نشروا صورًا لجثة رجلٍ ملقاةٍ على الأرض ، وقالوا إنها له ، ارتجف قلبي وكاد أن يتوقف ، لا إنه ليس هو . إنها صورٌ مفبركة ، وتلك عادتُهم في صناعةِ الأكاذيب .
دققتُ في الصور ، إنها لرجلٍ بزي محارب ، وأنا أعرفُ أنه لا ينزلُ ميادينَ القتالِ ، ولا يحملُ السلاحَ ليشاركَ في العملياتِ ، فهو القائدُ...
"الكذب دين العبيد، والحقيقة هي إله الإنسان الحر".
التقطت عيناه تلك العبارة التي كتبها في دفتر مذكراته منذ عشرين عاماً تقريباً!
كان من عادته أن يكتب عبارات أثّرت به وأثارت إعجابه، ولم يعرف من كتب هذه الجملة الرائعة ومن أيّ كتاب اقتطعها، لكنه انتبه بعد أن تمغنطت عيناه بتلك الكلمات التي أحدثت...
- إصغ
- اممٓمْ... ماذا؟
همهم الرجل وهو يرفع رأسه قليلا قبل أن يسقطه بكل ثقله على المخدة
- المعذرة.. لم اكن اعلم بانك نائم.. قلت لك أتسمع هذه الأصوات الغريبة؟ ردت الزوجة برقة ودلال أنثوي
- ومن لا يسمعها؟ حاولي أن تنامي فغدا لدي عمل، قال وأدار لها ظهره، محاولا مغالبة النوم
- استيقظ.. سمعها...
جمعَ القرويونَ الفلاسفة في أكياس الشعير المسوَّس الفارغة. كانت أكياس شعيرِ علفٍ. الفلاسفة أناس ذميمون ولسانهم طويل، لقد أفسدوا الحياة الهانئة بأسئلتهم الكثيرة اللّجوجة، وبأجوبتهم الغامضة التي لن نربح منها سوى أسئلة أخرى محيّرة للغاية، كألغاز بلا حلّ لا تصلح حتى للتسلية.
قبل قدوم الفلاسفة إلى هذه...
صعدت أمّي إلى السّطح، لتقطف النّجوم وتضعها في السلّة. عندما عادت قالت: إنّ النّجوم لم تنضج بعد! وإنّنا يجب أن ننتظر إن أردنا تحلية مع العشاء.
أفرغ أبي الشلاّل من الإبريق في الكأس، يرتشف ويدخّن صفصافة، وينصت بطرب إلى صوت الزّلازل والصّواعق والرّعود في المذياع.
دخلت أمّي إلى المطبخ، وضعت حقل القمح...
قال الصّرصار لأميرة الأميرات دودة القزّ، وقد ارتسمت على ملامحه علامات الجدّ: أريد أن أجد عندكم شغلا يا مولاتي.. يعني.. أقصد.. أن أصير حارسكم الشخصيّ.. وأيضا.. يعني.. أن أخطبك.
كان ثملا كالعادة حين تحدّث، ففاحت رائعة عنب رخيص في الأرجاء.
خلف عشبة حيث كان يقبّل يعسوب خطيبته اليعسوبة، ظَنَّا...
ليس عندي ما أكتبه، رغم ذلك يجب أن أكتب، إن لم أكتب سأمرض، الشّبحة الّتي تسكنني تأمرني بالكتابة وإلاّ تنغّص عليّ حياتي، وتجفّف بي البيت.
حين أمتنع عن الكتابة لا أضمن حتّى أن أعبر شارعا فارغا دون أن تدهسني شاحنة. ذات مرّة امتنعت عن الكتابة وصُمْتُ عنها، فدهسني الأوتُوبِيسْ، كان مليئا بالرّكّاب...
ذهبتُ لأبيت في دار خالتي زهرة، منزلها غير بعيد كثيرًا عن بيتنا. ابنها البشير هو أيضًا يأتي ليبيت في بيتنا أحيانًا، رغم أنّه يخاف من الكلب رُوكِي. حين يأتي نربط روكي بسلسلة إلى شجرة التّين، أمّي هي الّتي تربطه هناك بالضّبط، حيث لن نجرؤ أبدًا أنا والبشير على تسلّق الشّجرة كَقِرْدَيْن وقطف التّين...
