سرد

عبق التبغ المختلط بأريج عطور ذكورية يداهم أنفي.. عيوناً متلصصة تحاصرني وتراقب حركاتي وأحاول أن أتجاهلها.. حفيف أوراق الشتاء المتساقطة يختلط بصوت الرياح الصاخبة وضجيج السيارات التي تشق طريقها مسرعة نحو مصائرها صانعين سيمفونية بعثت بالأشجان في نفسي..رتبحث عنه عيناي في كل مكان ولكن بلا جدوى..رأتوق...
بلدته التي بدت بيوتها كحبات متناثرة تخترقها سكة الحديد من وسطها، في مخيلته تعاقبت صور شتى تدفعه ليلملم شتاته قبل الوصول اليها.. كانت رغباته تهتاج في كل خطوة على الأرض التي تتماوج أمامه وسط السراب المتراقص الواصل حد الأفق.. خطواته يجرها بعناء، وجهه يتفصد بحبات العرق وعيناه مدفونتان في تجاويف...
استيقظت مبكرًا كعادتى، أوقظ طفلى الحبيب، وأحضر له الفطور، كيوم طبيعى، أذهب به لإيصاله إلى المدرسة، لكن يختلف هذا اليوم عن غيره فى روتينه، فبدلًا من أن أذهب إلى عملى سأذهب إلى المشفى لأخذ نتائج تحاليلى، وبالفعل ذهبت ثم عدت لأخذ ابنى بعد انتهائه من يومه المدرسى وأعود به إلى البيت، وأحضّر له...
سألني السائق سؤالاً أخيراً عندك جد فى العرديباب ؟ قلت له مؤكداً وبشكل حاسم نعم عندى جد واسمه الحاج عندلة. ثم سألني وكأنه يريد أن يؤكد شيئاً هل هو موجود حالياً... فى الأيام دى بالذات. لا أدرى لماذا يتدخل السائقون الثرثارون فيما لا يعنيهم،أنا ذاهب الي العرديباب، وعليه أن يكبح فرامل عربته فى...
هناك في دنيانا الكثير من المهن التي يكمن فيها أو يكتنفها الخطر ويتسبب في كوارث ، ولذا يجب علي الشخص أن يتخذ حذره ، وربما تحدث الحوادث بالرغم من الحيطة والحذر ومن هؤلاء العاملين الجنود المجهولين موظفي الأرصاد الجوي والذين يتطلب عملهم تحديث حالات الطقس وقياسه في فترات معينة من اليوم ويستخدمون في...
(( عا آآوووه ………)) صرخة طويلة ممطوطة تشبه صرخة حيوان جريح تصحبها ضحكة مجلجلة تنم عن قلب مفعم بالطيبة ، تردد صداها جنبات مدينتنا عطبرة * ، تأتي دائماً عند الغروب ، تقشعر لها جلود الناس ثم تلين بعد ذلك ويعم السلام المدينة ، يضحك الجميع في طهر طفولي ، يشفى الأطفال المصابين بأمراض المناطق الحارة ،...
" و انت عرفتها كيف و وين و متين يا ولدى ؟ " هكذا ألقت زوجتى " شامة " بأسئلتها فى وجه وحيدنا " نادر " و هو يجلس أمامنا تحت راكوبتنا الفسيحة . الوقت أصيل لكن السخانة لا تزال تلفح وجوه الناس و الأشياء ، حتى شجرة النيم التى تتوسط دارنا تهدلت أغصانها كأنما بصق الزمان عليها شيخوخة مفاجئة ، بدت لى فى...
في مقهى ما من مقاهي الـمدينة، كانت تجلس مع صديقتها الأجنبية، تشرب الشاي بهدوء، تضحك بشكل حقيقي، تبتسم بعمق، تحرّك يديها تماماً كما تفعل في كل الأمكنة، في مؤسستها مثلاً. هنا في هذا الـمقهى لا شيء حقيقياً أو عميقاً، ومع ذلك فهي تفرض الآن صدقها وتلقائيتها في عالـم مكوّن من قش متطاير وخشب محروق، لـم...
