سرد

(60) بدأت عمليات طلاء الجدران السنوية استعداداًَ للفصل الدراسى القادم واستغلالا لخلو الأبشجيتى من الطلاب. سألتنى القومندانة إذا كنت سأسافر مثل الآخرين. أجبت بالنفى. طلبت منى إخلاء الحجرة لدهانها وعرضت على غرفة أخرى فى مواجهتها تستخدم مخزنا. كانت صغيرة بلا نوافذ وبفراش واحد. تعثرت فى درجة سلم...
قصة قصيرة (مفارقتان ) ياسين رفاعية جلست في المقعد المجاور لمقعدي في الطائرة، التفت نحوها فإذا بها فتاة جميلة في العشرينات من عمرها، أخرجت مرآة صغيرة من محفظتها ومشطاً صغيراً سرّحت به شعرها، ثم أخرجت أحمر شفاه وخضبت به شفتيها، كانت تتحرك إلى جانبي بنزق ظاهر ، ما أن بدأت الطائرة بالتحليق نحو...
تطامن القلم بين أنامل الصحفية الشابة الحسناء، وداهمتها خيبة أمل طاغية وهي تحاور الأديب الذي رد على أسئلتها بطريقه الخاصة، فكان الحوار بينهما مثل (حوار الطرشان). – ولدت أيام (الثلجة الكبيرة) التي ما تزال الطرق والمنافذ حتى الآن. * ولكن يا أستاذ.. – ولدت على يدي الداية بهية التي شدتني عنوة...
نصف مثقف، وربع سياسي، و(نسونجي) متقاعد هذا أنا..‏ أما لماذا، نصف مثقف، فلأنني انصرفت عن كتب الثقافة والمعرفة بعد أن اكتشفت أن ما طالعت منها، على كثرته، لم يضف شيئاً إلى ماكنت قد قرأته في إلياذة هوميروس.‏ أما لماذا، ربع سياسي، فلأنني بدأت النضال السياسي مبكراً وهجرته مبكراً.. بدأت من مقاعد...
(تعالى يا حبيبي تعالى فإن جواز السفر قفطان معا اذا وضعنا رجلا في البحر فسينشق الى اثنين)* لم تكن فاظْما أنْ حدُّو تدرك بأن هذا ال 'إيزري' الحزين، الذي رددته بكامل عفويتها، في "أزْقاق"، بأحد أعراس قرى الريف، مخاطبة في الواقع حبيبها لثنيه عن الرحيل، سيكون من بين تلك الأشعار الخارقة والجميلة التي...
أتكون محض مصادفة غربية إنني التقيت به, الآن, في نفس المكان الذي شاهدته فيه أول مرة؟ لقد كان مقرفصاً هناك؟ كأنه لم يزل كذلك حتى اليوم: بشعره الأسود الخشن, وعينيه اللامعتين ببريق رغبة يائسة, منكباً على صندوقه الخشبي يحدق إلى لمعان حذاء باذخ..لقد استطاعت صورته أن تحفر في عظم رأسي قبل عام واحد...
السبت، الثالث عشر من حزيران، أصحو من نومي، كعادتي، في الخامسة. أصنع النسكفيه وأجلس على الشرفة لأستمتع بهدوء الصباح. كل شيء هادئ، وهذا أفضل شيء للمناسبة: سأبدأ عاماً جديداً، فقد أنهيت خمسة وخمسين عاماً. ياه لقد مرت، هل أقول بسرعة؟ لن يكون رأيي علمياً، فثمة ما مر منها سريعاً وثمة ما مر منها بطيئاً...
آخر من شاهد الإله المتوطن، إِله الأنوفلس (الذي اعتبر حتى وقت قريب منقرضاً) طيار طائرة إبادة بعوض الملاريا التابعة لمديرية الصحة الوقائية. كان عائداً من الأهوار الشرقية القصية إلى مدرج طائرته في مركز محافظة ميسان، فلاحظ من ارتفاع (300) قدم غمامة كثيفة تتصاعد من مستنقع محاط بالبردي والقصب. خصصت...
لكنه كان يلتجىء الى مصيره هو ، ذلك الالتجاء الذي كان يحوّل جميع ضروب الصراعات أمامه والتناقضات الى معايير للنطق والحكم على مرحلة استلهام القتل وخيالاته . كان يتخلص من خوفه الداخلي في النظر الى هذه القوى باعتبارها قوى زائلة .. طارئة ، ستلملم ذات يوم رصاصاتها وتحرق أوراقها وتختفي خلف ألوان وجدران...
قلت لكلكامش.. أيها السيد العظيم.. هل تعلم إن كل ما حدث على الأرض كان بسببك؟ انتصب واقفا وقفته وراح يرمقني بنظرةٍ حادةٍ كتلك النظرة التي تمكن من خلالها من صيد البراري.. النظرة التي جعلته يرى كل شيء في مملكته.. ولأنه مسكونٌ بالعظَمة، لم ينتبه الى حديثي .. فرفع يده الى الأعلى وراح يلوح للآخرين...
يتراءى ابن رشد كائنا افتراضيا ممكن الحدوث وأسمع لصوته رنين كأس من ذهب , ومعه امضي ليلة عجبا, لاسماوات للغرفة , لارائحة للألم ,لا أحد سوانا نحن الثلاثة :ابن رشد , وشريكي الوهمي , وانا العالقة في شرك الحمى والهذيان.. كل شي مهيأ للمزيد من الالتباس ,فثمة امر غير مؤتمن في هذا الليل ,بخاصة لامرأة تنام...
ـ هل استيقظت؟ سأل الظل صاحبه الغارق في الحلم الحلم. ـ كلا. لم أفعل بعد. مازلت أحلم. ـ سأنتظر طويلا إذن. كعادتي. متى تستيقظ هذه المرة؟ ـ لماذا دوما تستعجلني؟ دعني أختم الحلم. على الأقل كي لا يتعقب شرودي ويطارده برشاشات كوابيسه. أنت تدرك حق الإدراك ما سوف يحدث لو تم له ذلك. دعني أختم الحلم...
مازال الليل لم يستر عورته بعد، بدأ دبيب الحياة يسري بعد ليلة طويلة من الشخير، الناس يهرولون في اتجاه "باب الرب" لاستقبال شاحنات "الهندية" القادمة من المناطق المجاورة للمدينة. أجلس فوق كرسي خشبي صلب يكاد عظم عجيزتي أن يلامسه من فرط النحافة. يضع النادل أمامي إبريق الشاي والبيصارة ورغيف الشعير...
في باحة البيت، استلقوا تحت مربع الشمس ساعة قبل أن يستيقظ الأب ويحملهم إلى الشاطئ. انتظروا ساعة أو أكثر حتى كاد أن يصيبهم القرف لكنهم ظلوا يتسلون بالزرقة التي تطل عليهم من فوق بكسل ريثما تتحرك عقارب النهار. أصغرهم، والذي بالكاد تعلم النطق، سأل وهو ينظر في قلب السحب العابرة، إن كانت الغيوم...
لم أهلع، أو ربما كان قد أخذني الهلع إلى حيث لا أعلم، فغابت عني صور الأشياء والمرئيات ونسيت زماني ومكاني ولم أنس زكريا، الذي ظل وحده معي في كل هذا السديم. وحينما تأكدت من أنني لم أعد هلعا، رأيت كنزة أمامي وهي تضحك وتحرك بأناملها المصبوغة الأصابع بطلاء فضي نظارتها السوداء ثم ترفعها لتجعلها تحط...
أعلى