نشروا صورًا لجثة رجلٍ ملقاةٍ على الأرض ، وقالوا إنها له ، ارتجف قلبي وكاد أن يتوقف ، لا إنه ليس هو . إنها صورٌ مفبركة ، وتلك عادتُهم في صناعةِ الأكاذيب .
دققتُ في الصور ، إنها لرجلٍ بزي محارب ، وأنا أعرفُ أنه لا ينزلُ ميادينَ القتالِ ، ولا يحملُ السلاحَ ليشاركَ في العملياتِ ، فهو القائدُ...
تمهيد
اعتاد النهار أن يهبط من فوق كوبري "امبابة"، وبعد أن يمر في طريقه بالبخار الذي يتصاعد من النهر، يتسلق الشاطئ، ولا يلبث أن ينتشر داخل الحواري التي تنحدر من بين المباني المتراصة علي طول الطريق، والتي كثيرا ما تخطئها العين.
وفي هذه اللحظات، اعتادت أيضا أن تتثاءب...
كانت أجمل بنت في الحي، وكانت تعرف ذلك.
عيونُ الناسِ أخبرتها عند كلّ طلة لها في الحارة، في المدرسة، في السوق.. في كل مكان كانت تذهب إليه.
الشبابُ أحبوها، الرجال تمنّوها، الفتياتُ غرنَ وكرهنها لوهجِ جمالها..
أما ذلك العجوز السّكير صاحب البقالية عند رأس الشارع البحري، فقد أخبرني يوماً أن ما من سببٍ...
الشّعر ذو الخصلاتِ الهادرة كشلال.. ما زلت أذكرهُ..
جبينك الصغير البلوري، أنفكِ الذي كلما قلتِ سأجري له عملية تجميل قبّلتكِ في رأسه وقلت:
ـ لا تكوني حمقاءً.. أنفكِ هذا أجمل من أنفِ مالينا
عيناكِ اللتان ما أن يقطعوا الكهرباء مساء تنيران عالمي كقمرين أستلقي تحتهما..
تتذمرين من تلكؤي بإشعال الشمع...
كنت أداعب التمثال الصغير، مرة أعبث بذقنه ومرة بقبعته وكانت على مقربة مني السيدة فوندرلي جارتي القديمة في بودابست، حيث تصورتُ ما سيكون عليه حين أتقدم نحوها بباقةٍ من الورود، وهي ماضية في قراءة منتصف رلكة، وما قاله في رسالة للسيدة فايننغرفي العام 1916...
وقد هزت نظارتها ثلاث مرات، وأسمعتني أن...
فارَقَ هواية صيد العصافير الى غير رجعة قبل 47 عاماً، وظلّ ينتابه ندمٌ وتقريعٌ على اقترافه تلكم الهواية في طفولته، وشفاعته الوحيدة أمام نفسه أنه لم يوقِع عصفوراً واحداً في الفخ، وظلت الدودة (الطُعْم) حيّة تتثنى في كل مرة كأنما العصافير النطّاطة خفّاقة الأجنح، تدرك أن الصياد الصغير ليس جاداً في...
جلستْ على حافة السرير في وداعة. ممرضة ممتلئة، تميل إلى القصر. لكن نصاعة بياضها وابتسامتها البشوش تصرفانك عن التفكير في الطول أو القصر، وترميان بك في بحر من النقاء لا يوصف.
تعمدتُ أن أخاطبها بإسپانية ناعمة:
Eres una inmaculada -
بالطبع لم تفهمني، لكنها تذوقت نعومة الكلمات الإيبـيرية فابتسمت...
في طريق العودة غادرنا أرض الترجمان منذ الصباح الباكر.
لم أشاهد وراء نافذة الحافلة غير الرمال. كانت في كل سيناء وتذكّرك بتيه موسى وبنيه. ولكن لم أبذل جهدا طويلا في تأمل هذه الظواهر الطبيعية، وانشغلت بقراءة أجزاء من سفر البنيان لجمال الغيطاني. كنت قد حملت في حقيبة اليد عددا من المؤلفات الجديدة ،...
كانت قطرة دم غريبة، ساخنة ومجهولة، نزلت بين فخدي بشكل مفاجئ، وأنا في الحادية عشرة من عمري، حين زارتني الدورة الشهرية لأول مرة، فاعتقدت أني فقدت بكارتي.
أعترف أني لم اكن أفهم في زمن الطفولة ماهي البكارة، ولم يجبني أحد على سؤالي الذي ظل لغزا لزمن أنا فقط كنت أسمع هذا الاسم يتردد كثيرا بين...
انزعجت القرية وانشغلت بالذي يحدث. سيطر الخوف على العقول واستبد بالأفئدة. شجعان القرية لاذوا مذعورين بجحورهم. انقضى عهد العنجهية المفرطة في الأنانية والتسيب. أقصى ما عرفه أهل القرية ما جاء على لسان معلم القرية، مذ رأى في ظلام دامس عينين حمراوين كالجمر، مدلاة من على مستوى سطح الأرض، بمقدار قامة...
الجسر العتيق الذي يشطر خاصرة المدينة إلى نصفين، اشترى بنقود العيد أصباغاً زاهية جديدة لوَّن بها هيكله الفولاذي العجوز، واشترى أيضاً أنواعاً جديدة من السمك تمر من تحته في النهر، كما وضع الجسر على ذراعيه أضوية ساطعة تغطي أشعتها القوية جسده الطويل الممتد بكسل بين الضفتين، وانتزع رجال أشدّاء من...
كانت تهتز بقوة ، توشك أن تنقلب، وإذا انقلبت ستلوث كل شيء من حولها، وقد تنكسر فتجرح أحد الركاب، أو تبقى قطعها المتناثرة هنا وهناك، فتؤذي من يلمسها أو يحتك بها بشكل أو بآخر ..
تمتد يده إليها عند كل انعطاف أو حفرة في الطريق، وقد تصل هذه اليد أو لاتصل، المهم أنه يحاول أن يفعل شيئاً ما كي لا تنقلب ...
أدق الباب نائماً وامشي إلى ماء العين. يحرسها هواء في بالون. وحضن تراب تنقره يد. وتمضي في لمس جماله. كنت عاريا طول الليل. سنوات طويلة وأنا هكذا. في الساحة الفسيحة. قرب مكان يحرسه هواء وتلمسه يد. استلقي بعيدا عن الضوء . تحت سقف نصفه غيم . حديث ناس يخرج من لهاث ذاكرتي . أعيد ترتيب طريقي . انتظر...
أحتاج إلى رجل.
لماذا لا أستطيع قولها بصوت عالٍ؟!
لماذا لم تستطع النساء اللواتي كتبتُ عنهنّ أن يجهرن بها هكذا، على الرغم من الجرأة التي حاولتُ زرعها فيهنّ؟
هكذا.. رجل. لا حبيب، ولا صديق، ولا زوج.. رجل بلا سياق عاطفي. ألا تمرّ لحظات يشتهي فيها الرجال امرأة لا على التعيين؛ أنثى وحسب؟ ويعبّرون عن...
تردد كثيرا قبل أن يؤدي مهمته، لكنه أذعن للأمر أخيرا، وتوجه نحو الشرفة التي كانت تطل على الشارع المظلم، وعلى عمارات انطفأ ضوء نوافذ بيوتها، واستسلم ساكنوها لنوم عميق..
وقف منتصبا يلفه ظلام منتصف الليل، وطاف بعينيه متوجسا أصواتاً أو همساتٍ غريبةً وسط حلكة دامسة ، وعندما طال وقوفه وتردده قليلا،...