سرد

كنا قد ضربنا خيامنا في الواحة، وقد غفا رفاقي. مرَّ بي القوام الأبيض الشامخ لرجلٍ عربي، كان يتفقَّد الإبل، ويمضي في طريقه إلى مرقده. استلقيت على ظهري، فوق العشب، حاولت التماس الكرى، لكن النوم جفاني. في البعيد عوت بنت آوى، فاقتعدت الأرض ثانية، فجأة دنا مني، كأشد ما يكون الدنو، ما كان نائياً، فقد...
كنا ذات يومٍ في رحلة قصيرة، وفي وسط ارتحالنا ضربنا خيامنا في الواحة. وبينما كان رفقائي نائمين إذ مرّ بي عربيٌ طويل القامة أبيض الثياب يقود نوقه متجهًا إلى منامته. قذفتُ بجسدي فوق العشب واستلقيت. كنتُ أتوق للنوم ولكني لم أستطع. ومن بعيدٍ تناهى لي عواء ابن آوى، فنهضتُ مرة أخرى. وفجأة ذلك العواء...
كنا نرقد في الواحة. وكان الرفاق نياماً. عربيّ، فارع القامة، أشيب، مرّ بي؛ كان ذاهباً إلى المرقد بعد أن أطعم الإبل. ألقيت بنفسي إلى الخلف في العشب؛ رغبت في النوم؛ تعذّر عليّ؛ من بعيد تناهى إليّ عُواء ابن آوى؛ جلست معتدلاً ثانيةً. وما كان بعيداً جداً، غدا قريباً على حين غرّة. قطيع من بنات آوى...
ضربنا خيامَنا في الواحة. رفاقُ السفرِ قد أخذهم الوسنُ. مَر بالقرب مني عربي عظيمُ الجِرم يلبس ثوبا أبيضَ، قد حملَ إلى الإبل علوفتَها وعادَ إلى مَضجعه. استلقيتُ في العشب؛ عالجتُ النومَ فلم يُسعِف؛ يصل إلي مِن بعيد عويلُ بنات آوى؛ فنهضتُ. بات الصوتُ البعيدُ، بغتةً، قريبا مني. بناتُ آوى تتنَغَّشُ...
بدءا، أثناء الإعداد لبناء برج بابل، جرى كل شيء على مستوى رفيع من التنظيم المرهق، ويمكن القول في ظل إجراءات مبالغ فيها، حيث جرى تحضير الدلالين والمترجمين وبيوت سكن العمال وبناء الطرق بدقة متناهية، كما لو كنا بمواجهة عمل هائل، يستغرق تحقيقه مئات السنين. وتماشيا مع الرأي السائد حينذاك كان من...
(إلى صديقي الأستاذ أنور المعداوي إعجابا بقلبه الكبير) من كان يتصور هذا؟! من كان يتصور أن ذلك القلب الصغير يتسع لكل تلك العواطف الكبيرة الزاخرة بأسمى مشاعر الحب والوفاء؟! أجل، من كان يتصور هذا؟! ومع ذلك فقد جرى كل شئ في بساطة مدهشة. كان المنزل الذي اتخذته مقرا لي في القاهرة يعج بالمغريات، وكنت...
لا يدري سليم متى هاجر عمه إلى البرازيل، ولكنه يدري أن أمه كثيراً ما كانت تضمه إلى صدرها وهو صبي صغير، وتهمس في أذنيه أن عمه إبراهيم سيعود يوماً ما من بلد الخيرات، وأنه سيحمل إليه من هناك ذهباً كثيراً، ومالاً وفيراً، ويعيشا بعد ذلك عيشاً سعيداً، هنياً ولقد شب سليم وهو يرضع هذا الأمل اللذيذ،...
