قصة قصيرة

قعر البئر سحيق; الظلام دخان أسود كثيف غطى جدران الصمت وصلت خيوطه لسقوف الأمل ; والجو كله خانق يحبس الأنفاس. بمعول يصم أذن الزمن القاسي و ويجفل سكينة الأرواح; أرواح الأسلاف; يحفر الفأر البائس قلب حلمه أو شبر قبره بموالة نملة لا تعرف الشفقة طريقها الى جسدها المنهك. ومع كل ضربة معول يخرج زفير من...
رائحة العرق يفحها الجسم فى تؤدة وصمت ، رائحة أعرفها ، تشبه رائحة الجنود المتوحدين في الصحراء ، تذكرني بأيام الجندية والقوة والفحولة الجنسية والآن وأنا أسير في شوارع المدينة النظيفة ، تواجهني الفتيات بجمالهن الصارخ ، أذرع بضة ووجوه ملونة وشعر لا أعرف لونه ، أما الرجال فألامس في أيديهم رائحة الترف...
سمعت الصوت : " الجبل ياسارية.. الجبل" ورأيت: طائرة العدو تطير ، وتكرهني ، دمرت بيتي بقنبلة ، ودمَت قلبي بقنبلة ، ودمت قلب محبوبتي بقنبلة - وكنت قد سمعت الصوت -. لم يعد قلبي في بدني ، فحملني ذلك على قطع الصحراء . لم يلمني أحد ، ولم بيصق في وجهي أحد ، ولم أسمع أية إهانة ، ولم يَرِد اسمي على فم...
وجوه العيال حيثما نظرت نحيلة رقيقة شاحبة غضة. عيونهم واسعة دعجاء كثيفة الأهداب تملأ القلوب حنانا. لكن الجباه إذا تشق بهذه السحجات البنية، إن الرجال إذن يرتابون، تغيم آفاقهم بسحب الخوف. وحينما تسخن الشمس فى الضحى، وتتلوى البهيمتان تحت النير فى محاولات أليمة، وسلاح المحراث يشق الثرى الهش، والرجل...
ها هم قادمون من الجبال والكهوف والجدران والغيران زحفا، جريا، مشيا، في عيونهم سخط ومكر واحتيال، مُدَجَّجين بالأسلحة والنيران، على جباههم علامات جرم وإجرام وانتقام، رايتهم مزينة بالدماء، أصواتهم نكرة تنفر منها الأسماع، غايتهم كسر الروابط وتلويث الأنهار وحجب الشمس. ترفض الأرض أن تكون فرشا لهم...
ظل سليم يلعب طوال النهار جوار الحديقة التي أقامتها البلدية و لم يتمّ تجهيزها بالألعاب و أدوات التسالي إلا من أرجوحة و أرضية بحاجة إلى تهيئة ، لم تتح له الفرصة للعب بها هو أيضا ، لكثرتهم كان دوره بعيدا، أحيانا يتأرجح بعضهم مرتين أو أكثر مفتكا دور آخر وهو سعيد بذلك ، بينما سليم ينظر إلى لعبهم...
الصبّ تفضحُه عيونُه و تنمّ عن وَجْد شؤونه* تغنيت بها أمامه ذات مرة.. فبكى، ثم سرعان ما مسح دموعه بكم جلبابه الفضفاض، وحدجني بعينين يمتزج فيهما التحدي بالرجاء: ـ أين الفضيحة؟ أم أنك بحت بسري؟ شملتني رجفة خوف وشفقة، وسرت قشعريرة برد كسهام كتيبة رماة اخترقت ظهري، وأنا أهز رأسي بقوة نافيًا،...
تلقفتني ظلمة الزقاق، ينغمر جسدي بالهواء الحار، كأن سياطاً من حريق تلهب وجهي، الأرض تحت قدمي تتشقق عن براكين من نار، تتلضى الحرائق تتسلق ساقيّ تتسرب الى دمي. ظلام كثيف يغشى عينيَّ فلا أكاد أبصر الطريق، حرائق تندلع بين قدميَّ، ظلام على الجدران. أين ولى القمر في هذه الساعة كيف نضب الهواء؟ في...
لا شيء يكدر صفو الإنسان ويهدد سعادته مثل المصائب والأحزان التي مرت به عندما يتذكرها، أو التي تفترسه الآن، أو التي يتوقع ـ وهو توقع كاليقين ـ الابتلاء بها مستقبلا. ولا يكاد يشك احد بوجود هذه الأحزان في الحياة،بل حتى بضرورتها القطعية. فقد قيل ((حياة بلا مشاكل، طعام بلا ملح)). وليس ثمة شك بأهمية...
الدفتر الذي قدمه ” فخري ” وهو يطلب مني أن أترجمه له ، دفتراَ بلا لون ممزقا في بعض الصفحات ومتربا ، مما أحال بعض صفحاته الى لون أخر ، لون مغبر “بفعل القذائف والقصف ” هكذا فسر الامر شقيقي الصغير فخري ” القصف الذي استمر ليوم كامل ، لم يبق على شيء ” تمعنت في الكلمات وجدت بعض الحروف زالت تماما وبعض...
لم يودع قدميه أبدا صون الحذاء، مفرطحتين غليظتين، علمتاه السير الجسور. يسير وسط الطريق، لا يتسكع جنب الحيطان ولا يتخذ سكة مطروقة وطأتها له من قبله الأقدام. لم يرتد طوال عمره سوى جلباب وحيد مهلهل لا يدارى من جسده شيئا. لم يتعود لحمه رفه الحزن تحت طيات الثياب الثقال. جلده أسمر خشن جاسر مثل ظاهر...
بدأت الأمطار تهطل في وقت مبكر من صباح هذا اليوم. كانت خليدة متكئة على حافة النافذة بالشرفة العليا، تتطلع بإعجاب إلى الأمطار التي كانت تنزل بكثافة، وتشق لنفسها مجاري صغيرة وسط الرمال. لم تتحرك من مكانها. كانت بمفردها في البيت المطل على البحر. زوجها سافر إلى جنوب البلد ليطمئن على أمه. قضت خليدة...
عزيزتي هدى ما أجمل البصل.. وما أرقه.. ما ألطفه.. وما أقساه أيضا.. هل جربتِ صداقته يوما أم أن الحكاية كلها محض مجازات؟ أنا أعرف البصل ولي معه علاقة وطيدة. في قريتنا الصغيرة التي تقبع مهملة بحضن المحيط الأطلسي اختار أقاربي لأمي أن يلغِّموا الحقول الرملية المجاورة للشاطئ بالبصل. وكنا ونحن في طريقنا...
كيف يمكن للحكمة أن تأخذ بيد المرء عاليا في تراتبية من خلق كريم وشخصية كيسة درجة درجة حتى توصله القمة فيستريح هناك متربعا على عرش من فضائل وحكم ومثل ليأخذ لازمته التاريخية هناك .. ولكنه أي سوء يندب حظه ، هذا الذي أراه مغطى بذاك السيلوفان البراق من فضائل هذا التواتر المغلوب على أمره معلما أبديا ...
منذ مئات السنين أرعدت (الصرخةُ).ولم يميز أهلُ القرية في ذلك الحين المكان الذي أتت منه.فبعضهم قال أنها نزلت من السماء،وبعضهم قال من باطن الأرض. فتصارعت الآراء،واختلطت الأحكام. لكن الحقيقة الماثلة أن أهل القرية فقدوا السمع من ساعتها.ولم يكتفوا بالصمم،بل توارثوه جيلاً بعد جيل.ومع جريان الأيام في...
أعلى