قصة قصيرة

إنه خلفي تماماً، يفصلنا مقدار خطوة لا أكثر. لا أشعر بمدى دنوه مني في البداية، فقط عندما يوشوشني بأن المنحوتة الفرعونية التي أمامي تعود إلى المملكة الحديثة. أدرك كم هو قريب. أكاد أحسّ بدفء أنفاسه في برد القاعة. رطوبة يخلفها همسه على رقبتي من الخلف. ونفحة من رائحة معجون أسنانه مختلطة بحموضة فمه...
النافذة مفتوحة ينبعث منها ضوء ينصب على الزربية الحمراء. لون أبواب النافذة جوزي. الزربية تتوسط الغرفة. مكتب فخم في الزاوية اليمنى تتوسطه مزهرية. أوراق وردية في الجهة اليسرى من المكتب ذي اللون البني الفاتح.. منقوش الأرجل. مصباح للقراءة. أقلام تظهر من بعيد لا ملامح لها توحي بالكثرة وبتعدد الألوان...
"أراد الله أن يعيش وحيداً ويموت وحيداً ذلك الشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس." طه حسين. "مع المتنبي" " الله يعلم ما تركي زيارتكم = إلا مخافة أعدائي وحرّاسي" يبتسم أحمد جالساً وحده في عتمة ركن غير مرئي تقريباً. الرجل الذي يعشق الشهرة يتخفّى في لياليه بعيداً عن الأعين. تعيد المغنية البيت...
ستّي: كيف عليَّ أن أسلِّم عليك؟ هل عندكم صباح ومساء فوق؟ هل عندكم أوقات؟ أكتب إليك بخجلٍ يا ستّي. أسباب خجلي عديدة، فمثلاً أنا لا أكتب إليكِ الآن مدفوعاً من ذاتي، من اشتياقي أو حزني أو حبي، وهي كلها دوافع موجودة، وإن لم تكن بالقوة التي أرغب، إنّما أكتب إليكِ مدفوعاً بسؤال طرحوه عليَّ، ليس...
المُعجزة الأخيرة كانت الأشياء التي لم تصلها خيوط الشمس، بعدُ، في أماكنها، كالمعتاد، في هذه الساعة المبكرة من صباح المعسكر. كلّ شيء باقٍ كما وقعت عليه العينان قبل ساعات، إلا في مهجع الجنود. فما حدث لم يحدث من قبل ولن يحدث، إذ استفاق هؤلاء على أنفسهم أطفالاً في سنّ الرَّضاعة، وكل الأسلحة وأدوات...
كنت سألقى الشيخ في مكانه اليومي المعتاد إزاء النهر. لكنني اليوم حثثت خطاي مسرعًا إليه. كنت أريد أن أراه.. قبل فوات الأوان! بدا البيت أمامي، على مبعدة عشرين أو ثلاثين مترًا، أشبه بسلحفاة غادرت لتوها ضفة نهر. لم أنشغل، مثل كل مرة، بتأمل شناشيل الأمس، جدرانه المتداعية، بل هرعت إلى الداخل مرددًا...
كنتُ أخجل من كلمة "بابا"، خاصة لمن تربى في الخليج، حيث ميل اللهجة المصرية للترقيق مثار سخرية الجميع. كنت أراوغها بكلمات من قبيل "والدي" أو "يا حاج"، تندّر هربت به من حرج المفردة وتصوّري المُقحم عنها، إنها للأطفال وليّني التفكير.. حتى أيقنت بفصاحتها. قال الشاعر ابن الوردي (691 - 749هـ) عمر بن...
-1- في الطريق إليه، نعبر بأناة على الجد محمد ناظم باشا، الذي عين والياً على ولاية حلب، بين عامي 1905-1908، الرجل الذي عُرف بنزعته الصوفية، وكتابة الشعر بالتركية والفارسية، وعلى نجله حكمت ناظم بك، الذي عمل في عام 1908، على إصدار صحيفة "صدى الشهباء" باللغتين العربية والتركية، الصحيفة التي أتت...
حين يهبط السكان تحت الأرض، كلما اشتدّت حرارة السطح، يأخذون معهم سجيناً واحداً، يستبقونه رمزاً لماضٍ سياسيّ خانق عانوه، مع سجّانه الذي يرافقه دوماً. وربما وضعوا تاريخاً ثابتاً يذكرهم بيوم السجين السياسي، أسوة بأيام الأسبوع المتسلسلة في رموزها الأبدية. في بداية صيفٍ لاهب، أعفِي المساجين جميعُهم...
كنت أبحث عن ظلّي.. أمضيت أسبوعًا آخر وأنا أبحث في الأماكن التي تخيّلت أنّي زرتها أو وطئت قدماي إسفلتها وأرصفتها.. هكذا قال لي جاري العتيق في إجابتي على سؤاله الروتيني عن أحوالي.. قلت له إني مصاب بصداعٍ غريب.. إنه لا يدور في رأسي ولا يسبّب له الدوران ولا دوخة موجعة.. مجرّد ألم أشعر به وكأنه...
الأيّامُ التسعة الأولى كانت سريعة، مألوفة، ولنقل إنّها متوقعة إلى حدٍّ بعيد. كانوا "عادلين": إذ عاملوا الجميعَ بالقسوة نفسه، مهنييّن:أدوا الوظيفةَ المنوطةَ بهم بإتقانٍ شديد. وكانوا كلهم رجالًا. عنصرُ المفاجأة المفقود قتل ارتباكًا كان ممكنَ الحدوث، وجعل ردّاتِ فعلي رائعةً، بل مثاليّة: إذ قابلتُ...
عثرتُ بين أغراض جدّي التي تعجّ بها منشرته على مسدسه المخبأ بعناية، والآن سأقتل به نفسي. أتذكّر رؤيتي له في يده منذ صغري، ينظّفه ويزيّته. كان اقتناء السلاح موضة في تلك الأيام، قطعة مكمّلة لأثاث كل بيت. كان مسدس بَكَرة من نوع كولت، مصنوعا في الولايات المتحدة، ملفوفاً بخرق مزيّتة، وموضوعاً في...
في اللحظة التي أتوقف فيها عن الإيمان به يختفي ابن رشد. بورخيس التصويرات الجهنّميّة احتلّت مكاناً عميقاً في خيالات الأمم، في هوّةٍ حالكة السواد وراء الكلام الذي يمكن سماعه، وراء الرغبات التي يشحذها الرجاء الحار، ووراء التجدّد بالاعتذار، وهي السمة التي تميّز أبناء الحياة. في زمن لم نعد نشعر به،...
هنا الباصات مرقّمة، لكلٍ منها رقم، ولكل رقم اتجاه محدد، الرقم (3) ينطلق من (الباب المعظم)، تذكّر ذلك، وينتهي في (ساحة الفتح)، وهو يشبه بذلك الرقم (4) الذي ينطلق من (الميدان) لينتهي في (ساحة الفتح) أيضًا، وقد ترى أن الاختلاف بينهما يصبّ في نقطتي انطلاقهما، لكن من الضروري وأنت تفكّر بطريقة منطقية...
أعلى