مبارك وساط (شاعر غبار الأرض ووهجِ الأفق)

* مُعاشَرة حرّة امرأتي ذات شَعرِ نارِ الحطب ذاتُ أفكارٍ من وميضِ بَرْق ذات قدِّ السّاعة الرّمليّة امرأتي ذات قدِّ ثعلبِ الماء بين أسنان النّمر امرأتي ذات فمِ الشّارةِ فمِ باقةِ نجوم من أحدثِ حجم ذاتُ أسنانٍ من آثار فئرانٍ بيضاء على التّراب الأبيض ذات لسانِ العنبر والزّجاج المحكوكين امرأتي ذاتُ...
ماتتِ الخالة الكبيرة، بعد عُمر مديد، وبعد انقطاع المطر الوشوم التي كانت تزيّن ظاهر كفّيها أصبحنا نراها على سقف غُرفتها مُهْرَتها الصَّغيرة لَبثتْ على دُهْمَتِهَا الطّائر الذي قضى في رُفْقَتها أيَّامَها الأخيرة ومات معها أيضاً بقيتْ منه رفرفةُ جَناح تجوسُ تحت السَّقف ووحدَها ابنةُ الخالة تراها...
لامُباليا أتقدّمُ بين الأشجار في هذه اللحظة، تحت هذه السماء... إنّها لحظةُ إغفاءة المطر. وها الجدول الأنيق الذي بالكاد خرج من الطفولة، يُربّت على خدّ سلحفاة، يَلْحسُ زَبَدَ جُفونِها. أُلوّح بيدِي للحمامة التي دَوّختْ صّيادي المنطقة، أَصْفِرُ لأرنبٍ ذاهل، وَقَفَ تحت شجرةٍ يمسحُ عَرَق جبينه،...
أقفُ تحت نافذةٍ تتردَّد خلفها شكاوَى عجزة ومتسوِّلين يتقاسمون خبز الملاحم القديمة. أقفُ تحت مطرٍ يقضم نهد عذراء تركض في مفازة العذاب، خلال هذا المساء الذي يرْفُل في فساتينَ من عوسج. طواحينُه تُفتِّت عظام الملائكة. وأنا الذي استهللتُ هذا الإعصار الجميل، لا أرى على شاشته إلا أقدامَ الموتى، مغروسةً...
من أوائل الكتب العربيّة التي امتلكتها في طفولتي، والتي عرّفتني بالعديد من شعراء العربية، القدامى خاصّةً، "تاريخ الأدب العربيّ" لحنّا الفاخوري. في ذلك الكتاب، كانتْ هنالك صُوَرٌ متخيَّلة لعدد من الشّعراء القُدامى الذين تمّ تناول حياتهم وشعرهم بشكل عامّ جِدّاً ، وقد أَنجز تلك الصّور فنّان لم أنسَ...
هذه الابتسامة التي رسمتْها شفتا العشيقة وهي تتحدّث عن السّكين الهائم على وجهه في ضواحي المدينة ربّما تكون من باب استحسان طريقتي الجديدة التي تُسهّل نُطْقَ كلماتٍ كانتْ تستعصي على الألسنة فلا تُلفظ إلا بعد أن تَدْمَى الشّفاه وعلى العموم تكون البسمة نتاج مصادفة محضة من الصّنف الذي يجعل قطرات...
ككلِّ مساء، يرى الطُّيور المراهقة تتملَّى صُوَرَها في مَرايا البحر، ونصالَ الشَّمسِ تحْتزُّ أعناق سُحُبٍ في هيئة ذئاب يرى السَّاعات الرَّتيبة تأكلُ قمحَ عينيه يَذْكر أنَّه كلَّما قطع أنهار النّوم الشَّاسعة في سفينة الأجداد استيقظَ في غابة تضجُّ بهديل طفولته المُرصَّعة بالنَّيازك بزئير شجرة...
أثناء مرورنا وسط الأشجار، أَزَحْتُ ستائرَ عن أعشاش، وابْتسمْتُ للعصافير ، فأبْدَتْ بَرَمَها... مع ذلك أنا فرحان. مارية التي لم تنم جيّدا البارحة تبدو مرهقة. ثمّ ها صديقتُها القديمة، الفراشةُ ذات النّظرة التّائهة، تتوقّف قُرْبَ طاولتنا تُقدّمُ لها أقلامَ رصاص ومارية لا تُخرجُ من جِزْدانِها...
