أبو يوسف طه

شد الشيخ اللجام بقوة فوقف البغل الذي يجرالعربة المليئة بسيقان البطيخ الأصفر المجني لتخزينه ككلإ لأغنامه العحفاء في هذا الصيف القائظ الذي تخلو الأرض فيه بفعل الجفاف الماحق من أي نبات جاهد بعد أن حياني لرفع جفنيه العلويين للتمكن من رؤيتي بوضوح ، وسأل وهو يشير بسبابة متصلبة كقطعة خشب : - أنت...
( هذا ما حكاه لي " أغيول " الرجل القوي البنية ، الفارع الطول الذي يُغالٍب ولايُغلب ، وهو طاعن المرأة ) ـ لم يبق شيء يُجيب العطارُ السائلات عن بعض ما يحتجن إليه من بضائع ، لبان ، حلوى ، أمشاط ، عقيق ، أسورة ، حجر الكحل ، الحرگوس ، العكر الفاسي ـ بضائع يؤدى عنها بفرنكات أو ريالات أوي قايضها بالبيض...
لا يمكن ألايثير الإنتباه بّٓاجبراين بقامة مديدة رفيعة كالزانة ، ووجه صغيرتبرق فيه عينان يتدلى من بينهما أنف فاطس ذو منخرين كٓزِرٌٓيْنِ . يقضي الرجل ابن الخبازة حليمة يومه بعد أن يضع المائدة المليئة بأقراص الخبز الذهبية اللون بجوار دكان بائع اللبن والنعناع في رأس درب اليومبة في جمع الأوراق...
تأكلني الغيرة من الحمائم التي تحوم في الفضاء الأزرق ثم تحط على سور السجن لتغيب بعدئذ ، ويزداد نفوري من السجناء لصفاقتهم وعدوانيتهم ، لكنني ، بعد أن لامس أخمصاي الأرض خارج بوابة السجن ، اندفع هواء منعش إلى رئتي ، فأحسست بالخفة والنشوة ، وزال فورا ذلك الضيق الذي جعلني متكلسا طيلة مدة السجن التي...
لا نجد في من يصر على إطفاء نور العقل إلا المتكسب واللص والمتسلط ، فهولاء يقيسون واقع الحال المختلف بمعايير مامضى ، وكأن ماصلح للسلف يصلح للخلف ، ولا يرون العبرة في كون نمو أجسادهم يقتضي تفصيل الثوب على المقاس ، ولايفقهون أن للحياة وتطورها منطقا يدعو إلى الملاءمة ، ولوتتبعوا مسار تطور التاريخ...
لما تقاعدت ، تكسرت الأطر الإجتماعية الذي كنت أسبح فيها سباحة السمكة في الماء ، لدرجة أن المجالين الثقافي والسياسي فقدا رونقهما وبهاءهما مخلفين سلة من الدروس الثمينة في فهم الناس وطبائعهم ، وأصبح من المألوف أن أقتطع من كل نهار نصف ساعة لأقرأ صحف اليوم . ربما تكون اللذة المستقاة من هذا الوضع...
. كانت الساحة فوارة لايشح ماؤها أو ينضب ، يقصدها المراكشيون وسكان البوادي والوافدون على مدينتهم . إذ هي مقصدهم للفرجة وأخذ العبر وتلقي التعاليم والمواعظ ، والتسلية بأخبار الأولين ، والسفر الذهني إلى الجنة والنار للوقوف على أنواع التعذيب المدهشة ، والرفل في صنوف النعيم ، ومشاهدة أصناف القيمين...
- الإرتياب أصبح الدماغ كائنا ضخما على هيئته ذاتها ، يتوالى بلا هوادة نهشه قطيع وهمي من الضباع ، يبدو لنا حقيقيا - الأديان لماذا الشرق مهد النبوءات وليس الغرب ، ولماذا لم يتقاسما ذلك ؟ - الضيق هل هناك من سبب لأن نوثر الضيق في أمور الحياة بيننا لنشقى بدل أن نعيش سعداء ، أيعزى ذلك إلى عدم...
...وكأني أجتذب صورا من غور سحيق ، لا تهدأ عن الارتجاج. هناك قوة طاردة كما لو أن عقلة في اللسان أعجزته عن الحركة. كنت أرغب في أن أكون كراكب حصان جامح منطلق في براري الذاكرة وشعابها وودياتها غير أن الدائرة تضيق لأنني الكثرة في الباطن، الواحد في الظاهر. حدث مرة ، في البادية ، وأنا أرتدي سراويل...
في المنزل الصغير/ الدويرة/ برأس درب سيدي مسعود ولدت، والدي وقتئذ ينتصب أمام فوهة الفرن الحامية، ملتقطا من الألواح المقرص، والباريزيان المستطول المعدمن لدن العجانين، يحشو الفرن الملتهب ، ويخرج خبزا في لون الذهب. تعاونت جدتي زهرة وزوجة عمي على التوليد . كنا عائلة صغيرة... والداي وعمي وزوجته...
فاس . الجو جميل ، سماء زرقاء صافية ، اخضرارأشجار ذات ثمار ضخمة غريبة على حافتي الطريق الموصل بين الحي الجامعي والليدو. كنا كطلبة وطالبات نعيش عالمنا الحميمي المجلل بألوان قوس قزح، مضافا اليها الأسود الدخاني، المليء بأعشاش تبيض فيها طيور الأحلام المرفرفة في المخيلة . كنا أمراء وأميرات يمكننا...
في مطلع سنة 66 /67 كنت ضمن التلاميذ الذين ينتظرون نتيجة التسجيل في الجامعة حيث اخترت شعبة الفلسفة بالرباط ، إذبي أفاجأ بشخص يقترب مني ويمد يده مصافحا ومعرفابنفسه : محمد زفزاف . وكان هو أيضا قد أودع ملف التسجيل بنفس الشعبة . في هذه الفترة بالذات كنت قد بدأت الكتابة في جريدة الكفاح الوطني ، وكان...
لا يمكن الجزم بوضوح الرؤية في هذا المجال ، فكثيرا ما يدعي المثقف دفاعه عن الشعب ، وقيادته لمعاركه ، والحقيقة أن الشعب ليس إلاتمثلا متوهما ، أو بالأحرى صورة ذهنية في مخيلة المثقف ، أو كلمة عائمة في نص شعري أو نثري ، إذ لو امتلك هذا المثقف سعة التجربة وتنوعها ، واحتك في يومييه بأصناف الناس...
لنقف أولا عند العتبة الأولى للرواية ، ونقصد بذلك غلافها وقراءة صورتها بحمولاتها الدلالية، ثم ما يرافق ذلك من كتابة، ونعني هنا اسم الرواية ، وكاتبها، وناشرها، تبدو صورة الغلاف جلية ومعبرة: حبل نشر الغسيل يقطع عرض الكتاب، وفوقه ملقط واحد فقط، دون أي شيء آخر، وتحت الصورة مباشرة ، عنوان الرواية...
لما أخلي سبيلي توجهت الى مقهى الكتبية، طالعت بعض الصحف، واستمتعت بسماع أغاني أم كلثوم . كان النادل كعادته يوزع الطلبات في انحناءة وابتسامة معهودين. شربت فنجان القهوة ودخنت بضع سجاير ثم انصرفت الى المنزل على بعد خطوات. فوجيء ابراهيم الذي كان مستلقيا على السرير بعودتي . قام وضمني الى صدره بقوة ثم...

هذا الملف

نصوص
38
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى