محمد بشكار

لِكُلٍّ مِنَّا رغائبُهُ التي تدعوه بنداءاتها للخروج من الحجْر المنزلي ولو تشابهتْ أحياناً، فما أقسى الغياب وأنت في كامل حضورك تتمتَّع بحيويةٍ قمينة بِهدِّ الجبال، ما أقسى أن تكون منفياً دون حُكْمٍ، ليس فقط في وطنك بل أضيقَ في بيتك حفاظاً على حياة الجميع، أعْترف أننا لا نكتشف تطرُّفَ بعض...
بَعْد أن صار العالم الافتراضي واقعاً نعيشهُ مُرْغمين في خِضَمِّ هذه الجائحة، وغدَاْ التَّواصُل عن بُعد وسيلتنا الناجعة للاستمرار ليس فقط في العمل بل أيضا في العيش، لُوحِظ أن شرائح شاسعة في القطاع التلاميذي تحْديداً لا تستفيد حرْفاً من التعليم في البيت، وما ذلك إلا لأنَّ أغلب الأسر المُعْوزة في...
لا أعْرفُ هل ما يَحصُل معي وأنا محاصرٌ في بيتي امتِثالاً للحَجْر الصحي، يحدث أيضا مع غيري ممن يعيشون نفس وضعيتي، أشعر أن التقييد الذي قلَّص من حركة جسدي في حيِّز المنزل، جعلني أبتكر لتجوالي الداخلي شوارع من صخب آخر، وأحرِّر أفكاري المُصْطَرِعة لتتجاوز الجدار، الجميع يُفكِّر الآن في ما يحدث...
1 أحدهم يُديرُ بِجُنونٍ تصوير فيلم عالمي رديء، ونظرا للواقعية غير السحرية التي يتحلَّى بتقريريَّتها الجافَّة هذا الفيلم، فهو لا يخلو من ضحايا يُعدُّون بالآلاف، كما أنه جعل كل سكان العالم يلعبون دور المُمثِّلين والمشاهدين في نفس القاعة مَحْجورين على شفا الشارع، أما هو فَدورُهُ كمخرج للفيلم يُمْلي...
كما حُوصِر الإنسان في بيته بين الجدران لتطويق الوباء ومنْعِه من التَّفشِّي، حُوصر أيضاً عقله في فكرةٍ واحدة هي فيروس كورونا، لكنني لن أستسلم لهذا المأزق المؤرِّق الذي أخْلى الشوارع منا وجعلنا عالما بدون بشر، لن أدع السنة تستثني من الفصول أجملها، وتححب عن بصري شقائق النعمان المشرئبَّة بأعناقها...
لا يمُرُّ عنوانٌ في تلفازٍ أو صحيفة إلكترونية وورقية أصابه ما أصاب البشر من فيروس كورونا، دون عبارة (الحَجْر الصحي)، وما أشبه تكرارها بضربات الفأس على الرأس، خصوصا إذا كان يحفر قبرا مؤجلا على مقاس ميت مازال يحتضر في الفراش، بل إن عبارة (الحَجْر الصحي) التي قد تفيد أحيانا الإكراه البدني، تجعلنا...
عُمْر الإنسان المريض ولو كان في طريقه للموت، ليس بيد الطبيب الذي يقيس بأدواته المعدنية درجة الحياة، ولكن يُمكن القول إن عُمْر المجتمع بِرُمَّتِه أصبح بيد غيرنا مع وقف إعلان الوفاة، فلا شيء يدُلُّ على أننا مُجتمعٌ حَيٌّ رغم كميات الدموع التي نُهْرقُها أمام أنظار العالم، وليْت بعض الأنفس التي لا...
التَّوقيع فيه.. وليس فيه، والتَّوقيع في زمننا بالقلم كما في زمن أسلافنا بالبصمة التي تصير سارية الحِبْر بعد النَّفخ على الأصبع، تَعاملٌ إداري وتجاري ومالي ورمزي أيضا في حالة الاستلام أو التسليم، ورغم تباهينا بالقول إنَّ الرجل أو حتى المرأة هي الكلمة، إلا أنه لا أحد يُمكن أن ترْبِطه من لسانه وهو...