هذا الصّباح، لاحَـقـتـني على امتداد شارع السّنجاب - حيثُ، دَوماً أقوم بنزهتي- شجرة ذاتُ أنفاس حَرَّى ذاتُ قوائمَ وبريق عين وحين ابتَسَمْـتُ اِنقلبتْ شجرة عادية لها جذورٌ وعصافير! يا أنا يا أنا ها هي خلفك الآن فإذا غنّيتُما معا سيُغْمى على الغيوم! وأثناء الظّهيرة، كُنْتُ أمشي على الشّاطئ وكانتْ،...
(حلم) ــــ ــــ ـــ ــــ قارِبُ النّوم يَمْخُر بي عُبابَ بحرٍ أَسْودَ يُبْعدني عنْ غُرفتي في هذه الليلة الشَّتْوية الموجُ العاتي يتقاذفُه سيوفُ البرقِ، أيضاً، تَهْوِي في الأعالِي، بلا رحْمة وخَوفي يتركّز في حاجبيّ! لكنْ، فوق رأسي، أنصافُ الطُّيُور التي بقيتْ حيَّةً بِمُعْجزة تَضعُ رُضّعاً في...
يَتَطَلَّعُ إلى شَمْسِ هذا الصَّبَاح إنَّها صغيرةٌ ما تزال، يقول في نفسه من الخطأ، ولا شكّ، أن تكونَ قد اعتُمِدَتْ في هذه السِّن المبكِّرة شمساً فِعْلِيّة. إنَّه يراها الآن مُجرَّحة الخَدَّيْن مُعَفَّرة الجبِين يَسْألُ: هل عُدْتِ مُجدّداً إلى شَقَاوَتِك وتَجَرَّحَ خدّاكِ في مُشَاحَنَات...
زُرْقَةُ هذا النَّجْم - وقد كان صديقَ طفولتي ولطالَما حرص على إضاءَة طريقي أثْناءَ عودتي ليلاً من السّينما - هِيَ بالتّأكيدِ مَرَضِيَّة لقد سَاءَتْ حالتُه كثيرا هذا ما أكَّده لي طبيبٌ مُخْتَصّ في الجهاز التنفُّسِيّ وعالِمُ فَلَك وما هَمَسَتْ لي بِه امرأةٌ في بُسْتان تبيّنَ لاحقا للشُّرطة...
عَامِلُ الكهرباء ذاكَ وزوجتُه اللذَان كانا يشربان كثيراً في الحانة الوحيدة على شاطئ البحر، يُردِّدان أغانِيَ لجِيمْ مُورِيسُونْ، ويقولان، بحزن، إنهما ربَيَا سفينةً صغيرة لكنَّها أبحرتْ ذاتَ ليلة ولمْ تَعُدْ رأيتهُمَا أنا وشخصٌ ذو جبينٍ أحمر، قبل لحظات، واقِفَيْن بداخل سكّة القطار يحيط بهما...
خَلف نافذتي المرصَّعة بالبروق تقصفُ أجنحةُ الفجر نُجيماتٍ وليدة . في الحُقول المُنهَكة حيثُ تتناجى بُقَعُ دَمٍ وأزْهار يرسم بحَّارٌ مسلوخ أشرعةً ومجاذيفَ على صفحة جِلْده المتهدِّل ويُحَدِّق عرَّاف بعينيه الزّجاجيتين في غُضون إلهٍ مُحنَّط بينما يتدلَّى جنديٌّ باسماً من المشنقة . أولئك أَسْلافي...
وكأنَّها الأبديّة محمولةً بين مخالب نسر: كلُّ هذا البياض المُدَمّى . وكأنِّيَ الامتدادُ الحيّ لزوبعةٍ غامضةِ النوايا . أألتفعُ بِحرير الشمس وأُصيخُ السّمع لهذا النَّدى الذي يَموء في حِداق الخُزامى . أأحْدُو النَّسيم إلى مسقطِ رأسه خلال هذا النَّهار الأكثرِ خضرةً من كارثة أم أبقى في هذه الغرفة...

هذا الملف

نصوص
125
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى