أبو يوسف طه

. كانت الساحة فوارة لايشح ماؤها أو ينضب ، يقصدها المراكشيون وسكان البوادي والوافدون على مدينتهم . إذ هي مقصدهم للفرجة وأخذ العبر وتلقي التعاليم والمواعظ ، والتسلية بأخبار الأولين ، والسفر الذهني إلى الجنة والنار للوقوف على أنواع التعذيب المدهشة ، والرفل في صنوف النعيم ، ومشاهدة أصناف القيمين...
لُقب أحمد ولد سْعيد بالخُزٌْ، وهو صغير الأرنب ، لضآلة جسمه ، وكان أكثر أهل القرية بؤسا وشظف عيش ، له من فاظمة الفطواكية بنتان وأربعة أبناء ، وكان عليه أن يجهد نفسه ليضمن مايعيل به أسرته بعمل أي خدمة تيسرت له ،وهو بهذا الوضع الزري لم يكن له شأن ، فلا يُستدعى لولائم أو أعراس أو ماتعقده " الجماعة "...
عندما يدفأ طقس مراكش أو يحترّ، في منتصف النهار، ويخلو الدرب من السابلة، ويلوذ الأطفال الضّاجّون اللاّهون بمنازلهم، تخرج زاينة من منزلها لتعبّئ جردلين من الساقية المجاورة؛ كانت خشيتها كبيرة من أن تسمع ما يخز مشاعرها، أو تلتقط عيناها الحزينتان نظرات الإشفاق والإستغراب المصوّبة نحوها كالمدي، لهذا...
حينما أجلس في مقهى (الحمامة البيضاء) صباح آخر كل شهر لاستخلاص راتبي الشهري، أسرح ببصري متأملا حركة الناس في الشارع ذات الإيقاع السريع، وأشجار الحديقة على الرصيف الآخر وسور المقبرة حيث يرقد العديدون خلفه صامتين بلا حراك ؛ وغالبا ما يسترعى انتباهي مرور شخص، في وقت محدد،ولنقل على وجه التقريب ،...
تأكلني الغيرة من الحمائم التي تحوم في الفضاء الأزرق ثم تحط على سور السجن لتغيب بعدئذ ، ويزداد نفوري من السجناء لصفاقتهم وعدوانيتهم ، لكنني ، بعد أن لامس أخمصاي الأرض خارج بوابة السجن ، اندفع هواء منعش إلى رئتي ، فأحسست بالخفة والنشوة ، وزال فورا ذلك الضيق الذي جعلني متكلسا طيلة مدة السجن التي...
لا يمكن ألايثير الإنتباه بّٓاجبراين بقامة مديدة رفيعة كالزانة ، ووجه صغيرتبرق فيه عينان يتدلى من بينهما أنف فاطس ذو منخرين كٓزِرٌٓيْنِ . يقضي الرجل ابن الخبازة حليمة يومه بعد أن يضع المائدة المليئة بأقراص الخبز الذهبية اللون بجوار دكان بائع اللبن والنعناع في رأس درب اليومبة في جمع الأوراق...
كنت قبيل كل مغرب أجالس السمسار موحى ، وكان ما في جرابه من حكايا طريفة لاينتهي ، ولأنني كنت سمٌِيعا ، فقد كان يشبع نهمي بالتفنن في طرائق الحكي ، يحكي عن فترة التحاقه بالجندية ، ومغامراته ، ومايعرض من وقائع لأهل الحي ، لكن المرة الأخيرة التي جالسته فيها كان بمعيتنا الأستاذ ابراهيم ، وهو رجل أنيق ،...
لا نبالي هنا بالكتابة خارج التجنيس ، هذا التصور المربك الذي يشرع الباب واسعا أمام الخلط بين الفن الأدبي ، واللاأدب ، مما يملأ الساحة بالضجيج ، ويترخص في تسمية أيا كان كاتبا ، ويدرجه في لائحة الكتاب الأصلاء . إننا نؤمن بأمرين ، أولهما وجود وحدة عميقة بين الآداب والفنون ، وثانيهما وجود مشترك...
( هذا ما حكاه لي " أغيول " الرجل القوي البنية ، الفارع الطول الذي يُغالٍب ولايُغلب ، وهو طاعن المرأة ) ـ لم يبق شيء يُجيب العطارُ السائلات عن بعض ما يحتجن إليه من بضائع ، لبان ، حلوى ، أمشاط ، عقيق ، أسورة ، حجر الكحل ، الحرگوس ، العكر الفاسي ـ بضائع يؤدى عنها بفرنكات أو ريالات أوي قايضها بالبيض...
- الإرتياب أصبح الدماغ كائنا ضخما على هيئته ذاتها ، يتوالى بلا هوادة نهشه قطيع وهمي من الضباع ، يبدو لنا حقيقيا - الأديان لماذا الشرق مهد النبوءات وليس الغرب ، ولماذا لم يتقاسما ذلك ؟ - الضيق هل هناك من سبب لأن نوثر الضيق في أمور الحياة بيننا لنشقى بدل أن نعيش سعداء ، أيعزى ذلك إلى عدم...
لا نجد في من يصر على إطفاء نور العقل إلا المتكسب واللص والمتسلط ، فهولاء يقيسون واقع الحال المختلف بمعايير مامضى ، وكأن ماصلح للسلف يصلح للخلف ، ولا يرون العبرة في كون نمو أجسادهم يقتضي تفصيل الثوب على المقاس ، ولايفقهون أن للحياة وتطورها منطقا يدعو إلى الملاءمة ، ولوتتبعوا مسار تطور التاريخ...
لا يمكن الجزم بوضوح الرؤية في هذا المجال ، فكثيرا ما يدعي المثقف دفاعه عن الشعب ، وقيادته لمعاركه ، والحقيقة أن الشعب ليس إلاتمثلا متوهما ، أو بالأحرى صورة ذهنية في مخيلة المثقف ، أو كلمة عائمة في نص شعري أو نثري ، إذ لو امتلك هذا المثقف سعة التجربة وتنوعها ، واحتك في يومييه بأصناف الناس...
لما تقاعدت ، تكسرت الأطر الإجتماعية الذي كنت أسبح فيها سباحة السمكة في الماء ، لدرجة أن المجالين الثقافي والسياسي فقدا رونقهما وبهاءهما مخلفين سلة من الدروس الثمينة في فهم الناس وطبائعهم ، وأصبح من المألوف أن أقتطع من كل نهار نصف ساعة لأقرأ صحف اليوم . ربما تكون اللذة المستقاة من هذا الوضع...
للأولياء كرامات، أمر يتداوله عامة الشعب، فسارت بذكره الركبان، وشاع في أرجاء الوطن السعيد، ومن الذين بزوا نظراءهم في الصلاح والتقوى ولي نبذ الناس، وزهد في الدنيا فاختار مكان اعتكافه في جبل شامخ على مبعد من مدينة مراكش بجانب نهر دائم الجريان... فكان يفصل بين الناس بالعدل، ويغيث الملهوف، ويطعم...
...وكأني أجتذب صورا من غور سحيق ، لا تهدأ عن الارتجاج. هناك قوة طاردة كما لو أن عقلة في اللسان أعجزته عن الحركة. كنت أرغب في أن أكون كراكب حصان جامح منطلق في براري الذاكرة وشعابها وودياتها غير أن الدائرة تضيق لأنني الكثرة في الباطن، الواحد في الظاهر. حدث مرة ، في البادية ، وأنا أرتدي سراويل...

هذا الملف

نصوص
38
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى