حسام المقدم

تحكي "فاطمة" لزميلاتها أنها تحلم، وفي الحلم تكون خارجة من بيتهم؛ فتحاذيها دجاجات، وتدخل بين قدميها وتخرج أرانب وقطط ناعمة. "فاطمة" رائدة فصل (6/2) الذي أدخله يوميا. معها طباشير الفصل ودفتر الغياب. خطها جميل وتكتب عناوين الدروس كأنها ترسم. من تلقاء نفسها، بادرت بكتابة قائمة جديدة بأسماء الفصل،...
في طريقه إلي الجامع القريب؛ يعرف الأستاذ هذه البيوت المتساندة علي بعضها. البيوت أيضا تعرف الأستاذ، وفي شقوق جدرانها الرطبة تختبئ تلك العيون. عيون لبشر ماتوا، وبعد كل ذلك الزمن يبعثون عيونهم لترصده بإصرار. يقف لحظات مواجها لجدارٍ ما، ثم يبتسم قليلا ويمضي. لا يكاد يدوس علي الأرض. ينقل خطواته بشكل...
والذي رفع السماء بغير عمد، وحق الساعة ويوم الحساب؛ حين أطلَّ وجهها على هذا الآدمي.. شفّت عيناه بصفاء مذهول، وسرى همسه في مقطعين: أولهما شهيق مفاجئ مع وقفة جبرية، وحروف تعلقت باللسان في سقف الفم. والثاني تنهيدة مسترخية تهادى معها اللسان هابطا لمستقره. الله! ظلت شفتاه منفرجتين حتى تلاشى زفيره...
آخر الليل، وبقعة زيت بجوار العربة. بقعة رغم دُكنتها قادرة على عكس الجسد المقلوب لكل قادم جديد. أرفع رأسي من مكاني بالكرسي الأمامي فأرى القوام المنعكس للبشيرالمنتظر. غالبا يأتي بالهاند باج ويدخل مهدودا مرتميا. ألتفت خلفي وأحسب الباقين. أربعة ربما أو خمسة، والسائق بوجه ناشف ينظر في الداخل ويقول...
منذ بدء العالم تسقط الأشياء كلها على الأرض، وليس التفاح فقط. هذه حقيقة مثل الشمس، وظلت هكذا لدُهور حتى منحَها "نيوتن" الجَلال العِلمي، وأسماها "الجاذبية". لكن في أزمنة حديثة، مثل الزمن الذي عاش فيه "عبدالله"؛ لم يكن الموضوع على هذا القَدْر من البساطة. الولد "عبدالله" كان ينظر للأرض كثيرا وهو...
لو لم يأخذ باله في آخر لحظة؛ لأكله الموتوسيكل وسائقه الموتور بسرعة سينمائية. خطف نفسه مُتفاديا الأزيز المجنون، ووقف مائلا فوق سياج الكوبري العتيق، مُغالبا سخونة الدم إثر صدمة تخيُّلية كادت أن تطوله في حارة المشاة. في الأسفل البعيد ماء مُخضر تتشكل موجاته الصغيرة بانتظام بليد، وخلف ظهره أقواس...
لك ولع قديم بسبر القلوب. تظل تبحث وتدقق وتنبش التراب والسطور لتصل إلى شيء جديد يخص هؤلاء الذين يقصدونك بالزيارة في ليالي أحلامك. كانوا يأتونك كبشر من لحم ودم وتكاد تلمس أرديتهم مذهولا مسحورا. حقا لم تعرف أحدهم ولم تره، لكنها القلوب وما بها من عيون ! أمل دنقل “أمل دنقل” يأتي بطرقات ثلاث على صدر...
(1) دمٌ وجذور تأمل ذلك الضرس المخلوع، إنه يئز ويؤلمك عند خروجه في كماشة الطبيب. سيترك فجوة في مكانه. كانت جذوره فيك، ودمك كان فيه. لا تحزن على عدم استقامة صف الأضراس، وابتسم لدمك الذى يغذي الأضراس الضاربة في العمق. (2) الشارع أنت أيها الوحيد المتفرد، يا من تنهشه الغربة بأسنانها الصدئة. هل نظرت...
