قصة قصيرة

يضع فنجان القهوة التركية على الطاولة أمامه، وتسرقه أفكاره ماضية به بعيداً عن المكان والزمان.. ترمي به خيالاته في لجة أحلام، مسترجعاً ماضياً يرى زواياه سوداء مظلمة، ويعود من أشباح خياله الباهت، متأملاً حاضره بعين لا تشي بالرضا، ويعاود الحلم بأمل في مستقبل أفضل.. حياة أنعم.. ظروفاً أحسن. يتصاعد...
كان هناك رجل يخرج من منزله كل صباح في حوالى السادسة، أو السادسة والنصف، بعد أن يحلق ذقنه وينقّط على راحة يده قطرات من كولونيا كثيفة ذهبية اللون، يمسح بها على خديه فيشعر بلذوعتها، ويعيش رائحة الليمون الخفيفة، ومع اللذوعة وأنفاس العطر يُحسُّ بأنه يمرّ في جوار بستان فاكهة يبدد رائحتَه الهواء. يرتدي...
يقف في الأوتوبيس. الدنيا ليل، والأوتوبيس مزدحم. يُريد أن يهبط منه بعد محطتين. يسمع صوت «الكومسري» وهو يُنادي «تذاكر». لا يراه وسط الزحام. لا يرى سوى كتلة من الأجسام غامضة، بلا تضاريس، ويداً تمتد إليه من بين الأجسام. يُخرج محفظته من الجيب الخلفي للبنطال، ويسحب ورقة نقدية بعشرين جنيهاً خضراء...
تتوغل في الضباب مثل كل شيء في القرية، محطة القطار، داركما البعيدة.. يقتحم أذنيك قادما من البعيد صوت نباح مستمر، كلما تقدمت خطوة.. تأخذ حذرك.. تمضي في طريقك.. تداهمك نخلة عجوز رابضة وحدها سنين طويلة لتعلن عن قرب وصولك المحطة.. تنتظر قطار الخامسة بدبيب عجلاته، وضوئه الشاحب حين يقدم من بعيد. تصطدم...
يُقال إن الخطيئة تذهب إلى باب البيت. تجلس مستريحة البال. لا يعنيها وجود نور أو ظلام، تمامًا كما لا يعنيها من ستقابل هذا الصباح. هى غير معنية بالوجوه أو بأحوالهم. هى فقط مرسلة الآن إلى الفيلا رقم٩١ بجاردن سيتى من أجل الالتقاء بفريدة ذات الأربعة عشر ربيعًا، ابنة الخادمة، لا بد ستُسلم أغلى ما تملك...
دكان فقير بمصاطب لجلوس الزبائن، ومرآة مطوّسة مثبّتة على الحائط الطيني المقشور، أمواس ومقصات ثلمة على رف تحت المرآة، وفوطة بالية معلّقة على مسمار مدقوق في الحائط. يبدو الأسطى محمود مضطرباً. هو مفرط في نحافته، ينحني على رأس الزبون مِن فرط طوله، يحلق ذقن أحدهم، يتركه قليلاً لينظر متلصصاً مِن الباب،...
استيقظَ مبكرًا ومُستبشرًا، كعادته كل صباح. مسحَ أميرُ الحكاية بظاهر يديه آثار حلم الليلة الماضية عن عينيه، وأجال بصره فيما حوله يلملم أشلاء حياته بوعي اليقظة ويقيم صُلب ذاكرته. هذا جناح نومه في القصر . هذه هي مملكته الصغيرة التي لم يعد يذكر كيف أو متي آلت إليه أو ماذا فعلَ لكي يستحقّها. لا يشغله...
منذ الساعة الثالثة بعد الظهر وأمينة في عراك بينها وبين نفسها. فمرة تقوم لترتدي ثيابها وتعد نفسها لملاقاة (صادق). ولكنها لا تلبث حتى تلقي الملابس وترمي أدوات الزينة مهتاجة الأعصاب ثائرة النفس. فإنها لا تريد لقاءه ولا تبغي أن تشاهد وجهه ولا أن تستمع إلى حديثه، ولا أن تبادله ذياك الحديث. فقد أصبح...
كان الشيخ مرسي غانم - أو الشيخ النزهي كما يسمونه في القرية - جالساً مع نفر من القرويين ينصتون بانتباه للعمدة وهو يحدثهم نفس الحديث الذي يقصه كل ليلة منذ انتهى إليه أن سعادة المدير ونجله سيشرفان القرية ليقيم بها الابن بضعة أيام إراحة لأعصابه كما أشار الطبيب. وكان العمدة يتحدث في هذه الليلة بحماس،...
كانت شغله الشاغل! كانت تملأ أحلامه، وتحتل كل حنيةٍ من قلبه، وكان له قبلها حبيبات كثيرات من حبيبات الضرورة اللائى يعرضن في حياة الشبان، ثم ما يلبثن أن ينطفئ، كما تلتمع الشهب وتتلألأ، ثم ما تلبث أن تنطفئ، ويكون أحدها صاعقة تنقض على أحد فتسحقه. . . فلما عرفها، نسي هواه القديم الموزع، ووهبها حبه...
في ليلة قمراء من شتاء 1929 بينما كان حيّ المهاجرين (في دمشق) يرفل في حلل الرخاء والترف، ويجر أثواب الدعة والنعيم، ويثب من الطرب، ويمشي على الذهب.. وبينما كانت قصوره البُلْق تشتعل بالكهرباء فتأتي في الليل بالنهار، وشوارعه المتوازية الصاعدة إلى سرّة الجبل تتمايل أشجارها تمايل العروس، وتلوح...
"لو كنت حصاناً لأطلقت رصاصة في دماغك!" لماذا حصان؟ لم لا يكون كلباً، أو قطة، أو جرذاً، أو أي شيء آخر إذا كان من الضروري يكون حيواناً ليجوز إطلاق الرصاص في دماغه؟ منذ بدأ يعي معنى الكلمات - لا يذكر متى بالضبط - وهو يسمع هذه الجملة من بين أسنان أبيه. لقد كان غريباً حقاً لأن أباه كان الإنسان...
أنا الساكن الوحيد في هذا العالم المسرع، لم أبرح مكاني حينما نبت الشوك، حتى صار مذاق شفتي مرا فلم تقبل الحياة فمي. أوصدت باب اليقين في قلبي فصار الشك أرضا لي، ومذاك روحي تبتعد، كلما أقدمت في المضي طرقت الأسئلة قلبي. أرخيت ستائري فجاءني الحب يمتطي ضوء النهار، لم أدرِ أن انكساري سيفرق الضوء بهذه...
جاء ليفوز. جالساً علي ركبتيه ، مصوباً نظره ناحية البحر ، راسماً لنفسه سيناريو الفوز ،أن تنطلق استغاثة لفتاة تغرق، وبشهامة ابن الريف، يندفع من بين جموع المصطافين ، المتفرجين علي الشاطئ، وهي في أنفاسها الأخيرة . وكأمهر سباح. مارس السباحة منذ الصغر ، لا كهواية ولكن ليصطاد السمك، ليطعم أخوته...
أرخى الليل أستاره السود القاتمة على دنيا غضبى تزمجر في صوت عاصفة هوجاء، وسماء ينهمر منها سيل دافق، وقد قر كل إنسان في داره، ونامت الحياة في كل حي، والفتى جالس إلى موقد في زاوية الحجرة، تغمره لجة من الأفكار المضطربة، والخواطر المتناقضة، فتحجبه عن دنيا الناس. لقد رأى نفسه تعصف بها حادثات الأيام...
أعلى