سرد

تنطلق سيارة الأجرة بأقصى سرعتها لتبتلعها العتمة، بينما كان محمد يجلس بالمقعد الأمامي ويظل شاخص البصر، عله يرى أحدا في الجوار إذ بدا كل شيء غريبا عليه، فليس هناك سوى ذلك الضوء المنبعث من السيارة التي صارت تغوص في الظلام الذي راح يلتهم بدوره النور كمن أضناه الجوع. وصل محمد أخيرا إلى الحي السكني...
اعترافك الأخير أمام كاهن نزق، يتململ خلف كوته، يدعوك لأن تسهب في السرد، لتأتي خطاياك هطولا على نفاذ صبره، وتشب عن طوق وصايته المزعومة، وأنت كلما أمعنت في تهويل انتهاكاتك، ستجعله يفقد السيطرة على حواسه، خاصة إذا كنت تفضفض له عن معاشرتك لإحدى النساء الجميلات، سيبدي امتعاضه بعض الشيء، لكنه في...
في ذَات الوقت من منتصف ليل، تبدأ حركة غير اعتيادية في شقة غير مأهولة في الطابق الذي يعلو شقة ما. تبدأ الحركة بإزاحة الأثاث وفتح وغلق للأبواب والنوافذ وعواء للريح. حركة دائبة وفوضى وأصوات غير مفهومة، تسكن للحظات لتعاود الكرة مرة أخرى تتمتم مواسية نفسها تلك القابعة هناك -ربما أحدهم يأتي لتهوية...
حدق المعلم وهو يدخل إلى الصف ناحية الصبي المهجر ذي العشرة أعوام الذي كان يجلس على رحلته المنفردة الواقعة آخر الصف ، والقريبة من النافذة المطلة على باحة المسجد الصغير في المدينة التي نزح إليها مع البقية الباقية من عائلته المنكوبة. ألقى التحية بابتسامة موجهة إلى الصبية الذين وقفوا وهم يرونه...
إتَفَقَ النهرُ المقدس، نهر النيل،إتفق مع أسماكه،تماسيحه، القرنتيات و الاعشاب،إتفق النهر معهم علي تاريخ ميلاد فتاته، بنت النيل! مضي النهر في مشاوراته إلي آلهة المكان التي نشرت سلطانها علي الضفاف و السهول المجاورة و الجبال، آمسيمي قالت: يجب أنْ تكون قوية و مبهرة الجمال تجري في عروقها دماء المجد و...
رأيت نفسى فى شقة جدتى التى آلت إلى بعد وفاة أفراد الأسرة تباعا، والتى قمت بتأجيرها لعدة أعوام قبل أن أتمكن من التخلص منها بالبيع. كان وجودى غريبا، فالشقة أولا فى حوزة المشترى، ثم إنها خالية من أى شىء يمكن أن يعين على المعيشة، كسخان المياه الذى أخذته معى قبل الرحيل، وحوض المطبخ الايطالى الذى قمت...
قلبي كان يرفرف طربا حين ألمح البهجة تفيض من كل قسمات وجهها ، كنت أسترق النظر إليها وسط زغاريد النسوة ، فأراها تعيش لحظات نشوة ما بعدها نشوة ، أعود بانتباهي إلى الرجال من حولي بحيوية وطاقة جديدة تحملني إلى آفاق مفعمة بالرحيق والحبور والنوارس طالما حلمت بها في نهاية العرس ، وبعد أن بارك المدعوون...
كان منظر أشجار الفستق الحلبي رائعا، بحمرتها المصفرّة على الأوراق الخضر، تعكس الأضواء كأنها مصابيح منمنة، قبل أن يخرس صوت المحرك وتغم ّالأنوار الصفراء، مسابقة العتمة الشاملة. لينقلب المنظر مخيفا ًعلى نور البدر الساطع، فبدت الأشجار.. كأشباح تحركها أنسام الليل وتتهامس بأصوات طقطقة نضوجها وكأنها...
-1- وصلت الحافلة التي تقل والد الجنرال إلى العاصمة الواقعة في جنوبي البلاد قادمة من أقصى شمالها ، بعد عناء مشقة سفر وتعب دام أكثر من سبع ساعات قاسى فيها الرجل المسن من أوجاع مرضه وألم مفاصله ما كان يجبره بين الفينة والأخرى أن يغادر مقعده ويقف في الممر الضيق بين صفوف مقاعد المسافرين ليرتاح قليلاً...
1 أغلقت سهير عينَيها في بطء، وهي تحاول بضعف ازدراد ريقها من حلقها الذي بدا كصحراء قاحلة، ثم فتحتهما في وهن؛ لتلقي نظرة رجاء وانكسار على وجه أبيها الذي يتطلع إليها بعينين تحملان نظرات خاوية، بليدة. "ارحمني يابا.. أبوس إيدك". بأحرف مهتزّة مبحوحة، ألقى لسانها المكبل بالآلام تلك الكلمات؛ لتخرج من...
تشكل الضوضاء العالية خلفية مزعجة اعتادتها أذني فلم تنتبه إليها إلا حين شذ نفير عال متصل أشعر أنه موجه لي أنا بالذات، فأسرع الخطى دون أن ألتفت لمصدره، وهكذا في خطوات سريعة واثقة أعبر الميدان كي أواجه مدخل المحطة الأرضية، وقبل أن ألتهم سلالم المحطة تمر عيني سريعًا على بائع الساعات، والمتسول ذي...
الطريق تنتزع مني بصري الطويل وتطيل امتداده باتجاه الخضرة والسهول، وأحس بأنفاسي تتلاحق، تود لو تتكاثر وتندمج انصهاراً مع جمال الطريق وروعة الصباح الربيعي، وكأن ذرات بيضاء يعلوها احمرار حيوي من الدم الساخن في الرئتين تتغنى بسرية التراب ذلك الغاطس في لوعة المطر الكامن في تلا فيف الانحناءات الشجرية...
منذ ثلاثة أيام لم يتصل ، جربت أن لا أراه في أحلامي، أنا المعتادة على سحبه إليَّ متى اردتُ أن احتمي به من نفسي،فيصوغ لي حياة متباه بها ،أعود بها طفلة تتسلق بها وجه حائط يفصلنا عن حديقة حلميه، تفيض بكل أنواع الطيور المتهادية مثنى مثنى، هو من يتسلق الجدار أولا، ثم يمد لي يداً تضج برجولتها لتشدني...
كما القطارات التي كتب لها طريق واحد لاتتعدى مساره ، كذلك يمضي العمر محملا برغباته المقهورة التي تموت اذ لاتلتقي ومحطات رسمها لها صاحبها ، وكذلك يسيركل شيء الا الانهار . توهان في كل شيء يتحرك مثل ايد لم يكتمل قطعها وعيون ظلت وهي تراقب الحركات المحفورة للخوف . تسير ساعات الياس صفيقة لادم فيها...
إلى روح القاص عبد الملك نوري (1)‏ الفجر يتسلل، إلى الغرفة، عبر ثقب، في ستارة النافذة، ترى كم الوقت الآن!؟ ساعته، مخنوقة النبضات، تستكين تحت الوسادة، يشعر ببرودة قطعة المعدن والزجاج، في أصابعه، إذ يمسك بها، ويدنيها من عينيه. يرى خليطاً، من الإشارات المبهمة، أين العقارب اللعينة!؟‏ منذ بعض...
أعلى