قصة قصيرة

بدت في آخر ليلة رأيتها فيها كثمرة ناضجة تغري بالقطاف، ابتعدت عن مكاني القصي، ووقفت بجوارها ثم أخذني الشغف فركعت على ركبتي، ووضعت الطبلة أمامي فيما أواصل النقر، كنت أذوب واندمج مع سحر صوتها الذي أسمعه متفردا بعيدا عن الضجيج، تعاطف الجمهور مع رجل يتحرر من بؤسه بمهارته في العزف، رجل غَنِىٌ بنغمه...
علتْ الدهشةُ وجوه كل من صعدَ الجسر وهو ينظرُ الى وسط المدينة الذي أختفى في ذلك الصباح مخلفا بركة كبيرة تستمدُ مياهها من النهر القريب عن طريق ساقية صغيرة.الجميع اصابهم الوهمُ وكأنهم مازالوا نائمين في بيوتهم .لم يستيقظوا بعد.أو يتناولوا فطورهم ويرتدوا ملابسهم .لم يصعدوا بالسيارات التي تندفع...
غالبا ما تخرج من بيتها عندما تشعر أن الدنيا أظلمت في عينيها بحقيبتها السوداء وأناقتها العالية التي تفرض نفسها على الجميع بأنها ذات شخصية قوية مع بياض وجهها كبياض الشال الذي يغطي كتفيها ولمعان المحابس يخرج من بين أصابعها مارة بين الحدائق والشوارع فكرها مشغول بأفكار ربما تكون مستحيلة لكنها أحلام...
صوتها المموسق.. ورنين كلماتها المثقل بالشبق.. يشنف آذاني.. فتزدرده بدون مضغ.. كحمل جائع يلتهم عشبة الربيع.. فتأتسر مخيلتي باجتراره.. ويتوه فكري في سباسب لذته.. عيوني تمطر فمها الكمثري بوابل من سهام النظرات الظمآى.. تبرق أسارير وجهها.. فتندلق من فيها العنقودي ألفاظ شفيفة كأنها حبات عنب.. قد يكون...
ماذا سيحدث لي والعمر رايات تجتمع؟ قالها للمرة الألف، في بيته، في المقهى، في مسجد الحي، في شارع المتنبي، أمام صديقه عميد الكلية حين كان يشرح له خطورة الأمر، ثم كررها مراراً أمام الطلبة وعيون العدسات وبين يدي زوجته التي أدركت أنه بهذا القرار سيقطع ربما حبل العمر بينهما بعد خمسة عقود... آنذاك تأمل...
لم تعتقد مريم أن النهار سوف يكون منهكاً لهذه الدرجة، كأن التحضيرات العاطفية والنفسية لليوم الأخير لكل من يعمل في مبنى الإلهة جيم، ربة أمور القلب عند البشر، تحديداً في قسم التضرعات، كانت من دون جدوى. تمشت بين الأروقة والغرف الخالية، سكوناً حزيناً يعمّ المبنى، ربما ولأول مرّة منذ أن وطأته قدماها...
قلتها بعدأن كان ينظرالى الخلف،وأنا أمامه صامتة … هل نظرت الى الأمام … أرجوك، لم يفهم ! بادلني نظرة غريبة الاطوار، وقال : لاشيء يلفت نظري الى الأمام ! عندما ألتقيته أول مرة،عرفت بان التحررمنه يحتاج لحرب عالمية ثالثة .. نعم الرجل الذي يفكر ولايقرر لعنة من لعنات الرجولة، ومنها نستخرج عذوبة الرجل...
الطريق طويل جداً . الشارع خال الا من مركبات تتلألأ اضويتها من بعيد ، الاشجار على يميني وعلى يساري ، وامامي ، تهرب خلفي ، كأنها فزعة خائفة ، الارض قاحلة ، صحراء ، سواد الليل جعلها كأنها شبح كبير مخيف ، الركاب ما ان وصلوا الى مقاعدهم وجلسوا حتى غطوا في نوم عميق ، كأنهم لم يناموا من قبل ،...
باب الشرقي ، نفر واحد ، شاي زيد السكر ، غاز ، غاز ، يد تمتد نحوي ، الى اين تذهب ؟ ، الباب الشرقي ، انتبه اصعد الى الرصيف ، هذا هو الباب ، ادخل ايها الرجل الطيب ، اشكرك ابني العزيز ، امسكني اخر ، تعال قربي ، اجلس الآن ، اغلقوا الباب سأتحرك ، اعتقد ان بجانبي الايسر امرأة ، هكذا...
بعد أربع ساعات فقط ، سيموت ، وهو لا يعلم انه سيموت لسبب واحد ، فعلاقته بالحياة لم تستدع التأمل بالموت والبحث عن فروقات بينهما ، واعتياد الفقر دوما يكلله بالفوز بنهاية الانتظار وقدوم المرتب البسيط الكافي لثلثي الشهر ، هو لن يموت ، بل سيُقتل بأربع رصاصات دوّى صداها كل شوارع الحي ، وسمعها من تبقى...
الى نقاء وبهاء ايزيديات وطني أنا رجل مفتون بأصابع النساء . أصابع النساء.. كائنات فاتنة متحركة تختلف عن جميع الكائنات التي تملأ الطبيعة بهاءً وألقاً . وعلى وفق هذه الاصابع يمكن أن تقيس جمال المرأة بجميع تفاصيل جسدها.. وما من إمرأة تعنى بجمالها وأناقتها إلا وتبدأ بمراقبة أصابعها وجعلها السبيل...
يعيش الإنسان وحيداً،فيجد نفسه كالتائه في صحراء مترامية الأطراف لا يحدها مدى ولاتنتهي عند زمن ،أوسع مما يتصوره عقلي الُمتعب الضاج بآهات التوحد والتشتت في ثقوب سدم بعيدة آيلة إلى نهايات حادة كمدية قصاب أهوج ،الفضاءات الواسعة المجهولة تحيط بي لتشعرني على وجه اليقين أني معلَّق بين الأرض والسماء...
هل تذكرين يا أمى عندما حكيت لى عن زوجين يهوديين جاءا ليسكنا إلى جواركما فى القدس. كانا لاجئين أيضا، أتيا من واقع مختلف. دلفا إلى الشقة المقابلة لشقتك، وشقة والديك. وقد خطَّ الشيب شعرهما فى أوروبا. فى أول ليلة أمضياها فى بيتهما الجديد وفى أرضهما الجديدة، رأيتهما يلتصقان بالراديو. وبعد ذلك كنت...
بثقلِ من الذكريات المؤلمة رغم سعادتها.. أخذ يتأمل في ألبوم صور كبير بين يديه، لم يكن يتصفحه لكنه كان يعيش فيه لحظات يحفظها.. لا تبارح ذاكرته. ينظر إلي فتاته التي عشقها منذ صباه متأملاً صورها، هذه صورتها حين كان يدفع أرجوحتها .. وتلك أخري لها علي شاطئ البحر، وفي هذه اللحظة كان قد أغضبها ثم جاء...
ذات صباح عاد الزين عبد العاطي إلى القرية، بعد سنوات طويلة من موته في تلك الأمسية القائظة التي واجه فيها الموت وحيداً ومحنقاً بسبب الإنهيار الوشيك لأكثر أحلامه شفافية. ففي الليلة التي سبقت موته، كان قد أكمل كل استعدادته من أجل حياة جديدة أقل سأماً، دون أن يهمل حتى أقل التفاصيل الدقيقة أهمية...
أعلى