محمد محمود غدية

اليوم جميل ورائع رائحة الهواء فيه طازجة، تتسلل الى الصدور بيسر، الأطفال يطاردون طائراتهم الورقية، بدا كل شئ مجللا باللون الأخضر حتى انه بدا من المستحيل ألا يستمتع المرء به، رغم أن القطار يسير فوق قضبان منتظمة، لكن لا يستبعد خروجه عن القضبان، وإنقلابه بعرباته وركابه، لا أحد يمكنه إيقاف القطار...
جلس جوارها بالباص، لم تكن بالجميلة، فى منتصف العقد الثانى أو اقل أو ازيد بقليل، الجوب قصير، يبرز جمال ساقيها، كأنهما عوضا عن غياب جمالها، لا توجد امرأة قبيحة، لكن توجد المرأة الغبية، التى لم تستطع إبراز نواحى الجمال فيها، تقرأ فى كتاب، إستطاع بعد جهد قراءة عنوانه، اللامنتمى للكاتب الانجليزى...
تطالعنا كل يوم عوالم مدهشة فى الطبيعة، مثل ذلك الطائر الذى يتنقل بحرية دون خوف بين فكي التمساح، يلتقط فضلات الطعام من بين أسنانه فينظفها، ويأكل الطائر بقايا الطعام فى تلذذ، دون مخافة الإطباق عليه وإلتهامه، كلاهما يقدم خدمة للآخر، الطائر رزقه بين أسنان التمساح الحادة والمدببة والقاتلة دون هوادة،...
إختفى من رأسه الشعر الأسود، الذى أصبح كندف الثلج، مما زاده وقارا، دلالة على التجريب والمعرفة، لا يسمح لأحد أن ينبش ماضيه، أو يطرق باب قلبه الموصد، غياب من أحبها، صنع منه الشاعر والفيلسوف، الأشجار والأزهار تملأ المروج والبساتين، ألوانها تخلب الألباب والنواظر، وحده لا يستطيع الإستمتاع بالأزهار ولا...
لا يخاف المرأة التى يحبها ويراها لغزا، كما الطقس لا يمكن التنبؤ بتقلباته، يراها جميلة جمالا باهرا غير قابل للقبض، غرابة الحياة والصدف والتوافقات والمرأة ايضا، كلها تجعلك تفكر الف مرة فى منطق الاشياء، ولأن حياتنا سلسلة متشابكة من ملايين الصدف الصغيرة، التى تقلب حياتنا رأسا على عقب، يتأمل السماء...
أمام قسم الكتب الأدبية وقف يتأمل كتاب للشاعر محمود درويش الذى يحب أشعاره يقول فى إحداها : قصائدنا بلا لون/ بلا طعم/ بلا صوت/ إذا لم تحمل المصباح من بيت إلى بيت/ وإن لم يفهم البسطا معانيها/ فأولى أن نذريها/ ونخلد نحن للصمت . كان لابد له أن يرتاح بعد أن أنهى جولته فى معرض الكتاب وأن يدفئ صقيع...
ثمة أشياء نشعر بها، لكننا نعجز عن الإفصاح عنها، غالبًا ما تكون هذه الأشياء متجسدة فى حبنا لشخص بعينه، خاصة عندما يطمئنك وجوده، ليرسخ خطواتك ويحيل حياتك إلى بساتين من البهجة ممزوجة بالخوف والقلق من أشياء نتخيلها، فى الأغلب لا وجود لها، لكنها تظل حاضرة فى مخيلتنا. نجحت فى تحويل رادارته نحوها،...
منحته الشمس أشعتها فى مودة حارة ودفء غير متناهى، لم يغير من طقوسه منذ رحيل زوجته المفاجئ دون مرض، المقهى القديم ونفس المقعد والطاولة وحل الكلمات المتقاطعة، يعيش دونها حياة جافة معلبة، لا شئ سوى أصص الزرع فى شرفته، يبادلها الحكايات، حتى لا يلتهم الجفاف روحه اللينة، هضيم الوجه، أسمر البشرة كطين...
رفقاء الزمن تحويشة العمر، نور الأيام الشديدة الحلكة، خضرة الروح وطراوتها، يجترهم إذا نزلت به وعكات المرض فيشفى، يعيش الوحشة دونهم، يجاهد فى سد ثقوب خيمات العمر، ويرمم حطام الزمن، ويضمد جراحات الأيام فى داخله خراب، بحجم الكون، الوحدة لها القدرة على نهش الروح، مئات الحشرات الصغيرة تلتهم روحه...
رسمت الملوحة والتشققات على جدران المقهى، لوحات وخرائط وتضاريس بلا معالم أو عنوان، المقاعد والطاولات قديمة غير لامعة لكنها نظيفة، صورة صاحب المقهى تتصدر الواجهة طاردة لا جاذبة من تكشيرة وعبوس صاحبها، المقهى قطعة من الحياة أشبه بقطار طويل يتأهب زحمة وحشد، فى محطة القطار مودعون وجلبة، داخل هذه...
حاول أن يجعل مفرداته بسيطة وطيعة، ومشجعة على مواصلة الحوار، ضغط فى موضع الجرح دون أن يدرى، فانسكبت اللآلئ من عينيها، وجد نفسه يعتذر وسط جلبة، تواطئت مع صمته الذى غاص فى باحات عميقة من نفسه، أربكته دموعها وذلك الشجن الدافق والمتكاثف الذى أحاط به، - قالت : لم أذق طعم السعادة منذ إنفصال أبى وأمى...
اعتادت السير كل يوم فى توقيت ثابت وطريق لا تغيره، ملابسها بسيطة لكنها فى غاية الرقة، لا تستطيع جاذبية الأرض على الإمساك بها لرشاقتها، عيناها أشبه بصفاء البحر والسماء، لابد أن يكلمها ويصارحها بحبه لها، وإنتظاره لها كل يوم، إشترى وردة ليقدمها لها، عربون حب، شكرته عيناها بين إبتسامة واسعة، مد يده...
إن ما تعجز نساء كثيرات عن إعطائه، تستطيع إمرأة واحدة أن تعطيه، راغبة طول الوقت فى الإستحواذ على إهتمام الرجل، تختفى داخل لفافة تبغه، تغوص فى أعماق فنجانه، ولا تتركه حتى تستكين كآبته، ولأنه ينتظرنا دائماً عالم شاسع من المفاجآت والخيالات والأسفار والحكايات، عالم رحب فسيح يفتح أبواب الدهشة، وفى...
ذهب زوجة متفانية فى حب بيتها وزوجها والأولاد، معدنها غال ونفيس كالذهب، إسم على مسمى، لديها طاقة حب لا تنضب، إبتسامتها لا تفارق وجهها النضر الأشبه بالفاكهة الطازجة، عاشت للحب وإنتصرت له، كان جارها الذى أحبته وأحبها، وأصبح زوجها وقرة أعينها ووالد أبنائها، حلوة الحديث والطرفة، إشترت تورتة فاخرة فى...
الشمس لملمت أثوابها، إستعدادا لرحلة الغياب، تخفف المقهى من الرواد، أفرغ فنجان قهوته الثالث فى جوفه دون إستمتاع، نظر بغضب إلى علبة سجائره الفارغة، وإلى المحترق منها فوق المنضدة، طوى الصحيفة إستعدادا للمغادرة، أوقفته أربعينية تفيض ملاحة، لينة العود، فى خطواتها عشق، حين أنشط ذاكرته، تذكرها وسط...

هذا الملف

نصوص
425
آخر تحديث
أعلى