المَوْقِف أن يكون لك مع الرأي الجرأة لقوله علانيةً، وليس الموقف أن تستعير أكثر من لسان لِتطْلَعَ على الناس في كل يومٍ بكلامٍ لا يشبه الذي سَبَقَهُ أو الذي سيليه، عسى وأنت تتقلَّبُ ظَهراً على بطْنٍ في المواقف بالخفَّة التي تجعلك تتقلَّبُ في المناصب، أنْ تحظى بالثَّبات في الشهادة ! ما من أحدٍ إلا...
الحاجة لِأشياءٍ نفتقدها في واقعنا المعيش، وراء كل ما نبْتدِعه تحت غطاء رسمي يُعطيه الشرعية، لذلك ابْتدعنا أياماً سُمِّيت تغليطاً بالعالمية دون أن تشمل هذه العالمية قرية مطمورة بسكانها بين جبال الثلج في تخوم الأطلس، وهاهي السعادة التي جعلتها الأمم المتحدة لا تتجاوز يوما بتاريخ 20 مارس من كل سنة،...
بعض الفلاسفة الأكثر عقلانية في تاريخ الفكر الإنساني انتهوا للجنون، وبعض الكوميديين الذين سخَّروا كل قُدُراتهم التَّمثيلية لإضحاك الناس، جعلوا الضحك ينْقلِبُ بكاءً حين انتحروا، ولم يكن المُفكِّر يبحث عن فهْمٍ آخر للعالم أبعد من العقل، إنما اكتشف أنه يسبح بعقلانيته التي لا يريدها أحدٌ ضد التيار،...
يَعْبُر العُمْرُ لَا يَعْبُرُ الجِسْرُ: هَلْ قَدَرِي يَا حَيَاهْ الجَرْيُ أَسْفَلَ جِسْرِكِ مِنْ حَجَرِ كَالمِيَاهْ؟ يَعْبُرُ العِطْرُ لَيْتَكِ إذْ تَتْرُكِينَهُ خَلْفَكِ لَا تَعْبُرِينْ.. مَا السَّبِيلُ لِرُؤْياكِ عَيْنِي تُخَاصِمُنِي لَيْسَ يُقْنِعُهَا الوَرْدُ يَنْبُتُ فِي بَصَرِي أوْ...
1 الأقنعة ليست للوجوه فقط، ولكن ثمة من يستعملها ليعيش بشرف وهذا ما نُسمِّيه البطالة المُقنَّعة، أو بدون شرف ومنها الدعارة المُقنَّعة، وقد بثَّني صاحبي المُتوعِّك دائما شكْواه، قال إنه لا يستطيع مقاومة إغراء بعض الإشهارات في فيسبوك، خصوصا تلك التي تُعلن عن افتتاح أحد صالونات التَّدليك هنا أو...
اليوم وأنا أسْتلم كتابِيَهْ بيميني رغم أنِّي ألَّفتهُ من المحبرة التي تنْبُض دافقةً في يساري، أشعُر أنِّي تخلَّصتُ من عِبْءٍ أثقل طويلا كاهلي، ألَسْنا نرجوا من كل كتابةٍ ندْفعها لتُلاقي نشُورها، سوى تلكم الخِفَّة في الروح والجسد، وهي أشبه بخفَّة من صار ذنبه مغفورا، فلا أحد ينصرف من الوجود دون أن...
نحن شعبٌ ولا أستثني نفسي من العُشب الذي على هشاشته يكْلأ المتنفِّذون، نُحقِّق حضورنا الذاتي في الغياب، ولستُ أعْني ذلكم الغياب المُسْتَحب الذي يفيد التواضع، وإلا مَنْ تراه في زمننا يملك القدرة على اختيار الإقامة في الظل متنازلا لغيره عن حصَّة من الضوء عساه يتمتع بفرصة للعيش، إنما أقصد الغياب...

هذا الملف

نصوص
212
آخر تحديث
أعلى