تحدثنا في المقال السابق عن تمظهرات الهويات السردية الثلاث: الهوية المتصورة، والهوية المتخللة، والهوية المتحققة، وربطنا هذه الهويات بوجود مقولات مصنفة تنظم تمظهرها السردي. ونعمل اليوم على مقاربة مقولة «التحديد» المصنفة.
وهي مقولة ترتبط بانبثاق الحكاية، بل تبرر وجودها ووجود الذات السردية، وتسمح...
سنخالف في هذا المقال طريقتنا المألوفة في بناء المقالات؛ والقائمة على الانطلاق من أسئلة إشكالية، لكونه يستهدف تقديم إجابات لحل إشكالية محددة تتصل بالكيفية التي تتمظهر بوساطتها الهوية سردا. نحن نعرف الإجابة التي يُقدمها بول ريكور في هذا الصدد؛ إذ يربط هذا التمظهر بثلاث عناصر: الحبكة السردية،...
إذا كنّا قد عالجنا في المقال السابق الهوية من زاوية علاقتها بإرادة البقاء ووعي العزاء ومرض الزمان، فإننا نسعى في هذا المقال إلى فحص الكيفية التي تعمل بها، خاصة على مستوى إرادة البقاء.
أكيد أنّنا لسنا كبقية الكائنات في ضمان البقاء عن طريق الاعتماد على ما تزودها به الغريزة من إمكانات وتوجيهات...
تعدُّ القصة القصيرة جنسا أدبيا غير معياريّ، قد نستطيع تلمس بعض خصائصه النوعية انطلاقا من تاريخ تراكم الكتابة في حيزه، بيد أن هذا الجهد ذاته لا يفضي إلى شبكة قارة من الأوفاق الجمالية التي يمكن الاتفاق على كونها نهائية، ومحددة لمشروعية النصوص التي تنتمي إليه. وممّا لا يدعو إلى الريبة أنّ كتابة...
لا يخرج هذا المقال عن سابقه في أسباب نزوله؛ فهو إجابة عن سؤال الباحث نفسه الذي كان ردّ فعله وراء إنتاج المقال السابق. والسؤال المثار من قِبَله هو: إلى أيّ حد يُمْكِن التنظير لمفهوم وعي العزاء الذي ورد في هيئة العبارة الآتية: «هل هو وعي العزاء الذي يتبقّى لنا، ونحن نرى إلى هويتنا من خلال مرض...
سؤال يفتح أفقا آخر لفهم الحاجة إلى الحكي بالنسبة إلى الأفراد والجماعات. أكيد أن هناك ضرورات وجودية وأنثروبولوجية وراء فعل الحكي وصناعة الحكاية. لكن تبقى هناك أسئلة مؤرقة تتصل بالسحر الذي يمارسه فعل الحكي على الإنسان، في كل العصور والمجتمعات على اختلاف حظها من الحضارة: هل لأن مرض الزمان غير قابل...
كان من المتوقع أن أستأنف الحديث عن اختلاف تمثيل الهوية السردية من جنس حكائي إلى آخر، لكن فضلت تأجيل هذا الأمر إلى فرصة مقبلة بغاية الإجابة عن سؤال طُرح عليّ من قِبَل باحث مغربي في إطار التعليق على المقال السابق. ومفاد هذا السؤال هو إشكال النظر إلى الهوية من زاوية تذكري من لدن الآخر. وهو سؤال ذو...
لقد أخضعنا مفهوم الهوية الســــردية عند بول ريكور في المقالين السابقين للنقد، وأظهرنا مدى الارتباك النظري والمنهجي الذي لحق به. ونسعى في هذا المقال- وما يليه من مقالات لاحقة- إلى إعادة تفكر هذا المفهوم من زاوية نظرية ومنهجية مختلفة.
وقبل فعل هذا لا بد من طرح أسئلة إشكالية تحدد الوجهة التي ينبغي...
إنَّ الكلام لَيسير قدماً في اتِّجاهٍ واحد.وهذا هو قدره.
فما قد قيل لا يستطيع أن يستعيد نفسه، إلا إذا ازداد:فالتَّصحيح، إنَّما يكون هنا، وبشكل غريب، إضافة.
فأنا حين أتكلم لا أستطيع أن أمحو ما أقول أبداً، كما لا أستطيع أن أمسحه، ولا أن ألغيه.
وإن كل ما أستطيع فعله، هو أن أقول...
أستأنف في هذا المقال ما شرعت في إثارته في المقال السابق من أسئلة حول مفهوم الهوية السرديّة عند بول ريكور. وأتّوجه مباشرة إلى الهاجس المنهجيّ الذي اُتّبع في بنائه (المفهوم). وأقف في البداية عند ثلاث ملاحظات رئيسة:
أـ أوّل هذه الملاحظات تتّصل بعيب منهجي ومنطقي؛ والمقصود بهذا الحل الذي انتهجه بول...
تحدثنا في المقال السابق عن ثلاثة أوضاع تخصص الحبكة في «الليالي»، وقاربنا وضع «الورطة»، وسنعمل في هذا المقال على مقاربة الوضع الثاني المتصل بـ«المحنة»، فما المقصود بهذا الوضع؟ وما الفرق بينه ووضع الورطة؟ وكيف ينشأ؟ وما هي الاقتضاءات الدلالية التي تصل به؟
لا ينشأ هذا الوضع من وجود الذات أمام مشكلة...
لنتّفق أوّلا على أنّ تأويل التخييل يحتاج إلى فهم خاصّ يقطع مع كلّ تأويلية عامّة تتجاهل خصوصية الحقول الخطابيّة واختلافها. كما أنّ من المطلوب القطع مع كلّ أشكال التقعيد الكونيّة، التي وُضعت من أجل فهم الحكاية وإرجاعها إلى شكل منطقيّ واحد، بل القطع مع التحليل القيميّ الأحادي.
مناسبة هذا القول هو...
«قبل أن أسترسل في مغامرة إعادة تفكيك النصّ الليليّ تأويلا، أحبّ أن أشير إلى أنّ ألف ليلة وليلة تتضمّن رسائل مُسنَّنة تُركت للتاريخ في انتظار من يكتشفها، شأنها في ذلك شأن القارورة التي رُميت في البحر مُتضمِّنة داخلها رسالة، ورماها الموج على الشطّ، لعل فضوليًا يفتحها كي يقرأ ما في داخلها».
لقد...
سيكُون مدخلا لهذا المقال معرفة كيفية إنتاج الحكاية المُؤطَّرة، ومحاولة تفسيرها من داخلها، وربط هذا لتفسير بالتأويل العام الذي أشرنا إليه في أكثر من مقال سابق حول «ألف ليلة وليلة». والذي يتّصل بالسوء التاريخيّ المُحدَّد في التجديل بين تباشير الانهيار وفقدان الثقة في التاريخ. وسنأخذ منطلقًا لهذا...
لزيرافا قول مهم في تحديد الرواية، إنها كانت تتطور في حدود المساحة الحرة التي تركت لها من قبل الفنون الشعرية المكرسة، ويرى بأن أصالتها تكمن في في هذا التطور الهامشي، وأنها كانت تؤسس قواعدها انطلاقا من متاح تلك الحرية الظاهرية، ونظن أن الرواية تنتج فنها انطلاقا من الحرية المعيارية التي لا تتقيد...