بعد وفاة أبي موسى، استمر الغيث في النزول سبعة أيام، وفي كل ليلة كان الجابي يضرب الأخماس في الأسداس، ويحسب الجبايات على الثمار الآتية. ومات شريف المدينة الذي كان يحمي شامة، وكان أوصى لها بشيء من المال، لكنها لم تصل إليه بعد ذل ضعفه في الرشاوي لدى الحكام والعدول. وما لبث العصاب أن أخرجوها من دار...
كان شتاء عام 1948م شديد البرودة بمدينة "ذمار"، المنازل الترابية تحتمي بالدور الحجرية العالمية، "وبيت زيد المعطب" لا يختلف عن المنازل المحيطة به ولكنه يختلف عنها في كل شيء! فجدرانه الخارجية طليت بالطين الني، وتكحلت نوافذه المغلقة على الدوام بالجص الأبيض الباهت، الصمت يحتضن أركانه.
المارة يتحاشون...
(. Lorsqu’il n’y eut plus d’espoir, il décida d’en inventer)
" لم يرث ذلك عن والده، ورثه عن جده..."
علق أحد من أصدقاء والدك و أردف بثقة العارف:
"الجينات، أحيانا، تشرد بعيدا فتنسى مهمتها... أو أنها تختار من ترتاح له فتمنحه الأمانة...
ويبدو جليا أنها لم تبال بالوالد، و منحت الابن بأريحية ما كان...
قالت نوارة:
- لا بد أن نجلب جوقا في حفلة النساء تلك لأنه لا يمكن أن تحلو حفلة بدون طرب ورقص.
قال أحمد:
- لو طلبت مني الزوجة الأولى ذلك لما حققت لها هذه الرغبة، أنت تعرفين المكنة التي تحتلينها في قلبي.
نوارة تبلغ الثانية والعشرين، صغيرة الحجم، أنفها أقرب إلى أن يكون أفطس، غير أن ما يغطي على ذلك...
علمنا أن الغجر خيموا هذه المرة في الغابة. يأتون مرتين أو ثلاثا في السنة. يتوقفون قليلا، أسبوعا أو أسبوعين ثم ينصرفون إلى مكان لا نعرفه، ليس لهم مقر يعودون إليه بالضبط مثلما قد تفعل الطيور. ينصبون بعض الخيام، وقد لا يفعلون. بل ينامون في جوف سياراتهم الكبيرة العتيقة من صنع أمريكي. يعلقون ثيابهم...
كانت السماء حمراء لم يتوقع العاملون في الأرصاد الجوية أن تكون كذلك فقد بشروا صباحاً بيوم لطيف قد تشوبه بعض زخات المطر المستحبة. نظرت عبر النافذة العريضة عرض الجدار ومدت بصرها ترقب العاصفة الرملية التي بدأت تغطي كل ما امتد على مرمى النظر. بدا المشهد كمقطع من فيلم سينمائي عن نهاية العالم، غبار...
إليها: فضيلة المهاجرة السمراء التي لم تجد وطنها بعد...
(1)
جالسة تحت عيني...
حزينة تأتي منها روائح الوطن...
تأملتها سمراء، قمحية بلون سنابل السهول التي أخذني منها البابور ذاك الصباح المضبب، وفي شرايينها حكايا الشوق والنار والنوثة.
وعيونها تسلبني كل طفولتي.. صافية كسماء قريتي !
جزائرية... بنت...
"في عام الجوع تسمن الكلاب"
مثل شعبي
اليوم مثل الأمس، اكتظت المقبرة بمن تبقى من أهل قرية آثأولاش.
وقفوا متعبين على تلة جرداء، تحت سماء رصاصية، وطفقوا ينتظرون أن يوارى جميع الموتى التراب، لتختفي رائحة الموت.. انتظروا طويلا، ولم تنته مراسيم الدفن. كانت تتم ببطء. لم تعد سواعد الرجال تقوى...