نشروا صورًا لجثة رجلٍ ملقاةٍ على الأرض ، وقالوا إنها له ، ارتجف قلبي وكاد أن يتوقف ، لا إنه ليس هو . إنها صورٌ مفبركة ، وتلك عادتُهم في صناعةِ الأكاذيب .
دققتُ في الصور ، إنها لرجلٍ بزي محارب ، وأنا أعرفُ أنه لا ينزلُ ميادينَ القتالِ ، ولا يحملُ السلاحَ ليشاركَ في العملياتِ ، فهو القائدُ...
في أول نوفمبر وصلت إلى هيئة تحرير باب "فسر أحلامك" بجريدة النور اليومية ذائعة الانتشار رسالة من أحد القراء يروي فيها حلمه. كان كابوساً شديد الوطأة. استفاض القارئ الكريم في شرحه مستعينا بتعبيرات أدبية غريبة مثل "مهول" و "انهيار" و "دبيب غامض" و "حيثما أريد الهواء لا أجده" . شيء وحيد نقص الرسالة...
الفصل الأول
من حسن الحظ أن الكُتّاب غير مجبرين على أخذ الموافقة من الشخصيات الحيّة التي يرغبون في الاشتغال عليها وإلا فإن عبدو المسعوف ما كان ليقبل أن تُختزل الأبعاد الغنية لشخصيته الفذّة في قصة قصيرة. حتى ولو طالت هذه القصة لتتجاوز العشر صفحات. لأن المسألة مسألة مبدأ كما يكرر الرفيق عبدو دائما...
في الطريق ميّز فتاةً سمراء، شعرها أسود كثير التجعيد. قبل ثلاث سنوات أو أربع، خرج معها في موعد يتيم. بعدما تبادلا حديثاً قصيراً، طلبت منه رقم هاتفه المحمول. أعطته رقمها، وذكّرته باسمها الذي لم يكن قد نسيه على الإطلاق. قبل أن تغادر، قالت له: "اتصل بي".
بعد يومين، شربا البيرة في أحد المقاهي. تحدثا...
“كانت إرادتي هي وحدها التي تتلقى الضربات وتردها نظرات غاضبة وصمتًا. وظللت كذلك. لم أرهب، لم أتراجع”
شرق المتوسط – عبد الرحمن منيف
وصلت إلى البيت متأخرا، وقد رحل النهار، وغسق الليل، وأطلقت المصابيح ألسنة نورها، تنفخ في العتمة فتميد، حين أدرت المفتاح في ثقب الباب، انفتح بسهولة، وجدتهم...
استيقظ رعاةُ الماشية ذات صباح وهُم على تلك الأكمة المطلَّة على نهر دجلة من الجهة الغربية، من حافته المنحدرة في شدة قرب أطلالٍ لآثار لا يعرفون أصلها، فوجدوا سبعة بيوت من الحلان والفغش متلاحمة بعضها مع بعض. تساءل الرعاة: من أين أتت؟! متى بُنِيَتْ؟! لقد جاءوا إلى هذا المكان مساءً ولم تكن موجودة...
كان لوقفة سيارته تلك أمام باب حديقة الشهداء(*) ونزوله منها برفقة حفيده تأثير كبير على ذلك الوجه الذي زينته تجاعيد فعل العمر، وهو يدخل من الباب الخارجي للحديقة ندت عنه تنهيدة لهواء محتبس من سبعين ويزيد .. توقف وسطها وعيناه تقودان فؤاده حيث تشاء ذاكرته بين مساطب الخشب على جانبي الممرات الدائرية...
اسمي «خضّوب الزوبعة» وأنا كاتب قصص قصيرة، رفض المحررّون نشرها دونما سبب مفهوم، بعثتُ بها خارج بغداد عساني أرى اسمي يوماً في جريدة أو مجلة، فما تحقق حلمي في رؤية اسمي على أية قصة، برغم مرور عشرة أعوام وأنا أكتب دون يأس وبلا ملل.
توجعني كلمة (هُراء) التي سمعتها كثيراً بعد كل قصة أكتبها، كأنهم...
كنا نقف أمام حجرة غسل الموتى في الجناح الإسلامي من مقبرة استوكهولم، منهكين مخذولين نرتجف من البرد، وقد طال انتظارنا ليخرجوا بجثمان صديقنا لدفنه فيرتاح ونرتاح لخلاصه من عذاباته الكثيرة ، ومعاناته الطويلة مع السرطان. حتى لقد خيل لي وأنا أعرف نزق صديقنا الميت أنه سيفر من بين أيديهم ويخرج علينا...
/ إلى الذي فقد عينه في غيابي.. أخي حسين/
سألتُ القادم من قريتي إلى مدريد عن أهلي فقال:" أغنامهم زادت وصغارهم كبروا..". طلبتُ منه أن يُوطّن إجابته المُحلِّقة فسارع إلى وضع سلّة التمر ـ التي بعثوها ـ أمامي وأَلقَم جهاز التسجيل شريط ربابة من أمي. توسلتُ به فتنهد وقال:" سأُخبركَ وأخلَص.. حسين...
[ 1 ]
التمثال
كلما أمرُّ به أبصقُ عليه ، لا ادري لم أكن له كل هذه الكراهية .. هو محض تمثال لا غير .
ليلة البارحة كنتُ حزيناً ومهموماً حين مررتُ به وبصقتُ عليه كالعادة ، بعد هنيهة رأيته يتحرك وينزل من قاعدته الكونكريتية ويمشي خلفي .. ظننت أن يصري قد خانني أو أصبت بهلوسة بصرية لكنني تأكدت بعد أن...
عندما وضعت قدمي على أول سلم الميناء الطالع من البحر إلى المدينة، من الزرقة إلى القهوي الباهت للأسوار التي تحيط هذا العالم الذي أطأه لأول مرة، التقيت بمليكة. كانت تودع أو تنتظر عزيزا رحل أو عزيزا على وشك الوصول، ففي عينيها كان ثمة فرح مشوب بالحزن. سألتها عن الطريق إلى وسط المدينة فقالت إنها ذاهبة...
كان محمد المحمودي رجلاً هرمًا، يعيش وحيدًا في بيت صغير، فلا زوجة له ولا ولد، ولم يكن لديه ما يفعله إثر إحالته إلى التقاعد. فما إن يقبل الصباح حتى يغادر البيت، ويمشي في الشوارع وئيد الخطى، ويتوقف لحظات ليشتري جريدته المفضلة، ثم يستأنف مشيه المتباطئ متجهًا إلى مقهى لا يفصله عن الشارع الصاخب إلاّ...
كعادته الجديدة يجفف شعري لكن يديه اليوم تمتد إلى عنقى تتحسس العروق فيغلبنى الضحك وحينما تصل يداه المتسحبتان إلى أذنى وتحاصران وجهي، أتخلص منهما، وأجري من أمامه بين سذاجة ضحكاتى وأنفاسي اللاهثة.
تغيرت معاملته! أحيانا يطلب منى أن أجلس قبالته، فأستكين فى الكرسي الذى يشير إليه، يمتد الصمت وهو محدق...
المتن
لم يكن ضروريا أن نجهش بالبكاء، غير أن دموعنا انهمرت، وكان الجو خانقاً فتعرقنا، وصار تلامس جسدينا مزعجاً، فابتعدنا عن بعضنا خطوتين، ثم أربع خطوات، ثم لم نعد نلتقي أبدا.
ومثلما افترقنا بسبب الحر، التقينا في صباح صيفي ساخن، ولم يكن ضرورياً أن نجهش بالبكاء لأننا لم نلتق كل السنوات التي مرت،...