قصة قصيرة

مضى من الليل نصفه، والكائنات الآدمية لهذا الحي النائي نصفُ نيامٍ.. تتوجسُ خيفةً في مساكنها، وآذانها تستمعُ لكل حركةٍ قد تصدر بالخارج، تتوقع برهبةٍ زيارةً غير مرغوبٍ فيها، قد يقوم بها سُراة الليل، أبناء الظلام.. فالدواخل موصدة.. القناديل مطفأة.. الظلمة حالكة السواد.. والبروقُ تومضُ، يتسللُ ضوءُها...
كرش الكلاكلة القبة قبيل الفجر يهضم في صمت كوني مُهيب: نباح الكلاب، وصياح الديكة، وصرير الأسرة الحديدية، وأصوات تصادم المراكب الخشبية بصخورشاطئ التريعة، ومرور الريح من ثقوب النوافذ والأبواب المتهالكة؛ بينما يجلس [زنقلّة] القرفصاء على سطح بيته يُراقب الحي النائم كسكّير ألقى جثته في خور يابس أوان...
تتكرر زياراتُه لي ويطرح عليّ نفس الأسئلة بنفسِ نبرة الحزن: ـ ألم تصبحي طبيبةً كما وعدتني؟ أجيبُ أنا بذات الشعور الطاغي بالندم: ـ للأسف، لا! يقول لي: ـ كنتُ أضع فيك أحلامي وظننتك ستحققينها. أصمتُ لعدم قدرتي على الرَّد، أو ربما إحساس الخيبة الذي يتقطّر من كلماته يصيبني بالخرس. ■ ■ ■ رائحتك...
ونحن نرقص أمامهم، كنا على يقين أنهم لا يروننا، المساحات البيضاء بيننا وبينهم، تعميهم، إنهم يرون الألوان كلها باستثناء الأبيض، فلا تقلق، ولا تُخيّب ظن الروح التي تقف على أطراف أصابع قدميها كيما تتم هذه الرقصة. انسَ أمر القنبلة الذرية، الضمائر البشرية لن تشتري لنا بيتاً، لقد قتلوا الماضي السحيق...
يذكر راوي هذه القصّة أنّ أحداثها جدّت بمدينة بئر الحفي في سيدي بوزيد على عهد سيف بن ذي يزن واسمه الكامل سيف بن ذي يزن بن ذي أصبح بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن العرنجج، طارد الأحباش من اليمن. ويؤكد أن...
طقس كنت أتصبّب عرقًا والحرّ من حولي لا يطاق. اقتربت مني وهي ترتعد من البرد، ومطر الخريف يبلّل شعرها. سألتني: هل تبادلني حلمًا بحلم؟ انصعت لرغبتها، ولم أبتعد. وحين رأيتها تتصبّب عرقًا التصقتُ بها وأنا من البرد أرتعد. قمة الجبل هبطنا نحو الوادي، وكان الدرب بالغ الانحدار. قالت: هذا...
تفسير اختفاء فوزي المشفتر -1- جمعنا فوزي ليلة اختفائه وقال لنا : - الليلة سأفتحُ (الطاروق) ،وأرشُ الملحَ حوله، وسأدخل ، إن رأيتم الضباب انهزموا ، وإن سمعتم صراخي تجاهلوا ،المهم انسوني حتى الصباح ، بعدها فتشوا عني. صمت فوزي محدّقاً في كل فردٍ منّا ، نحن أفراد عصابته الصغيرة ، كنا نهابه ونستلذ...
قبل البداية : " تأثير الفراشة هو استعارة مجازية لتوضيح الحساسية الشديدة لمحددات البداية لحدث ما ، وتوضح هذه الاستعارة كيف ان حدثا صغيرا جدا يمكن أن تكون له آثار واسعة جدا ." الموظف في وزارة الداخلية "عبد الرحيم " مصاب بمرض عصبي غامض ليس بالخطير رغم ذلك لم يجدوا له أي مثيل في الارشيف وجميع الكتب...
استطاع الحرف أن يتخلص من أيدي حرس القوات المساعدة بسهولة، لأنهم كانوا مشغولين بهدم خيمته على الشاطئ. اختفى خلف كثبان الرمل. ولأنه لم يشكل أية خطورة، لم يهتموا به. المدينة صغيرة، ويمكن غداً أو بعد غد مشاهدة الحرف وهو يتجول أو منعزلاً في ركن من مقهى يدخن الكيف في تأمل.‏ قال الضابط:‏ - لا تهتموا...
علي حافة قريتي التي لا يلتقط الغرباء أبداً تعرجات روحها دون دليل من أهلها كان حقل الذرة الذي له شكل المثلث، وكان نسيم المساء يعلق في قامات العيدان المرتعشة، وكنت، ككل مرة، قد استسلمتُ تماماً لحذر اللقاء الحرام، لذلك، تسللتُ إلي الحقل الذي له شكل المثلث بعد أن أصبح في حكم المؤكد تثاؤب كلِّ...
لم يكن يدور ببالي كوردةٍ في البال وأنا في الطريق المجنَّح إلي بنك الدم بمستشفي "سوهاج" المسائيِّ أنني كنت في الطريق إلي غابةٍ من عناقيد الماس الأنثويِّ المركَّز، إلي نخلةً هي في الحقل أطولُ نخلةٍ، وأجمل ما في غابة الورد من ورد، إلي الدكتورة "حبيبة"! كانت نظراتي الأولي إلي ملامح وجهها الطيب...
البحث في الأدب الإريتري المكتوب باللغة العربية، تحديات كبيرة ومعضلات قاسية، كالبحث عن بقعة ضوء في ثقب أسود، نسبة لشح المصادر والغموض الذي يكتنف كل ما هو إريتري. فمنذ أن كتب الروائي الإريتري الأكثر شهرة والمناضل محمد سعيد ناود (1926 ـ 2010) روايته الموسومة بـ«رحلة الشتاء- صالح» التي تعتبر أول...
كان جدي يصب الشاي في الأكواب من ثلاثة أباريق صغيرة، وقد فرغ : تناول إبريقًا كبيرًا مملوءا بالماء الساخن وملأ الأباريق الثلاثة من جديد وأعادها إلى المجمرة، من جواره أمسك بالإبريق الأكبر من كل الأباريق – والمسمى بالأوزة لطول عنقه – وصب منه الماء البارد في الإبريق الكبير حتي الحافة وأعاده أيضًا إلى...
(*) إهداء إلى روح إدوار الخراط................. (1) تناثر الدم في الكون والشمس اختفت خلف الحقول،. والفلاحون حملوا الفؤوس وعادوا إلى بيوتهم. جثة شمندي قد بردت وتسللت الحشرات إلى فمه، وبدا جلد جسده هشًّا، خرج المعلم نجيب من السرايا وقد تهيأ وحمل الكوريك وسار تاركًا دميانة تناغي عوض وترفعه إلى...
كانت الهدية التي أهدتنا إياها صوفي، أنا وسليم، الجنة التي اصطحبتنا إليها مرات كثيرة. ولم أكد أنا، موسى، قد بلغت السابعة من عمري بعد، وكان سليم يكبرني بسنة واحدة أو أكثر قليلاً. كانت الجنة هي حمّام النسوان، أو الحمّام التركي، في أنقرة. لا تزال تتراءى لي صوفي في مخيلتي وهي تنظر بطرف عينها، فيما...
أعلى