سرد

من بعيد كان يترصّدها، كنسر يتربّص بطريدته. يراقبها، ويخالسها النّظر، كأنّه يدعوها إلى الرّقص، وترشيه بلحظها السّكران، كأنها تحرّضه على الدّعوة، "وحين تعطّلت لغة الكلام" جرع كأسه مرّة واحدة، حزم أمره، تخلّص من خشيته، استرد شجاعته ودنا منها بخطى ملكيّة، فاستأذنها، وسمحت، "وأرقّ الحسن ما سمح." بعض...
1 ما "أجملك" وأنت تأتي إلينا أحمر ومغرورا، صريح الخطوات! يا حب الذين يكرهوننا باسم الحب! تمنيت أن أكون أول المستقبلين، بكامل أناقتي الأنثوية، وخصوصية العطر تذكرني أن علي أن أكون أكثر رومانسية من العادة. كنت سألبس لأجلك فستاني الأحمر الموشح بخطوط تشبه كتابات هيروغليفية قديمة، وكنت سأركض إلى الباب...
مشهد أول الزمان عام 1939، والأزمة الاقتصادية تجتاح أوروبا. المكان محطة الخرطوم للسكة حديد، والقطار متجه شمالا إلى حلفا، يتأهب للانطلاق. المحطة تبدو مكتظة بالناس يغلب عليهم المصريون والشوام والإنجليز. جميعهم يبدون خواجات إفرنجا. ثم بعض السودانيين وبعض الأحباش ببشرتهم السمراء الداكنة، يبدو على...
عند أسوار قرطبة جلستُ ذات صيف إلى عرافة غجرية، اخذتْ تتفحص خطوط كفي الممتدة امامها بدقة ثم رفعت عيونها الكبيرة الحادة ترمقني في تعجب. كانت ترفع سبابتها اليسرى وهي تحاكي تقاسيم وجهي في صمت، رسمت في الحيز الصغير بيني وبينها فراغا محدبا ثم لمست ندب طولي قديم على جبيني. وكمن يلقي تعويذة مخيفة بدأت...
المكان: حي شعبي أو بالادق عشوائي الموقع: بعيد عن العاصمة بعد الصالحين عن الجحيم الزمن: زمن النزوح .. زمن الخرب.. الذي ضدك أو ضدك. السكان:غبش الرائحة: البراز والخمر الشوارع مثل ثعابين قصيرة تنتهي بطرق مسدودة دائما ، أهلها أدرى بشعابها ، اذا كنت تتجول في هذه الشوارع لاول مرة،...
لم تعد تقول الأشياء كما كانت تقولها ... أصبحت تومئ برأسها فقط . أحيانا يصدر عن عينيها إلحاح بالبوح، وإصرار على الكلم يصطدم بالعجز عن النطق، ويحدث اهتزازات ورجات في جسدها النحيف. تنظر في عيني بحزم لتدعوني إلى استقراء نظراتها وحركاتها كي أنوب عليها في الإفصاح عما تومئ إليه. حين نكون وحديْنا، أمرر...
ـ 5 ـ تعددت زياراتى للعيادة . لا لمرض ، ولا حتى للقاء الدكتور جارو ، وإنما لرؤية نورا . الجلوس إليها ، ومناقشتها . يغيب الموضوع المحدد ، القضية المحددة . مجرد أن أجلس إليها . أتأمل الوجه الطفولى ، والبشرة الناعمة ، والعينين الزرقاوين ، الواسعتين ، اجتذبتنى بما لم أستطع تحديده . شعور غامض...
في إحدى الليالي شيء ما زحف على المدينة في عز الظلمة، وأخل بنظامها. الرجال من السكان ليلتها، كانوا على غير عادتهم ، يتلاعبون وراء الأطفال الذين تسابقوا إلى تفتيت الصخور من حصون نصف دائرية ؛ تحيط بالمدينة منذ زمن عريق . العجائز آخر من خرج من البيوت ، يرتدين فساتين الصبايا، والشيب يترنح فيهن...
1 كنت في زوايا صخبِ ذاك المكان، فتىّ يحلم بأجنحةٍ تخفقُ في الريح، وكانت متعتك الكبرى خطواتٍ مرحة، بين البابِ الخشبيّ لمدرسة في وسط السوق، وكشكٍ للجرائدِ يطلُّ على ساحة ومفارق طرقٍ أربعة. في زاوية قريبة، بوابة خشب عالية وصورٌ ملوّنة معلّقة فوق جدارٍ قديم. صورٌ لعضلات الأغريقي المفتولة، هرقل...
كانت الحارة غارقة في الظلام والزمهرير يكنس جثالة ازقتها الضيقة المرصعة بالحجارة السوداء الملساء والباهته واوي الناس الي مخادعهم باكراً وبدت بيوت الحارة العطشي المجدبة التي غابت عنها الفرحة والابتسامة اشبه بشواهد قبور ا لموتي. مضي وقتا طويلا منذ ان زارهم ذاك الضيف الكريم المأمل الجانب والذي...
أودعت سكون الليل آخر صرخاتها ، وتمخضت آلام الأيام الثلاثة الاخيرة عن طفل جميل ظل صامتاً وعيناه مغلقتان على الرغم من كل المحاولات التي بذلت لانقاذه .. هطل الصمت مرة أخرى غب تلك الفوضى التي أعترت الطبيب والممرضة في محاولاتهما اليائسة لاستعادة أنفاس الطفل التي أطفأتها تقلصات المرأة وصرخاتها .. هكذا...
ما أجمل أن تكون ظلاًّ شفافا كالملائكة !! " طفلٌ بلا بيت رجلٌ بلا ذاكرة " عبارة أصبح أبي يردّدها كثيرا هذه الأيام و لكني لم أستطع فهمها ...كانت تدور و تدور و تدور... في ذهني الصغير كحُلم نائمٍ في ليلة شتاء ، و تغمرني كما أمواج شاطئ قريتي حين كنت أركض على طول الساحل النديّ الصامت .....ظلّت تلك...
(إلى يولا حدّاد) ذلك الزائر الثقيل الذي، بقدومه، يقطع الأنفاس، يجمّد الأطراف، يوصد العينين، ثم يحملنا، أخفّ من الهواء، إلى وجهة مجهولة. نتناساه. نتحايل عليه. لا نحبه. نخافه. نلعنه. نقفل بوجهه الأبواب. لكنه لا يني يأتي، مختطفاً أحباءنا كيفما شاء. لا يني يأتي. أعتى من أعتى الجيوش، أشدّها قسوة،...
أحمد إبراهيم ولم يكن هذا اسمه المدون في شهادة الميلاد .. ولكنه كان اسمه الذي اشتهر به وأصبح لا يسمع سواه ولا ينادى بغيره .. حتى نسى على توالى الأيام اسمه الحقيقي .. وعندما التقيت به لأول مرة استرعى انتباهي بهندامه الغريب وملامح وجهه الفريدة ، كان رأسه كبيرا .. وجبهته عريضة .. وأهدابه غزيرة كثة...
"يا لك من شنقيط" عبد المنعم إبراهيم ــ فيلم إسماعيل يس في الأسطول خالي الذي كان "يحب السينما زي عينيه" كما تقول أمي، لم يكن يشاهد فيلما واحدا على بعضه، لأنه كان مشغولا بقبول تقبيل الفتيات له في السينما، لأنه جدع ولا يكسر بخاطر واحدة، وكانت الواحدة منهن تستغل مشاهد التقبيل في السينما على الشاشة...
أعلى