المطر ينهمر بعنف، والريح تعوي خلف زجاج ...السيارة التي تتهادى على الطريق الغارق، وأنا أمسك الهاتف بيد مرتجفة.
الصوت من الجهة الأخرى كان مبحوحًا، متقطعًا، يرتجف بين شهقة وأنين.
كانت عفاف.
– "ياسر... تعالى حالًا..."
وأغلقت المحمول.
حاولت أن أعيد الاتصال بها، ولكن كان خارج الخدمة.
عفاف زوجة حامد...
اليومُ عاصفٌ ممطر.
الشمس تنسحب في صمت، غارقةً في بحرٍ من ضباب.
عربةُ القطار تموج بالحياة،
الركاب يتوزعون على المقاعد،
الأرضية اللامعة تئنُّ من ثقل النعال والوجوه.
أجلس في آخر العربة.
إلى جواري رجلٌ نحيل ، نظّارته سوداء لا تُخفي نظراته الفضولية التي تتسلل إليّ كل بضع دقائق.
نظراته تُزعجني...
خطا جاسر وسط سوق السمك، وكأنه يجهله، رغم أن أقدامه قد نبتت فيه!!
بدلة لامعة، وساعة مستوردة، وعينان تلمعان كما لو أنهما تقيسان قيمة كل شيء.
منذ غادر السوق، قرر ألا يمدّ يده إلا لاصطياد ما يلمع، لا ما ينبض.
كان سوق الميدان يعجّ بالحياة.
مشترون، رجال ونساء من كافة الطبقات، لا يتوقفون عن الفصال،...
لسان
نتحرق شوقا للقاء بعض....!!
،ولا نلبث أن نلتقي،حتى نشرع في ممارسة عجيبة ، فدونما تحية ترحيب ، أو حتى ابتسامة مجاملة باهتة ،يعجل كل واحد فينا بخروج لسانه للآخر!!
القاعد
كيف تطلب من الآخر، الالتفات لتحيتك؟!
ألم تدرك قط، أنك قاعد فوقه؟!
مجرد رجل...
حين ماتت أمّه،
لم يكن قد بلغ السابعة.
ماتت وهو في حضنها،
توقّف قلبها فجأة.
بكى حتى جفّ الدمع في عينيه،
وظلّ ممسكًا بطرف ثوبها البارد لساعات،
كأنّ تمسّكه بالثوب قد يُعيدها، أو يؤخّر الموت قليلًا...
مروان لم يكن يفهم معنى الموت،
لكنه أدرك شيئًا واحدًا:
أنّه يأتي فقط حين يصمت ذلك الصوت الخافت...
ستلاعبك الحجلة فوق الطاولة.
سترمى النرد عنك
علها تفوز بالعشرة .
وستمضى أنت بين نار وجنة ،
وما بينهما من عثرة.
وستأتيك عجوز،
ولكنها حبلى !!
ستطرح عليك
سراب من أسئلة ....
وستهم بها.
ستود لو تخلع عنك
كل ثياب العفة .
فاثبت. ..
يا عنتر ،،،
دعك من عبلة.
ومن قيس وليلى
دع عنك موج البحر،
والتيه بين...
طيري....
حلقي في براح السماوات
ضعي على وجهك
ألف قناع
وضمي إلى صدرك
كل حقول الأشواك
فلا أنت امتلكت
كنوز الأرض
ولا أنا تعنيني
تلك الأشياء
تمضي الأشياء
تموت الأشياء
كل الأشياء
اضربي بعصاك
جبال الأرض
،والوديان
حطمي بيوتا
مزقي زهورا
انبشي قبورا
فلن تجدي سوي حطاما
و بقايا الأشياء
طيري....
