سرد

كنت أخرج كارنيه الكلية من حقيبتي‏.‏ وأنا في عجلة من أمري‏.‏ وصلت متأخرة في هذا اليوم‏.‏ وكنا في الربيع حيث مداخل الجامعة مغطاة بالورق الخضر‏.‏ والحديقة الواسعة تعلن عن نفسها بالألوان الطبيعية‏.‏ كان المكان يبتسم لي‏.‏ وفي الجو ثمة شعر من الدخان والمرايا‏,‏ ونسمة هواء عذبة في هذا الصباح الجميل‏,‏...
سمعت صوت جرس الباب الحاد القصير، دسست قدمي في الشبشب، وهرولت. لما فتحت الباب طالعتني سيدة عجوز بشعر مصبوغ بالأسود تتكئ على عصا، قلت: أهلاً. قالت بصوت سمعته في قديم الزمن: رفيق. رغم وجهها المكرمش كانت ابتسامتها عذبة ودودة. قلت: اتفضلي. مشت بتؤده وحرص حتى جلست على أول كنبة في الأنتريه. أغلقتُ...
للشرفة لابد من نافذة تُفضي إليها.. أجدادنا الأحباب يُعللون ذلك بقولهم إنه في بدء الخليقة كانت النافذة وحيدة، فتضرعت إلي السماء أن تهبها امتدادا تكون هي الأصل فيه. فجاوبت السماء نداءها: لتكن لكِ شرفة، ولتكوني حاضرة بين زميلاتك اللاتي بلا شرفات. أنتِ أصلك ممدود، وهن أصلهن مقطوع. من يومها، والنوافذ...
كانت سايكي تلاعب شعر آريوس بحنان، وهي تهمس له بكلمات حبها الأبدي، وضعت قبلة على عينه المتورّمة الدامعة، لم يكن آريوس ليستجيب لها، تلقّى صفعة قوية وهو يجول بالأرض أرعبت الفرح داخله وأحزنت قلبه الجميل، كان يحلق بأمان يطمئن على كل بذور الحب التي نثرها بقلوب عشاق أصابت سهامه الذهبية منهم مقتلًا...
" بطاقات إلى امرأة مفترضة " - 1 - البحث عن ذاكرة جئت أبحث عن نصف عمري, الذي غادر الأجندات بعد لعنة قصف غادرة، أخذت وليفة أيامي بالجلطة، قتلت في عين الدماغ وعاء الذاكرة. ووليفتي أخذتها رجفة, خرجت في صرخة.. سقطت في الغيبوبة.. سكنت الموت بعض وقت, ثم نهضت على فزع عارية بين أغراب...
وتوقف أنين الرحى برهة، وأخذت فطومة تمسح يدها الندية بثوبها الأزرق الراهل ، وتطلق نظراتها الساهمة في عطاف الليل الحادب فوق الخرائب . كان القمر الأسود يرمق الدنيا بعين جامدة ، ويلقي ظلاله الخاملة على الأرض السكرى بأبخرة الصيف .. والهواء الراكد يتململ أحيانا ً ، فيفوح في القفر أريج القيصوم ،...
تكأكأت حوله في ممر المطار المفضي إلى الطائرة عناصر شتى من الشرطة. كلما مر من حاجز ما إلا ودوت صفارات إنذار. جربوا أجهزة عدة كانت ترد دائما بالصراخ. عزلوه جانبا. جردوه من أوراق التوت. كشفوا عما في بطنه من قوت. دققوا التفتيش. اكتشفوا أن أحذيته مرتقة بمسامير. هبوا نحو خيمة الإسكافي المشرعة في...
أن تجد نفسك في محطة القطار وأنت بدون سجائر، أن تجلس في مقهى يفرض عليك شرب قهوة سوداء، أن يكون الوقت السادسة صباحا، أن تتأمل الرجل الذي بجانبك وهو ينفث دخان سيجارته غير عابئ بنظراتك المستجيرة به. أن تكون هناك بلا سيجارة ألا تكون، أن تدخن بقايا دخانه، أن يصبح قاطرة حجرية وأنت السماء في طفولتك...
إن عزمتَ على زيارة بيت خناتة، فاستقل سيارة أجرة، وٱطلب من السائق أن يرشدك إلى سكناها. لستُ فضوليا لأسألك عن سبب الزيارة، فقد تكون ضحية مرض أو خداع أو نصب أو وهم أو فقط تحب الاستطلاع. ليس الأمر ذا بال، فغالبا ما تثير زيارة خناتة التساؤلات والتكهنات. الأساسي أن تقتنع أن ذهابك سيرا على الأقدام...
أدرك بأنه كان يعرف الحديقة من قبل، لذلك جاء إليها، قاصدا، غير أنه لا يذكر لماذا جاء ومن أين وإلى أين كان يريد أن يمضي. ألقى نظرة أخرى من حوله، فبدا له كل شيء غريبا، ساوره ما يشبه استمرار العشب المشذب، والأشجار، ثم الجو الغائم، وكأنما الدنيا على وشك أن تمطر، سره ذلك حينا، لكنه ما لبث أن أحس...
قال الرجل الضرير للرجل الضرير .. "كم الساعة ؟!" .. ونظر كل منهما فى إتجاه ساعته الخاصة .. قال .. "منتصف الليل".. فحول الآخر وجهه حتى تلتقى الساعتان. *** الشمس التى كانت تنظر الحدث عدلت من وقتها فبدأت فى شد حبل الليل حتى كان منتصف الليل وانتحت جانبا... *** قال الرجل الضرير للرجل الضرير...
لأن سعر الطحين "العادي" زاد بمقدار عشرين درهما للكيس، ولأن الخرفان أكلها " اللاويون" تقدمة للرب في خيمة الاجتماع ، لم نعيِّد تلك السنة . ( تأوه الأوباش شهوة إلى اللحم . فجاراهم الكثيرون وصاحوا: من يطعمنا لحما؟ نذكر السمك الذي كنا نأكله مجانا ، والقثاء والعدس والثوم. والآن نفوسنا يبست . لا شيء...
بعد مؤامرة ليست دنيئة من الجزارين باع جاموسته بنصف الثمن، لتذبح بعد جنون الأسعار، لتباع على أنها لحم عجالى، يفرش خرقة قديمة. على المصطبة الطينية، أمام الدار. يسند ظهره على الحائط، بعد أن باع المنجل لتاجر خردة، وتعود على الكسل، يضيع وقته بهش الذباب، وتقطيع كرات الأطفال، معاش الضمان هو الحل يضع...
لم يُحدّثني " أبو الفضائل" بل حدّثني على لسانه " أبو الرّذائل" قال: ـ لم أجد متّسعا من الوقت لأُقنع أبا الفضائل بالعدول عن تقديم استقالته من المُواطنة العربيّة.. قال لي جادّا: ـ إلى من أُقدّم استقالتي أجبته مازحا: ـ إلى جامعة الدّول العربية طبعا.. أكّد لي أنّه سيُقدّم استقالته على شبر...
كانت الأصوات تتضارب في رأسه وهو يحاول السيطرة على يديه فوق الآلة الكاتبة وقد غشت عيناه سحابة سميكة فلم يعد يميز الأحرف. عندما دخل هذه الحجرة منذ سنوات عديدة حدثه مدير المكتب بود مفرط عن مكانته وأهميته في العمل. ربت على كتفه قائلا: ستشعر وكأنك واحد منا.. سنعينك مديرا لقسم الطابعة. حاول أن يكتم...
أعلى