محمد فائد البكري

منذ سقطت آخر دمعةٍ من عين اليقين ونبت مكانها قبرٌ مثقوب صرتُ أمشي وراء ظلي حتى لا أتعثر باللاشيء أمشي وراء الكلمات البيضاء وأُرْخِي للأيام حبلَها أو أتناولُ غيمةً من أقصى الخيال الرث وأحبسها بيني وبين اسمي المثخن بالخيبات؛ أو أضعها على الرف المجاور للردى لتبكي بالنيابة عني؛ أو بالأصالة عن الزمن...
مات الندم الذي كان امرأةً أحبها ولم يبقَ من ذاكرة الهواء ما يستحق انتظار المساء. مات الهواء الذي كان يتلصص على خبايا نهديها ليلا ويتسلق الجدار الفاصل بينهما. ماتت الليلة الأخيرة. وما بقي مني لا يحتمل الرهان على وهمٍ جديد تعب اللاشيء من كل اللاشيء. تعب الهواء الذي يمرُّ أمام عينيك كطيفٍ يُسجل...
مات الهواء في ذاكرةٍ بعيدة جدا بعد أن عاش محبوسا في اللاشيء مات الهواء الذي عاش على مسافةٍ من أحلام الطفولة. مات الفراغ الذي كان يقرأ كتاب اللامنتمي مات الهواء الذي كان يمشي بين السطور حافيا ويسهر مجانا على الذكريات الحزينة. مات الصدى وهو يربي المعنى على حسابه الخاص. ماتت الشجرةُ الوحيدةٌ أيها...
أحبك قبل أن تولد كلمة جسد. هذه الكلمة الفخ قبل هذه الكلمة التي اضطرت أن تعيش فكان قاموس الألم وكان لها أعداء قبل هذه الكلمة التي حين ولدت ولد معها الله ومات معنى الأبد. ومات المجاز بغصة الزمن ومات الحدْس على حدود اللاشيء قبل هذه الكلمة التي جعلت السأم مجانيا وصار لحقدها خارطة تسمى هوية. أحبك...
تعالي نرسم خارطة الماء بمقاس الظمأ فقط. لا تحتاج اليابسة إلى محيطاتٍ متجمدة أو طوفان أعمى. يكفيها ما يصنع بها الطغاة والحمقى وأعداء الطبيعة وأعداء عطرك تعالي! لنقتل لام الأمر ولا النافية للجنس. تعالي! نحرِّك تاء التأنيث الساكنة أخشى أن تكون قد ماتت. تعالي! نسأل إله المكفوفين كيف حماهم من رؤية...
كان يحبك أحيانا وبعد أن استدار الزمن إلى نفسه وصار عقرب الساعة ميتا ترهل قلبه ومات بصحةٍ جيدة. مات بين كلمتين حادتين بعد أن غرس اسمه رايةً للندم وترك الريح تنزفُ حتى ماتت الكبرياء، بين حُلمين ولدتْ له كلماتٌ كثيرةٌ سهر على تربيتها، وتنظيف فرائها من وسخ الذكريات وحمَّى الأسف. كان يرتب أحزانه...
صارت السماءُ بعيدةً جدا لا يصل إليها دعاء المظلوم ولا يقرع أبوابها بكاء المضطر صارت إرشيف خيبات صارت أبعد من النوم في ليل الوداع أيتها السماء يا إله حبيبتي خصصْ سماءً أخرى غير تلك التي غطتها طبقةٌ لزجة من دموع المقهورين وضراعة الثكالى يا إله النساء الجميلات فقط يا إله النساء الجميلات أحيانا! حتى...
يا الله! يا إله المغلوبين على أمرهم أريدُ النسخةَ القديمة من حياتي هذه النسخة كثيرة الفواصل والإعلانات. أين السماء التي كانت هنا؟! أين الآلهة الذين يسهرون على حمايتنا من الأرق والذكريات ؟! أين الأصدقاء الذين لا يتلصصون على قلوبنا؟! أين الكحل الذي كان في عينيها تسكر به الكلمات؟! أين الزمن الذي...