حلقي في براح السماوات
ضعي على وجهك
ألف قناع
وضمي إلى صدرك
كل حقول الأشواك
فلا أنت امتلكت
كنوز الأرض
ولا أنا تعنيني
تلك الأشياء
تمضي الأشياء
تموت الأشياء
كل الأشياء
اضربي بعصاك
جبال الأرض
،والوديان
حطمي بيوتا
مزقي زهورا
انبشي قبورا
فلن تجدي سوي حطاما
و بقايا الأشياء
_ضع ما معك،اترك كل شيء، وامض إلى حال سبيلك.
هكذا بادرني وهو يترنح، بينما تفوح من فمه رائحة الخمر .
في عمق الظلام ، امضى على غير هدى، كنت أبكي ، بعد أن غادرت زوجتي وهي تنازع ألام، المرض وحدها، في حجرتها الصغيرة.
درجة حرارتها كانت قد تجاوزت الأربعين، بينما قد نفدت، كل زجاجات الدواء الخاصة بها، ولم...
لم يكن ملكًا على عرشٍ من ذهب، بل على لحظاتٍ من الكرامةِ والاختيار.
صنعته الأمجادُ لا الألقاب، ومجده سيرةُ نسبٍ طاهر، يمضي في العروق كأنفاس الجدود.
كان يعرف من هو.
حتى أحبّها.
كانت امرأةً لا تشبه النساء.
مزيج من جنونٍ ساحر، وتيهٍ لا يستقر، وغرورٍ يتخفّى تحت قناع الضحية.
جميلةٌ كالحلم، عنيفةٌ...
كنت لا أعرف إلى أين ؟!
الأرض تحت قدمي موحلة، ثقيلة، والسماء فوق رأسي رمادية ملبدة بالغيوم.
كنت أركض، ألهث، أتعثر، كي أواصل السير مع الجميع.
قطيع ضخم من البشر، كلهم يركضون!!
يضغطون على بعضهم بعضًا، كأننا نهرب من وحش غبي.
سقطت على ركبتي...
رفعت عيني فرأيت شيخا كبيرا ،فوق صخرة عالية. ،
أشار نحوي...
"سمير" رجل ناجح ومتزن، في منتصف الأربعينات، معروف بين الجميع بطبعه الهادئ.
يشغل منصبًا كبيرًا في شركة كبرى.
تبدو حياته للكثيرين كحلم جميل.
فيلا فاخرة،
سيارة أحدث موديل ،
رصيد كبير في البنك،
زوجة جميلة، وأبناء متفوقون دراسيًا.
لكن خلف هذا السطح الهادئ، كان سمير يحمل سرًا عميقًا، سرًا حاول طوال...
قال الشيخ مرجان بصوت عاصف ، محذرا: "
الخوف هو أول خطوات الوقوع في الفخ.
همس سيف، وهو يتقدم نحو الشيخ في اضطراب : " لقد جئت إليك لأني ضائع، لا أستطيع فهم ما يحدث ،كل شيء في حياتي أصبح غامضًا كما لو أنني أعيش في حكاية لا نهاية لها."
نظر مرجان إليه بهدوء، كما لو كان يقرأ الأفكار في عقله، ثم قال...
في معرض تتبعي لمسار النص الأدبي "أنا الملك" لشريف محيي الدين إبراهيم، كان لزاماً التوقف عند التحول اللافت من الرواية إلى المسرحية.
ولعل الحديث عن شريف محيي الدين إبراهيم يقتضي الإشارة إلى غزارة إنتاجه الأدبي وتنوعه؛ فهو كاتب روائي ومسرحي وقاص، أصدر روايات مثل "أصحاب الملامح الباهتة،و " ومريم "...
قال لي صديقي عادل ، في مساءٍ رماديّ كقلبينا، ونحن نجلس في مقهى يشبهنا: بسيط، صامت، يعرف كيف يصغي:
"أنت وسيارتك التي تحتضر، وشقتك التي بالكاد تتسع لظلك، وراتبك الذي يتبخر قبل أن يلامس جيبك... لا يحقّ لك أن تحب."
علقت الكلمات في حلقي كغصّة. لم أُجب. لم يكن يخاطبني، بل يكلّم مرآةً قديمة خلف عيني...