غابت الشمس . غاب الضوء والحرارة. حمل الناس متاعهم وفروا بعيدا عن فوهات المدافع المستعدة لاضاءة الأرض بالحرائق . حملت زينب متاعها قبل اولئك بساعات، طارت الى أقصى الجنوب. لحقتها العتمة والوباء، ومن خلفها الذعر، ومن امامها تتسمع أنين وترى أشباح قوم يعيشون فوق الأرض مثل الدود. الرعب من خطر الموت...
كلما هلت صاحبتها مشاعر متدفقة من الراحة والبشر، مثل عاصفة من الحب والبهجة تفوح في المكان، تتوسد كامل كيانها المهيب الفارع الذي الذي يعلوه بشره خمرية جذابة تشكل وجه دائري يستمد جاذبيته من لمعة سواد العينين التي تشع حنانا وجاذبية. لها تأثير المغناطيس الجاذب للخلجات والمشاعر الرقيقة حينما تهل...
مثل الطلقة طارت السيارة فوق الأسفلت، ضربت بعنفوان من الخلف سيارة أخرى قديمة يسكنها أربعة صبية كانوا يمرحون بنزق مع خيوط الصبح الهابطة توا الى الأرض. صوت الارتطام مزق السكون الوديع بقوة مرعبة، استحال الليل الراحل الى بؤرة رهيبة من الهلع والخوف والرعب. تطايرت شظايا السيارة القديمة مع بقايا الصبية...
الشفرة
دائما ضوء النهار يقهر عتمة الظلمة، ودائما تقهر وضمة الطاقة والنشاط ظلمة نفسه الداخلية التي توشك ان تسجنه داخل غرفته التي اختارها مكانا لمحبسه. في أيام النوبة تتلون الدنيا في عينيه، يصبح كل شيء حوله مبهج ومريح. يتحول الى كائن خرافي ممن كان يتابعهم زمان في مسلسلات التليفزيون كالرجل الأخضر...
عادت سعاد من المدرسة، قالت لامها "لقد صعدت الى السماء اليوم يا امي"، سعاد طفلة في الصف. الرابع الابتدائي بالمدرسة الحكومية القريبة من المنزل، الوجه الخمري الصغير الجميل بدا شاحبا متعرقا، يونيفورم المدرسة عليه آثار الشقاوة والتهدل الواضح، انفلتت ابتسامة من الأم وهي تنصرف الى شواغلها من دون اهتمام...
فرقعات مكتومة دوت في فضاء الحديقة الساكن شبه المظلم. طارت اذناب من اللهب الى السماء، تفتت الى خرزات ضوء حمراء صفراء زرقاء وارجوانية تزامنت وتزاملت في تشكيلات رسمت على قبة السماء الزرقاء لوحة لشجرة الكريسماس الخضراء المخروطية، وقد نقش شعرها المنفوش بالخرزات الضوئية ذات الألوان الزاهية. كما ظهرت...
كأنه يحتضن آلة كمان مصنوعة من خشب الصنوبر المعتق بطريقة جيدة، وكأنه ينتشي مع القوس المشدود الذي يلامس الأوتار المتوثبة فتصنع لوحة موسيقية تٌرُج الوجدان، وتلقي به في عالم سحري غائم. هذا ما يحدث له دائما حينما تمتد أنامله تحتضن العصى الخشبية للمقشة البدائية المصنوعة من ليف النخل الخشن، ويدخل غرف...
بكل تأكيد وسائل التواصل الاجتماعي أو مثلما اعتادوا على تسميتها بالسوشيال ميدا مجرمة، كل أحمق أو مضطرب نفسيا أو مشبع بايدولوجيات منحرفة يمكنه بسهولة الافصاح عن رأيه خلالها بوقاحة. الشوسيال ميديا قادرة على كشف عورات المجتمعات الهشة ثقافيا، كل فرد فيها قادر على ان يكشف عن نفسه بمنتهى السهولة...
رأيت القيامة، غبشة الليل كانت طاغية، قلبي يراقصه الخوف. ازدحمت الأرض بالفارين من القدر، عيون بلهاء تضرب في كل صوب، اقدام مرتعشة تصدر دبيبا. النار تحاصر الجميع، السنتها نزقة، فاتحة شهيتتها للابتلاع. مخارج النجاة غلقت بالكامل، سوى باب وحيد كان وزبانيته بقفون قبالته، ملامحهم كملامح الديناصورات...
الدكتور محمود رجل قلق بطبعه، ظافر خنصره الأيسر لا يكف عن العبث في قوس شعر الشارب المشذب بعناية. عيناه الضيقتان تبدو قاسيتين، تخترقان بشراسة زجاج نظارته الطبية السميك، تزوغان نحو الضيف الجديد الوافد حديثا للعمل بالمستشفى في ريبة واضحة للعيان. معروف عنه انه لا يثق في أحد، لا يصادق أحد، يعلن ذلك...
قد لا يتوقف الجدل حول فكرة نشأة الكون وخلق الانسان تحديدا، لكن تظل فكرة اعمار الكون وتجديده مركزية وخارج نطاق هذا الجدل المستمر. ان الانسان هذا الكائن المتطور بشقيه الذكر والأنثى تمكن عبر الآف السنين من ان يحدث نقلة نوعية في بيئته مكنته من الحفاظ على وجوده واستمرار تواجده على الأرض، وتجديد...
كأنه خبر وفاة، صورته مرقت امامي بسرعة بينما كنت اقلب في صفحتي على موقع الفيس بوك الاليكتروني، شخص ما ينعيه داخل العالم الافتراضي، تجاوزت الدهشة بسرعة، ارجعت الصورة والكلام فوقها وتحتها، استغرقتني الدهشة ثانية واستغرقني الحزن. لم استطع ان احدد على وجه الدقة سبب هذا الغزو المشاعري الذي اصابني بغصة...
الزمن ابتعد … توقفت عند إشارة المرور الضوئية … التفتت يمينا … ثم يسارا … ثم تابعت … ابتعدت أكثر… سرعة سيارتها الفائقة تكاد تسبق سرعة ضربات قلبها الصغير الذي يرتجف من الهلع خلف ثديها النافر المتحفز … دهست بقدم صغيرة مذعورة كابح السيارة قبل أن تطيح بسيارة أخرى أمامها من فرط تعجلها المذعور … صوت...
لا أذكر على وجه الدقة متى ضاقت الفضاءات في رأسي؟ ولا كيف تحولت الي شخص مختلف ، صموت، انعزالي، أحاول بقدر الامكان تجنب الضوضاء والناس. أمي كانت تقول لي قبل أن تموت إن طفولتي كانت صاخبة، مزدحمة بالإثارة والاحداث، وكنت غاية في الشقاوة والتمرد، كنت عنيفا مع الاطفال نظرائي، والاطفال الاصغر لدرجة ان...
حركته في شوارع القاهرة لم تعد مثل زمان، ثقلت، وهنت. عاتقه مثقل بكل ما يحمله على كتفيه من ايام وصراعات وأحداث وأحلام وامنيات تبخرت كما يتبخر الماء المغلي في القدور. أمراض تتآمر على ركبتيه وظهره وعموده الفقري ومعدته. وهنت عضلة القلب، قدرتها وحركتها تباطأت في ضخ الدماء الى اوصاله، انذرته عدة مرات...