مهداة إلى رفيق الشباب محمد إسماعيل هاني الأضواء الساطعة التي تنبعث من نهاية الزقاق، والجموع الحاشدة التي تتوافد إلى هناك، يؤكدان أن حادثاً هاماً شغل أهل الزقاق هذا المساء! أما الأغاريد التي تنبعث بين آن وآخر، والأغنيات التي تسمع بين حين وحين، والأعلام الصغيرة الخضراء التي يهزها نسيم المساء...
على حافة الحلم كان الملتقى؛ لقاء لم يقترفه أحدهما عن سبق إصرار وترصد؛ وحده القدر يجيد رقن الحكايات وحَبْكَ المصائر، وقد يتوارى هناك باسما ينتشي؛ ليٌتِيحَ مجالا لبراءة الطفولة؛ عندما نحل أول يوم بالمدرسة، ونَجِدُنَا بين أربعة جدران وتحت سقف واحد؛ بين مخلوقات تشبهنا؛ وأرواحٌ نُصِبتْ عَرْضَ...
مع آخر لقمة استقبلتها معدته شبه الفارغة , قفزت الى ذهنه عبارة فوكنر : ( لو تجنب الكاتب الجوع والتشرد و وجد سقفاً يؤويه, فإنه لن يحتاج سوى قلم و ورق ليعمل)!!! وضع هذه العبارة في كفة وفي كفة اخرى عبارة ( المعاناة تولد الابداع) ثم اطرق برأسه لبرهة مفكرا ومحاولاً ما استطاع ان يرجح كفةً على اخرى...
صحيح أن بدور لم تكن تعدو عن كونها ابنة عمي، ولكنني مع ذلك كنت أحبها بقدر محبتي لوالدتي وهي كل ما أملك في الحياة. كيف أنسى تلك اللهفة التي كانت تلهب نفسي إلى رؤيتها ورؤية أبوي حين كنت أقوم بمهام وظيفتي الحكومية في (البصرة)؟ وعندما عدت إلى بلدتي لقضاء إجازتي السنوية. . رباه، كيف يغيب عن خيالي ذلك...
كنا أربعة. . تربطنا رابطة وثيقة من التآلف والانسجام، وتنبعث في نفوسنا رغبات متسقة، وآمال واحدة في الحياة. حتى يخيل إلينا أننا نؤلف كياناً مؤتلف الأركان في دنيا تنهار تحت معاول الانشقاق! وكنا نجتمع كلَّ أمسية في بيت واحد منا. . نخلو إلى أفكارنا بعيدين عن ضجة الواقع، وصخب العيش. . وكانت عقولنا...
خرجت إلى الطريق وفي رأسي معركة، ومشيت ومشيت، ولكنني كنت أمشي داخل نفسي، وطالت الطريق. . ترامت أمامي وامتدت. . ترامت كما يترامى الزمن ويمتد، وصعدت فيها وهبطت. وحين تطلعت بعيني لأرى ما بقى، رأيت أنه على مسافات. ومشيت ومشيت. وكان يخيل إلي أحيانا أنني لا أمشي، بل أسبح. وصلت، وقدامي تتخاذلان...
كان (رأفت بك) يغادر المحطة واضعا يديه في جيوب معطفه الصوفي الثمين وقد رفع ياقته حتى تلتف حول عنقه، فقد كان الجو شديد البرودةوالريح سريعة الهبوب. . وكان بين آن يلتفت خلفه يستعجل الحمال الذي يحمل حقيبته بكلمات مقتضبة. وكان الحمال أو بعبارة أدق الصبي الذي يحمل الحقيبة في الثامنة من عمره؛ وكان يعدو...
إنَّ نافذة في جلدي قد أشرعت. ظلت تبرق أملاً، وتتزود بشيء من ذلك الحب النابع من كون البؤس في ظروف واحدة واحداً رغم تغير المكان. نافذتي شفافة كالزجاج سرعان ما تتهشم بحجارة يطلقها طفل ما لأنه قد رام التخلص من سقمه بقذفه حجارة، ولا يعلم مكانها أحد حتى أنا، قد تكون المجهول! ذلك المجهول الذي يطل على...
أعلى