أمضي شاحباً، لا أتوقف إلا جنب الفتاة التي تمدّ يدها فوق بحيرةٍ تقولُ إنّ ماءها سينضب إن استمرّتِ السمكة الحمراء في عضّ الطحالبِ ذات الأحذية الحديد.
تقول: إنكَ شاحِبٌ لأني امتصصت لسانك وأنت نائم.
وأنا لم أركب اليوم حصاني لأنه كان قد نسي حدوة يومَ بلغ أشدّه قرب جدولٍ، وأصبح يهاب الضِّفاف...
لا أحتاج إلى مقدمات حين يدخل إلى حقل الأدب الكبير من له فيه باع طويل، برهن عليه منذ ثلاثة عقود ويتواصل، عكف بموهبة ومثابرة على أصعب أجناسه وأكثرها تطلّبًا للعناية باللغة، والدّراية بالبلاغة، والتعبير بالمجاز، الشعر الذي يتلفّظ الذاتَ ويرسُم العالم بطاحًا وتلالاً بالاستعارة، ويبنيه في كلّ مرة...
الطّفلة الغريبة التي كانتْ تحكي لنا
عن رفقتها لقمر وديع ألثغ
والتي مضتِ البارحة لتنامَ جنْب المدفأة
قائلةً إنَّ عناكبَ مدربَّة
تنسج من نُخاع الزَّمن
خُمُرا لإناث الزواحف
ما زالتْ بعدُ لم تستيقظ...
ذلك أنّها ليست في مكانها
فهي تتمدّد على شاطئ بعيد...
نمضي إليه لنرى:
ثمَّة قواربُ محملَّة بأمواجٍ...
لا أحتاج إلى مقدمات حين يدخل إلى حقل الأدب الكبير من له باع طويل فيه، برهن عليه منذ ثلاثة عقود ويتواصل، عكف بموهبة ومثابرة على أصعب أجناسه وأكثرها تطلّبًا للعناية باللغة، والدراية بالبلاغة، والتعبير بالمجاز، الشعر الذي يتلفّظ الذاتَ ويرسُم العالم بالاستعارة، ويُبنيه في كلّ مرة بهوى وعلى نظام، أي...
دائماً للمرّة الأولى
وأنا بالكاد أعرفكِ بالعِيان
تدخلين في تلك السّاعة من الليل إلى بيت
مائل بالنسبة لنافذتي
بيت مُتخَيَّل بأكمله
وهناك من ثانية إلى أخرى
في السّواد التّامّ
أنتظر أن يحدث من جديد التّمزّق الفاتن
في واجهة البيت وفي قلبي
وبقدر ما يزداد اقترابي منك
في الواقع
يشتدّ غناء المفتاح...
لِيَسرد على عينيها
نُعَاس اليمامة التي تَحيا
في صُندوق من طلّ
جاءها ولم يصدِّق
أنّه أفلت من أشْراك الرَّمل
وكمائنِ المصادفات
وأنَّ خيول الشَّوق المُجنَّحة
التي حملتْ على صهواتها قرىً عديدة
إلى مجرّات بعيدة
هي التي أنقذتْه
من فحيح المسافات
جاءها مخموراً
في عينيه
هلوسات السّهر والترحال...
ومعها...
* مُعاشَرة حرّة
امرأتي ذات شَعرِ نارِ الحطب
ذاتُ أفكارٍ من وميضِ بَرْق
ذات قدِّ السّاعة الرّمليّة
امرأتي ذات قدِّ ثعلبِ الماء بين أسنان النّمر
امرأتي ذات فمِ الشّارةِ فمِ باقةِ نجوم من أحدثِ حجم
ذاتُ أسنانٍ من آثار فئرانٍ بيضاء على التّراب الأبيض
ذات لسانِ العنبر والزّجاج المحكوكين
امرأتي ذاتُ...
ماتتِ الخالة الكبيرة، بعد عُمر مديد، وبعد انقطاع المطر
الوشوم التي كانت تزيّن ظاهر كفّيها
أصبحنا نراها على
سقف غُرفتها
مُهْرَتها الصَّغيرة لَبثتْ على دُهْمَتِهَا
الطّائر الذي قضى في رُفْقَتها أيَّامَها الأخيرة
ومات معها أيضاً
بقيتْ منه رفرفةُ جَناح
تجوسُ تحت السَّقف ووحدَها ابنةُ الخالة
تراها...
لامُباليا أتقدّمُ بين الأشجار في هذه اللحظة، تحت هذه السماء... إنّها لحظةُ إغفاءة المطر. وها
الجدول الأنيق الذي بالكاد خرج من الطفولة، يُربّت على خدّ سلحفاة، يَلْحسُ زَبَدَ جُفونِها.
أُلوّح بيدِي للحمامة التي دَوّختْ صّيادي المنطقة، أَصْفِرُ لأرنبٍ ذاهل، وَقَفَ تحت شجرةٍ
يمسحُ عَرَق جبينه،...
أقفُ تحت نافذةٍ تتردَّد خلفها شكاوَى عجزة ومتسوِّلين يتقاسمون خبز الملاحم القديمة. أقفُ تحت مطرٍ يقضم نهد عذراء تركض في مفازة العذاب، خلال هذا المساء الذي يرْفُل في فساتينَ من عوسج. طواحينُه تُفتِّت عظام الملائكة. وأنا الذي استهللتُ هذا الإعصار الجميل، لا أرى على شاشته إلا أقدامَ الموتى، مغروسةً...
من أوائل الكتب العربيّة التي امتلكتها في طفولتي، والتي عرّفتني بالعديد من شعراء العربية، القدامى خاصّةً، "تاريخ الأدب العربيّ" لحنّا الفاخوري. في ذلك الكتاب، كانتْ هنالك صُوَرٌ متخيَّلة لعدد من الشّعراء القُدامى الذين تمّ تناول حياتهم وشعرهم بشكل عامّ جِدّاً ، وقد أَنجز تلك الصّور فنّان لم أنسَ...
هذه الابتسامة التي رسمتْها شفتا العشيقة وهي تتحدّث عن السّكين الهائم على وجهه في ضواحي المدينة
ربّما تكون من باب استحسان طريقتي الجديدة التي تُسهّل نُطْقَ كلماتٍ كانتْ تستعصي على الألسنة فلا تُلفظ إلا بعد أن تَدْمَى الشّفاه
وعلى العموم تكون البسمة نتاج مصادفة محضة من الصّنف الذي يجعل قطرات...
ككلِّ مساء، يرى الطُّيور المراهقة
تتملَّى صُوَرَها
في مَرايا البحر، ونصالَ
الشَّمسِ تحْتزُّ أعناق سُحُبٍ
في هيئة ذئاب
يرى السَّاعات الرَّتيبة
تأكلُ قمحَ عينيه
يَذْكر أنَّه كلَّما قطع أنهار
النّوم الشَّاسعة
في سفينة الأجداد
استيقظَ في غابة تضجُّ
بهديل طفولته المُرصَّعة بالنَّيازك
بزئير شجرة...