كان جدي قبل أنْ يستقيل من الحياة تماما ويخلي جسده من عهدة الوقت. بين حينٍ وآخر يقيس مسافة عمره بالذكريات وكمن يخاطبُ الصدى؛ يقول لنفسه بكل صوتها الحزين : لا ينجبُ الوهمُ سوى المزيد منه دائما. فتدبروا قبوراً جديدةً سوى أجسادكم التي استهلكها صدأ الوقت. تدبروا قبوراً واسعةً لفارق التوقيت بين الحلم...
منذ وقفَ هذا الجسدُ رأسياً، وأنا أمشي كأنَّ إلهي في الأعلى لقد صارُ الهباءُ دائرياً والزمنُ يموت في كل الجهات! لكنَّ هذا الجسد لا يرى الموت إلا أفقيا ! لو كان لهذا الجسدٍ جناحان لكنت كسرتُ قيدَه بالسفر ، وتركتُ الظلَّ في الأسفل يلهثُ، ويحلمُ بزمنٍ نقي وهواءٍ أعلى من حائط الذكريات!
يا إله المنفى أين هو الوطن لنبكي ونتنهد باتجاهه! هذه المرايا لا تعرف أن ترى وجه الألم تعبتُ من استنساخ نفسي كل يوم ، يا إلهها ! قل لها: حرري اسمك من قيد الذاكرة، قلْ لها يا لسان العرب: إن المعنى مات في قلب التاريخ. قلْ لها: حرري حبيبك من رغبة الليل في محو الحدود ؛ أكاد أختنق من كثافة الهباء. لا...
كفارق التوقيت بين طعنتين يستجمع الألم كل قواه ويمشي إلى آخر الجسد الأبد الذي في سريرك يتقلب ذات اليمين وذات الشمال يكره الأبد الذي في ساعتي ويتململ من رائحةٍ عمياء وأنتِ من نهاية الأبد تجيئين وفي دمي تركض غابةٌ من الأيائل العطشى والموت يستميل الأصدقاء إلى صفِّه ضدي كم مرةً ستموت المسافة بيننا،...
قبل فراقك لم تكن الحرب قد خلقت، ولم تكن الجغرافيا قد أصابها مرض الحدود ولم يكن الوهم جهةً عكسيةً، ولم يكن الأبد قد صار موحشا هكذا ولم تكن اللغة قد ولدت أصلا لنعلِّمها كيف تحقد على الآخرين قبل حبك كان اسمي مجردا من السأم ولم يكن الزمن قد صار عدوي قبل الكلمةِ التي جرحت الهواء بيني وبينك لم يولدْ...
أخيراً صفق الباب على ظله تركه يموت في العتمة وحده الرجل الذي استطاع أن يسجن اسمه في البيت ويخرج إلى الحياة عاريا من الماضي أخيرا كسر لعبة الزمن وهو يعيش الآن في معنى ما لا ينظر إلى خلف قلبه ولا يلتفت إلى أبعد من غصة المستحيل الرجل الذي فتح ألبوم ذكرياتك وضحك إلى أن مات فيه الألم كان يضحك كأنه لن...
لا تسألي الليل عني! الليل الذي يسهر لأجلك وحده ويخرج إلى الطرقات في الليل الليل الذي يتعاطى الخيبات كحزنٍ شخصي الليل الذي صار يتسكع في الشوارع كل ليلة، ويجمع قمامة الذكريات من كل أزقة اللاشيء الليل الذي عاد هذا المساء إلى البيت وحده أيضا، وجثم على أنفاس النوافذ ، الليل الذي يلعق أوراق الحائط...

هذا الملف

نصوص
129
آخر تحديث
أعلى