جرت في المقهى مباراة صاخبة في لعبة الكونكان بين معروف السماع ورشيد القليل، كثر مشاهدوها وتطايرت في أجوائها التعليقات الحماسية الساخرة المتحدية، وانتهت بهزيمة رشيد، فتباهى معروف بانتصاره، ونصح خصمه بلهجة ممازحة بمواصلة التدرب ليل نهار قبل اللعب مع أساتذة مثله. فاغتاظ رشيد، ومزق أوراق اللعب، وقذف...
إلي أحمد بوزفور بدون مناسبة‏. ‏ أخذتني من ولم تبقني لي فها أنا بلا أنا متصوف عربي قديم استهلاك بدأت أحن إلي أيامي التي تصرمت فأدركت أني شخت‏.‏ بدأت أري إلي صدور الفتيات تتدلي وهن لم يبلغن الحلم بعد فأدركت أن ما فات فات وأنه لم يعد علي سوي لزوم ركن لا تعبره الأصوت ولا الروائح والأضواء وانتظار...
يا الصابرونَ على الـهمِّ، ضاقَت عِندَ العُمر أُمنِياتـي، وذَاقَت نَفسي وَجَعَ الفَجائِعِ.. من جَنوبٍ كان الرحيلُ يومًا.. باردًا يومًا.. لكن لهيبًا ما يلفحُ وَجهـي، وشتاتٌ مُبعثَرٌ مِني تعبثُ بِهِ رياحٌ شتى، تقفُ أُمي عند عتبةِ البابِ وبيدها إناءُ ماءٍ لِتَصبه ورائي حتـى أعودَ إليها، وفـي...
كان جالساً على السرير النحاسي العالي المرفوع على قوالب عدة من الطوب الأحمر، هي كانت جالسة على الأرض مستندة إلى دولاب ذي زخارف عتيقة معبقة برائحة بخور هندي، متربعة في جلبابها الأسود الذي لا تبدله؛ فقد ماتت أمها ومات أبوها وزوجها وخمسة من الأولاد. أخذ يحكى لها عن أحزانه الدفينة والتى لا يفصح عنها...
من يرد البصر، ومن يعيد النور؟ هي الألوان تهرب منه، والوجوه. جلس، وضغط على شفته السفلى، كاد يقطعها. ارتجفت. رفع رأسه لأعلى، وسأل: ما العمل يا أولاد؟ الأرض تهرب من تحتنا، ونبحث عن الشقوق لنختبئ فيها. تراجع أخي الأكبر وخرج دون إبداء رأي، لكنه كان يسبنا جميعا وهو خارج لحظة كان يتحسس علبة سجائره،...
مضي في قلب حارة اليهود، تميزه قامة أميل إلى القصر، والامتلاء ورأس مهوش الفودين وشعر كثيف يطل من فتحة الجلابية، أعلى الصدر. بادي الصحة بما يلفت النظر. يعرفه المارة والجالسون فهم يتقونه بإلقاء السلام، أو بالدعوة للضيافة أو بعدم الالتفات. وثمة روائح غريبة، نفاذة- وأن آلفها - تأتي من داخل البيوت،...
أكتبُ "أفتقِدُك جدًا"، فتُجيبنى الدائرةُ التى تَحِملُ صورتَه ثلاثَ مرات "وصلتُ حالًا"، أراه تمثالًا بقى على وضع صانعِه، لا يُجيد أن يُغيِّرَ مقامَه، أرتبِكُ قبْلَ أن أسحبَ الدائرةَ إلى علامةِ الرفض، وأتخلَّصُ مِنها، أفردُ جسدى على الفِراش وأتركُ نفْسى للسقوطِ فى هذَيانِ ما قبْلَ النوم...
أعلى