محمد محمود غدية

بقايا سحب لاتزال فى السماء، يتطلع اليها وعيناه تشبه جمرتين تتوهجان وتنطفئان، ينتزع قدميه من الأرض انتزاعا، يسير فى غير اتجاه، يداه مختبئتان فى جيب معطفه، ليس مبعثه الطقس البارد والمطر، لكنها النفس المكسورة تحت وابل المطر، تدفقت كل الصور فى لحظة، وكأنها كانت محتجزة خلف حائط أسمنتى، أزيل فاندفعت...
لا بد من القفز خارج حدود المألوف والعادى، فى مراقبة الطيور السابحة فى الفضاء الرحب، الزمن وحده يأخذنا إلى عوالم مدهشة، أشبه بقطار يمكن تأخير إقلاعه، وإبطاء سيره بعض الوقت، قد يتوهم البعض أن لديه القدرة على إيقاف سيره، لكنها الحياة التى لا تتوقف، تسير بنا وفق مقدرات لا نملكها، أمام مرآة مذهبة...
أجمل حب هو الذى يصادفنا أثناء بحثنا عن شئ آخر، تمر الصور خاطفة والأحداث غير مترابطة، شئ يومض فى السماء يأخذ شكل امرأة بمثابة المسرة، أو فى شكل نورس مائى ما أن يطل برأسه من الماء حتى يغيب، إختارتهما طاولة على رصيف شتوى تنتظر تسكع بعض العشاق، المقهى متخفف من رواده الساعين لأرزاقهم فى هذا الوقت من...
وجد نفسه وآخرين وقد إستغنت عنهم المؤسسة التى يعمل بها، فى واحدة من الضربات الموجعة، بعد إفلاس المؤسسة، فى البيت لا يفهمون سوى شئ واحد ألا وهو المصروف الذى يتركه كل شهر من مرتبه، يشترون به الطعام لسد الأفواه الجوعى، يبكى حاله أيكون الطرد مكافأة خدمةربع قرن، على الأبواب شهر رمضان الكريم، يحتاج...
يرى الرومانسية: أنها مثل طائر خرافى لا وجود له، تحلق بنا فى السحاب، بينما الواقع تحت أقدامنا بحفره ومطباته، وهى لا تؤسس للزواج الناجح، إكتسب مناعة ضد الحب، يرى النساء متشابهات كالزهور، ونسى أن هناك من الزهور الطبيعى والصناعى، إلتقى يوما وصديقه ماجد من سنوات الجامعة، اخذ وقتا فى التعرف عليه،...
عاودتها آلام الكلى، بكت بشدة حين تذكرت زوجها، الذى رحل فجأة، دون مقدمات لمرض، كان خفيفا كالنسمة، لطيف المعشر، إبتسمت حين تذكرت دعاباته قائلا : كل من يراك فى صحبة إبنتك يقول عليكم : إخوات ! تعيش الوحدة وتتجرع المرارة دونه، حتى الأبناء زياراتهم متباعدة، كل منهم مشغول بأسرته، حتى الهاتف أصابه...
عنده يقين متضخم أنه يوما سيزوره الحظ، ويختاره دون الآخرين ويلقى إليه بسلة نقود، يكمل بها بناء الدور الأول والثانى، بعد جهد وتعب وميراث الأرض من والده، إستطاع بناء حجرتين، حجرة للبنات والأخرى له ولزوجته، الإبنتين اللتين تفتحتا كزهرتين، تدور بهما الأم فى القرية والقرى المحيطة، مخافة العنوسة وفوات...
لها عينين بنتين ساحرتين، ووجه مفعم بالحياة، إرتدت ثوبها الجديد الذى إدخرته لهذا اليوم، أنه يومها الأول فى الجامعة، حيث كرنفالات الأزياء، تصحبها تحذيرات شقيقتها التى أنهت سنوات الجامعة، من الوقوع فى الحب الذى يشبه سحابة صيف، ماتلبث أن تتبدد، لا تدعى شئ يشغلك عن دراستك، - وجدت من يدعو للإشتراك فى...
الشعراء والكتاب والفنانون، تظللهم سعادة بالغة من الرضى الداخلى، تطهرهم وتبهجهم وتربت على أرواحهم القلقة الطيبة، يعيشون الأمسيات الهامسة والسعادة الغامرة، التى لا يتذوقها سوى المبدعين، ومن هطلت عليهم قطرات الإبداع، ليس الموتى من فارقت الروح أجسادهم، وإنما هم من يعيشون مهمشين قليلى الرجاء، السعادة...
داهمته الهموم، بعد وفاة والده المفاجىء، حول أوراقه الجامعية من إنتظام إلى إنتساب، وعمل فى إحدى الورش، التى تعمل فى صيانة وضبط إطارات السيارات، بعد أن أصبح مسئولا عن الصرف على أمه المريضة وأخوته الصغار، توقفت أمام الورشة سيارة، تقودها فتاة فى ربيع العمر، خطفته عيناها وحاصرته وهيئته لما تريد،...
كثيراً ما يختنق الحلم داخلنا، ويصبح مجرد خيال عابر، يتبدد ويتلاشى فور إصطدامه ببشاعة الواقع وقسوته، فيغتال كل طاقتنا وتجلياتنا، بينما الأزهار تنمو من حولنا، والمطر يتدفق والعصافير تغرد، والنوارس لا تغادر شطآنها، تعيش الألفة و الحب فى مجموعات تبهج النظر، قاعة المحاضرات تمتلئ عن آخرها، فى حضور...
عيناها ليستا زرقاوين أو خضراوين إنما مزيج منهما ، يجردانه على الفور من أسلحته، حين ينظر إليهما، شعرها خصلات من المطر، عطرها يستفزه ويستدرجه إلى الجنون، راحتها تستكين بين كفيه مثل طائر حنون ، حط فى العش الآمن . إنه الحب، ذلك الزائر المفاجئ الذى تفتح له كل الأبواب دون استئذان، يعيدنا إلى طهارتنا...
فى قريتنا الطيب أهلها، والمشاعر النبيلة، عشت طفولتى أو بالآحرى أحلى سنوات العمر، شقاوة وتعثر وبكارة، نتذكر القليل من ملامح وجوهنا وبكائنا وحماسنا وتسلقنا الأشجار، والجرى خلف الطائرات الورقية والفراشات، كانت الدنيا رحبة وكريمة ومحبة ومتسامحة، نملئ سلال البنات بالثمار والأزهار، تسكننا البهجة...
الأقدار فى كثير من الأحيان تعيد ترتيب الأمور دون رغبة منا، لا يغيب عن ذاكرته ذلك اليوم الممطر فى شتاء برد قارس ينخر العظم، الحدائق موحلة بفعل المطر والأشجار عارية من الثمر، والشمس توارت خلف البيوت الرمادية البعيدة، تطارده ملامحها وكلماتها التى تقطر شهدا، تسير بتمهل فى بهو روحه، الحياة دون حب...
حملت كعادتها أقفاص الطيور، اليوم موعد السوق وفيه الرزق الوفير، تبيع الدجاجات التى كبرت وإرتضت ببقايا الطعام، فهى لا تقدر على شراء علف الطيور، ضوضاء فى البيت و عراك، لا غلبة فيه لأحد بين أفراخ الكتاكيت وأولادها الصغار لاينتهى إلا حين يكبر الأولاد، تختبئ من وطأة الأيام، خلف وشاح الصمت، تتراكم...

هذا الملف

نصوص
422
آخر تحديث
أعلى