قصة قصيرة

توخياً للسلامة - فالبرغم من كونه الآن ملازماً في الجيش وقد لا يرجع نهائياً للجنوب- دعونا نطلق عليه اسم هوستن، كان قصير القامة ونحيفاً، له وجه اسمر داكن ببشرة حساسة التقيته أول مرة في جلسة الاستماع في برمنغهام وحينها كشف لي خلال مرافقة قصيرة كيف أنه يحترق بفعل الظروف. ومن خلال الحكم علي لهجته...
كانت الغابة تضج علي الدوام ضجيجاً متسقاً ومتصلاً كأنه رجع صوت بعيد، هادئ ومبهم، كأنه اغنية من غير كلمات ترنّم بصوت خفيض كذكري من الماضي الغامض. وما كان الضجيج ينقطع فيها لأنها كانت غابة صنوبر قديمة لم يمسسها، بعد، منشار ولا فأس حطاب. وكانت الصنوبرات العالية، والبالغة من العمر مئات السنين وذات...
ما الذي كانت تعنيه؟ طيب، لقد فهمت علي اي حال انها ايطاليا. انتصبت في أعلي التل، خيمة بدت كأنها مظلة مخططة، رفرف العلم، الموجود بأعلاها، في نسيم مايو المنهل من المحيط. وفي الأسفل بدت الغابة الخضراء بحراً أخضر. وذكرتني بالساحل قرب نبع جبلي حار في ايزو، في داخل الخيمة الخضراء، كان هناك شيء بدا...
بكيتُ بشدّةٍ حين أدركتُ أنّ لها اسمًا آخر؛ كانوا يدعونها أمَّ عماد. كنتُ أختبئ بخوفٍ وراء فستانها أثناء استجابتها. لطالما اعتقدت أنّ "تيتة" شخصٌ واحدٌ لكنّها حقيقةً كانت شخصيْن: "تيتة" بالنسبة إليّ، و"أمّ عماد" بالنسبة إلى العالم كلّه. اعتدتُ الاستيقاظَ من النوم لأتفقّد جدّتي كما لو أنّ...
أقدم لكم نفسي . أنا التي أعرف كل شيء. كانت الفتاة تلعب الحجلة أمام سور الكراج القديم في قريتهم الحدودية الصغيرة . الكراج مليء بسيارات النقل الضخمة التي يشترك التجار الحدوديون في ركن ناقلاتهم العملاقة فيها. كانت الجاحظة تلعب الحجلة أمام الجراج، ونسيت وصية أمها بالعودة إلى البيت لجلب الحليب...
"وردة .. نحن نتشاجر هكذا دائمًا ولا نصل لشيء، كفى.. لقد مللت كل هذا"، هكذا قلت لها. توجهت نحو الحديقة الكبيرة وطلبت منها ألا تتبعني، هم ياسين صديقي أن يتبعني فأشرت له أن يبقى هو الآخر، كنت أدق الأرض بأقدامي بغضب، كأن هذا سيقلص حجمها فتبتلعني الحديقة في وقت أقل، قطعت مسافة جعلتني لا أبصر وردة أو...
جلستُ أحدّقُ في الوجوه ، يعتريني إحساس بالفزع ، كل الرؤوس في وجوم ، ترتسم في الوجوه رغبة في البكاء ، لم أكن راغباً في المجيء ، لكنّ شعوراً أرغمني .. أطلنا الجلوس في حجرة متوسطة الحجم ، توسطها سرير رَقدتْ عليه الجــثة ، انبعثت منها رائحة ، أحسستُ برغبة عارمة في البكاء ، لم يكن على الميت ، لكنّه...
مقبرة القرية واقعة ما بين بيوتها وواديها من ناحية الجنوب ، كنت متوجها لها قاصدا ( عشة ) يسكنها رجل مسن ، كل ما أعرفه عن هذا الرجل بأنه ليس من أهل القرية ، قيل لي أنه يسكن المقبرة منذ زمن بعيد ، لم يستطع أحد من القرية أن يبعده عنها لأنه يقوم بالاهتمام بها ، لذا تركوه هناك . لم أعلم أمي عن ذهابي...
عندما تسافر في قطار خلال مقاطعات الشمال من اسبانيا ترى بعض البيوتات المظلمة، في مفترق طريق ضخم موحش، الى جانب قرية معتمة. وربما لاحظت أن أمام البيت تقف عربة ركاب تجرها خيول، وأن بابه مفتوح مضاء، وأن السقيفة عريضة، لها طابع حانوت أو خان. وربما توهمت، على حق، ان هذا البيت هو خان القرية فانبثق في...
لم أرغب في ان أضيء مصباح »الأباجورة« كعادتي كل ليلة، شعرت بنفور منه، وكذلك سئمت الثريا فوقي مضاءة. كان قلبي يهفو هناك، صوب درجي. نهضت اليه، وفتحته. أخرجت احدى تلك الشموع المعطرة، لم تكن مميزة الهيئة ولا ملفتة كبقية الشموع عندي، لكنني وددتها هي في تلك اللحظة. لم أفعل ذلك من قبل، اشتريت شموعاً...
كان رجلاً كغيره من الرجال، له بيت وزوجة وطفل وعمل، ولكنه في احدى الليالي أصيب فجأة بالشعر ومن دون تمهيد أو مقدمات، فظن الأطباء أنه مجرد زكام أو حساسية من شيء مجهول، ولم تكن أدويتهم بمجدية، فتحول من مواطن الى شاعر، وابتدأ يكتب الشعر في الليل والنهار يكتب الشعر وهو يتشاجر مع زوجته حول ما تضعه على...
عندما كان في العاشرة من عمره، كثيراً ما كان يقول: - آه لو كانت عندي حقيبة!.. ومثل بقية الأطفال لو كانت عندي كتب وألعاب!.. أو حتى روايات عندها ستعرفون كيف أجد وأجتهد، لكن، كيف للمرء أن يعمل في مثل هذه الظروف؟. وعندما بلغ الثالثة عشرة اصبحت لديه كباقي الأطفال ألعاب ودفاتر وحقائب، ومع ذلك لم يجد...
مشت بخطوات بطيئة اثقلتها هموم وأحزان.. قطعت ممرات المستشفي من دون ان تشعر بزحمة النساء المرتادات للعيادة في ذلك الوقت من الصباح وصلت الي باب الخروج ووقفت تنتظر وصول السيارة وقد عكست الابواب الزجاجية صورة وجهها الشاحب ونظرات عينيها التائهة. علقت الكثير من الآمال والاحلام وكلها قبل دقائق تقطعت...
وصلت مني برفقة والديها الي المنطقة الساحلية الجميلة القريبة من المدينة فوجدتها قد لبست حلتها الخضراء الجميلة كعادتها في فصل الربيع، فراحت تركض فرحة وهي تلامس بساقيها الصغيرتين العشب الأخضر الرطب فتثير من حولها المئات من الحشرات الصغيرة الطائرة منها والنطاطة، والتي بدأت بالهروب تاركة الزهور...
إنه دوار الهجر.. كأنه في مركب صغير وسط العاصفة هكذا غاب الضوء عبر المجهول،. كأن فراغ الأفق يهبط من حوله، فأصبح ورقة يابسة في مهب الريح، كل شيء فاتر، ولا صخرة تميت الذكريات، هو الآن في زهد دائم فلا الأساطير توقظه ولا حكايات الرواة. كأنه السم القاتل. تراه وتعرف أسراره وتدرك نتائجه.... ولكنك تقبل...
أعلى