه فى إستغراق تام، لدرجة انها لا ترى الأطفال الذين يتقافزون حولها، مدهوشا أمام تلك الحسناء التى تقرأ فى رواية من تأليفه، آية مصادفة القت بها جواره، إنها القارئة الوحيدة...

هذا الملف

نصوص
427
آخر تحديث
أعلى