سرد

كانت المدينة الصغيرة تنهض متثاقلة من سباتها العميق فقد هل الصباح وإن حجبت خيوطه الفضية جلابيب الضباب الرمادي الذي تساقط على الأزقة فأخفى العمال والتجار والطلبة وهم يتدافعون إلى حقول عملهم. وكان عسيرا على الزائي أن يتبين ذلك الرجل السائر بخطى وثيدة متثاقلة فقد كان أحمد عبد العزيز يبدو من بعيد...
كان العرق البارد يملأ جبهتي العريضة، وجسدي يرتعش في جنون، والشاوش ببذلته الزرقاء الموشومة ينفث دخان سيجارته في الهواء، ويحتسي بين الفينة والأخرى الشاي بصوت مرنم مسموع، ثم يلتفت إلى«شاوش» آخر ليقول له: أنت تعرف صنع الشاي إذن... لقد راق الرئيس كثيرا... وتقدمت منه بخطاي البطيئة، وأنا ارتعش...
ظل العدلان السيد (زين الدين) والسيد (منير) يتدارسان رسومهما منذ أفطرا معا حتى أذن مؤذن الظهر، وقد طرب السيد (زين الدين) لصوت المؤذن، فقد كان يظن أن هذا الصوت سيعجل بانصراف زميله، ولكن ظنه كان خاطئا، فلم يبد السيد (منير) ما يشعر باعتقاده أن لهذه الجلسة نهاية، وبالرغم من أن السيد (زين الدين) لم...
وحينما تختفي قوة الإنسان الجثمانية، لا يجد بدا من أن يستعيض عنها بقوة أخرى، وخصوصا إذا كانت تلك القوة الجثمانية قد صرفت طاقتها في أسباب العراك والخصام التي كانت تذهب في كثير من الأحيان إلى حد العناد والتحدي والاعتداء أيضا، أما القوة التي استعاض بها هذا الشيخ الطاعن في السن قوته الماضية، فكانت...
كان مساء .. وكان برد وهواء وكان صوت العاصفة يدوي في الفضاء. وكان صديقي يسير مخيفا كالشبح. فإنما كأفكار المتشائمين والظلمة حوله كثيفة كئيبة توحي الحزن، وتبعث الهلع، فقابلته صدفة فقال لي والدموع تنهمر من عينيه: تشتري مني ذكرياتي؟ قلت: بكم يا صديقي؟ فقال: بنجمة لامـعة و ـ كوكـب مضــــيء ينير لي...
الصحراء المغربية في حركة دائبة ونشاط غير معتاد، فالقوافل تملأ الطرق وتخترق البيداء، جمال ونوق خفاف قد التصقت جلودهم السمراء بعظامهم الصلبة وأعصابهم القوية، وكأنها حبال من حديد. تنظر فلا ترى وجوها، وإنما ترى أجساما ممشوقة عليها أردية زرق، وأخرى بيض، قد دبت الزرقة إليها لكثرة احتكاكها بالأردية...
كان الصبية يراوحون بين النظر إلى ألواحهم والتطلع إلى فقيههم ، ولم يكونوا في الحقيقة يتبينون شيئا ، فقد كانت ألواحهم لا تكاد تستقر بحروفها على ضوء الذبالة الراقصة ، وكان فقيههم ، على بعده عن الشمعة التي يدورون هم عليها ، هامدا ساكنا ، لا يكاد يبين عن سره بحركة يتحركها جسمه الضخم ، أو خلجة يختلجها...
خرج الفقيه أحمد من المصلي وهو يهيتم بالمعقبات. وما أمن زحام الباب ووجد مضطربا يضطرب فيه، حتى رمى بجناح «سلهامه» الأيمن على كتفه اليسرى، ومضى بخطى واسعة، وبوده لو بدرك الحافلة قبل أن تتحرك. وأمتد الطريق أمامه حافلا بالعسكر، والنظارة الذين يترقبون عودة موكب «المخزن» من المصلى، فرأى أن يتنكب عنه...
كان ذلك في مصر، قبل أن تقوم الثورة. دخل علي بقامته المديدة ووقف أمامي فحال بيني وبين النور فدعوته للجلوس. كان من المتفيهقين الثرثارين الذين يحلو لهم أن يسرفوا في الحديث، وهو رجل قد تجاوز الخمسين، واسع الحيلة، شديد الإلمام بظروف الحياة وتقلباتها، عصبي الطبع، عركته الحياة وعركها، تلقى عليه أول...
هناك بعض الزعماء والأبطال، يكتب عيهم أن يوجدوا في ظروف غير مواتية، وغير مساعدة لهم على الإفادة أو الاستفادة من الصفات البطولية التي يتحلون بها. ونحن لا نؤمن إيمانا أعمى بان التاريخ من صنع الأبطال فقطن ولكنا لا نؤمن أيضا إيمانا أعمى بأن التاريخ في تطوره، والإنسانية في تقدمها، يستطيعان أن يستغنيا...
ملخص القسم السابق: كان أبو عبد الله الشيخ الملك الذي أرسى قواعد الدولة السعدية وقضى نهائيا على دولة بني مرين، شديدا جدا في معاملة أعدائه وخصومه السياسيين، وعندما فتح مدينة فاس للمرة الثانية، وتمت له الغلبة على أبي حسون المريني، بدأ ينتقم من أنصار أبي حسون، وكان من هؤلاء في رأيه، الفقيه عبد...
(أنا سلطان السلاطين وملك الملوك، مانح التيجان للملوك على وجه البسيطة، ظل الله في الأرض،سلطان البحرين الأبيض والأسود، وخاقان البرين، وملك الروملى، والأناضول، وبلاد الكرمان، وبلاد الروم، وزلكدريا، وديار بكر، وكرستان، وآذربيجان، وفارس، ودمشق -حلب- القاهرة – ومكة المدينة-القدس، وكل البلاد العربية،...
... ونذهب إلى منزل العريس، لنكون معه في حفلات عرسه _ قبل عصر التطور الحديث - مبتدئين بحفل ( الهدية ). أنه قبل الليلة الكبرى ( ليلة العمر) التي تزف فيها المرأة إلى بيت زوجها، تعرض هدايا العريس إلى عروسته، عرضا مرتبا أنيقا، وذلك بعد العصر، من حيث تقبل الناسء والعذارى المحجبات، من غير ذوات القرابة،...
حُكم على خليل حاوي بالإعدام، فحدّق إلى السماء متعجّبًا من لونها الأزرق الذي لم يتحوّل لونًا أسود. وشُنق ثلاث مرات، فكان الحبل في كلّ مرة يتمزّق على الرغم من أنّ جسمه هزيل وعنقه نحيل. ووقف مشدود القامة مغمورًا بضياء الشمس، بينما كان سبعة رجال يسددون فوهات بنادقهم نحوه، ويطلقون النار عليه، فلا...
التقى زهير صبري امرأة تشبه زهرة حمراء على غصن أخضر، فخبّرته بصوت مرتعش أنها تحبّه ولن تستطيع أن تحبّ غيره. فقال لها إنه لا يهتم إلاّ بمستقبله، فبوغت بصفعة مؤلمة تنهال على رقبته، فتلفت حوله، ولم ير الصافع. وصُفع ثانية عندما قال لأحد الأثرياء إنه أعظم رجل أنجبته البلاد، ولم يرَ الصافع. وصُفع مرة...
أعلى