لابد أن شيئا ما يُغبّر هذه الوجوه المُتعَبة التي لم تعد على استعداد لتقبل فكرة الابتسام، ولابد أنها مهمة شاقة عليك أن تسحبهم مرة أخرى إلى انفجار القهقهات والرجرجات وجعل الدموع العزيزة تطفر من العيون، والروح تتقافز صاعدة حتى تصبح على مسافة شعرة من الحلقوم. هذه الوجوه التي تُطالعك فى الحافلات...
هو، «أشرف» خميرة الغَم، مَن أفسدَ اللحظة. الدنيا كانت حلوة. قُبلات تفرقع على الخدود، وأياد مشدودة بسلامات عفيّة. موسيقى عالية لأغنية قديمة حماسية، تستثير حتى تراب الأرض الذى انتفض وداخ فى دوّامات متلاحقة. صحيح أنها دوامات قصيرة العمر، لكنها صنعت صخبا طبيعيا خافتا بجوار الصخب الآخر المبهج. كنا...
* إلى صديقي الشاعر.. الغائب في بلاد الثلج والضباب. عليك السلام في ليالي الصقيع. السماء - لابد- ترعاك وأنت تحت مظلتك في طرقات الثلج. ليرفق بك الليل الطويل هناك، ولتزرك الشمس الخجول. أنا وعظام أجدادي المتقلقلة في ترابها نقرؤك السلام، ونقاسمك خبزك وشاي الصباح وأخبار بلدنا في الفضائيات...
في ذكري مرتبة "يوسف إدريس" المقعرة في المرة الأولي بدا مثل طفل علي ظهر جمل، وهو يشير ناحيتها ان تقبل. كانت واقفة مبتسمة في قميصها، متطلعة له. وكان يطرقع بيديه علي المرتبة، وينتر جسده صعوداً وهبوطاً لينيخ تلك المنتصبة المشدودة. نادي بعبث: تعالي اقتربت تتلوي، ومن وضعه المزعزع مال وخطف قبلة. لفت...
التاريخ يدلنا علي كيفية صناعة المستقبل، ولأننا دوما لا نعي دروسه، ونسعى الى تكراره بذات الأخطاء القديمة، فإننا نعجز عن خلق مستقبل جيد يحقق لنا الرفاهية والتقدم، ونتحقق من خلاله، ان قراءتنا الخاطئة للتاريخ هي التي تمنعنا عن استيعابه، وتوقعنا في الخطأ المتكرر، لأن القراءة الصحيحة له كفيلة بأن تكشف...
صلاح عبد الصبور عجائز الرجال والنساء، ذوو الوجوه الموشومة بخطوط الزمن في الجباه والرقاب، قالوا إنه مات في أيام حلوة! وصبية المدارس كانوا في المسجد لحظة الصلاة عليه وهو مسجي بقلب النعش الفائح بعطر الموتي. مات يوم وقفة عرفات، في أول أيام الإجازة الممتدة لأسبوع كامل. هل لهذا السبب خرجت البلدة كلها...
من أول نظرة، عرفت أنني لن أكون محايدا تجاه وجه الرجل الذي يجلس بجواري في الأتوبيس. مع ذلك حاولت أن أنساه، وتركت رأسي يغفو فوق صدري. لم أتمكن؛ لأن الوجه اقتحمني في غفوتي بمجرد أن أغمضتُ عينيّ. رفعت رأسي نحوه من جديد: الشَّنَب! شَنب ملفوف ومستقوي.. عَمَّر سنوات طويلة، حتى انفتلَ بتلك الهيئة، وذلك...

هذا الملف

نصوص
71
آخر تحديث
أعلى