أثناء مرورنا وسط الأشجار، أَزَحْتُ
ستائرَ عن أعشاش، وابْتسمْتُ للعصافير ، فأبْدَتْ
بَرَمَها... مع ذلك
أنا فرحان.
مارية التي لم تنم جيّدا البارحة تبدو
مرهقة. ثمّ ها صديقتُها
القديمة، الفراشةُ ذات النّظرة
التّائهة، تتوقّف
قُرْبَ طاولتنا
تُقدّمُ لها أقلامَ رصاص
ومارية لا تُخرجُ من جِزْدانِها...
هذا الصّباح، لاحَـقـتـني
على امتداد شارع السّنجاب
- حيثُ، دَوماً
أقوم بنزهتي-
شجرة ذاتُ أنفاس حَرَّى
ذاتُ قوائمَ وبريق عين
وحين ابتَسَمْـتُ
اِنقلبتْ شجرة عادية
لها جذورٌ وعصافير!
يا أنا يا أنا
ها هي خلفك الآن
فإذا غنّيتُما معا
سيُغْمى على الغيوم!
وأثناء الظّهيرة، كُنْتُ أمشي
على الشّاطئ
وكانتْ،...
يَتَطَلَّعُ إلى شَمْسِ هذا الصَّبَاح
إنَّها صغيرةٌ ما تزال، يقول في نفسه
من الخطأ، ولا شكّ، أن تكونَ قد اعتُمِدَتْ
في هذه السِّن المبكِّرة
شمساً فِعْلِيّة.
إنَّه يراها الآن مُجرَّحة الخَدَّيْن
مُعَفَّرة الجبِين
يَسْألُ: هل عُدْتِ مُجدّداً إلى شَقَاوَتِك
وتَجَرَّحَ خدّاكِ في مُشَاحَنَات...
زُرْقَةُ هذا النَّجْم - وقد كان
صديقَ طفولتي
ولطالَما حرص على إضاءَة طريقي
أثْناءَ عودتي ليلاً من السّينما -
هِيَ بالتّأكيدِ مَرَضِيَّة
لقد سَاءَتْ حالتُه كثيرا
هذا ما أكَّده لي
طبيبٌ مُخْتَصّ في الجهاز التنفُّسِيّ
وعالِمُ فَلَك
وما هَمَسَتْ لي بِه امرأةٌ في بُسْتان
تبيّنَ لاحقا للشُّرطة...
عَامِلُ الكهرباء ذاكَ وزوجتُه اللذَان كانا
يشربان كثيراً في الحانة الوحيدة
على شاطئ البحر،
يُردِّدان أغانِيَ لجِيمْ مُورِيسُونْ،
ويقولان، بحزن، إنهما ربَيَا سفينةً صغيرة
لكنَّها أبحرتْ ذاتَ ليلة
ولمْ تَعُدْ
رأيتهُمَا أنا وشخصٌ ذو جبينٍ أحمر، قبل
لحظات، واقِفَيْن
بداخل سكّة القطار
يحيط بهما...
وكأنَّها الأبديّة
محمولةً بين مخالب نسر:
كلُّ هذا البياض
المُدَمّى
.
وكأنِّيَ الامتدادُ الحيّ
لزوبعةٍ
غامضةِ النوايا
.
أألتفعُ بِحرير الشمس
وأُصيخُ السّمع
لهذا النَّدى الذي يَموء
في حِداق
الخُزامى
.
أأحْدُو النَّسيم
إلى مسقطِ رأسه
خلال هذا النَّهار
الأكثرِ خضرةً
من كارثة
أم أبقى في هذه الغرفة...
طُول الوقت كان الموسيقيُّ
يَعزف بحركاتٍ تُشبه
تمارينَ المطر
والبهلوانُ يترنَّح في الأعلى...
لم يكن أحدٌ ليرفع عقيرته
لم تكن كفٌّ لتوقظَ الأشجار
المُسرنِمة في المرايا
على جُثَتنا الطَّافية فوق لعابها
تناثرتْ بِدافع الشَّفقة
وُرود الشَّفق
وبدا الحُضور سَاهمين
فهم، لا شك، يُفكِّرون
في عذاب...
آثرَ في هذه السّنة أن
يُسَمّد حقلَه بالكلام
ولأنّ له لساناً أصبح لا يكفّ عن الثّرثرة
- منذ أن فتنتْه امرأة
في السوق الأسبوعيّ-
فالسّمادُ إذنْ وافِر
والحقل سيُخصِب ولا شكّ
والغلّة ستكون عظيمة
حقّاَ، هو لم يكن قد رأى من تلك المرأة
سوى صفّي أسنانها
وبينهما قطعة بطيخ مديدة
لكنْ سوف يُفعِم الفرح...
كيف لي…
ـــــــــــــــ
كيف لي أن أنهي قصّة الأميرة ذات الهمّة وولدها عبد الوهاب في ليلتي
هاته التي يُضيئها فحسب بُؤبؤا عصفور؟
لن أبحث عن جواب ما دامت هذه الرّيح البطيئة لم تنته من مسح العرق
عن حصاني المطاطي المركون قرب النّافذة. حقّاً، كانت لي ريشات هنديٍّ
أحمر حول رأسي، لكنّها سقطتْ منّي...
فيما كانت دِيَكَةٌ
تَحْلِجُ صوفَ السَّحر
عبَرَ نَسيم رقيق
متلفّعاً بحرير القوافي
أما الفتنة النّائمة
في صالون للحلاقة
فقد أيقظَها شَعرُكِ
ثانيةً
ـ
ثمّ بدأتِ تركُضين
خلفَ جداولَ جاءت من بعيد
جداولَ كَشَطت بأظافرها أهراماتٍ
عن جِلد أخناتون
ثم عادت لتسريح
في عُيون المجانين
ـ
تبتعدين
وتُغْضِين...
رَجلٌ مفتول العضلات
يستطيعُ أنْ يُلاكِمَ الزَّبَد
مع هذا، جِدّ رقيق
رأى يَدَي الفجر تُقطعان
فأجهشَ بالبكاء
ومن دُموعه
تكوّنتِ اليدان مُجدّدا
أكثرَ من عشرين مرّة، نزل الدَّرَج
نحو غُرْفة الأحد
في كل مرَّة، يطرق الباب مُطَوّلاً
ولا من مُجيب
بَدأ شكُّه يَهصره
وأخيراً، أدرك أنّ الأحد قد اختفى
أنّ...