سرد

في هذه المحطَّةِ قيلَ إنها ألقتْ بنفسِها لعجلاتِ قضبانِ السِّكةِ الحديديةِ! ... كانَ القطارُ مسرعاً، وكانتْ ترنو إلى البعيدِ مترقبة قدومَه بهدوءٍ مريب. وقيل إنها بلمحةِ بصرٍ ألقتْ بنفسِها أمامَه ليستحيلَ جسدُها أشلاءَ متناثرةً في كلِّ اتجاه ....ولتحيلَ المحطةَ إلى عويلٍ وصراخٍ... لكنَّ أحداً لم...
طرق الشّاوش منصور بابي حين عاد إلى الحيّ في آخر الليل. جاء يعلمني بأنني مسجّل على قائمة الانتظار الرّسميّة. زوجتي لا يعجبها العجب، طبعا. لذلك فهي لم تر في وجود اسمي على هذه القائمة حدثا يستحقّ أن يصعد من أجله الشّاوش منصور بطمّ طميمه إلى الطّابق الأخير من العمارة، وأن يطرق بابنا في تلك السّاعة...
كان يحمل المعول على كتف يبدو عاريا من قميص ممزق، وكان حافي القدمين يمشي مسرعا بين جدار البستان والساقية، يهرول لأن دور الماء كاد ينتهي. ثم صدح بموال حزين فصفقت أجنحة اليمام من النخلة، وسقط خلخال من رجل الغجرية. سقط الخلخال وخنق مهرج الجماعة القزم ضحكة نزقة، كان يخاف أن تغضب الراقصة لكنها ابتسمت...
حدثنا عبد السلام بن محب قال كنت في معهد الطب أدرس الأمراض و أسرارها و الجراثيم و أضرارها و الطفيليات و أخبارها على يد الأستاذ الذي شاع ذكره في العالمين أي شيوع و سطع علمه أبهى سطوع الدكتور جبرائيل بن بختيشوع و بينما نحن في درس من دروس ذلك النطاسي العلامة و الفطحل الفهامة إذ دخل علينا فتى مصاب...
كان ينتظر أحد أصدقائه في الممر الطويل، حين بزغ وجهها البيضوي المختوم بشامة سوداء أسفل الخد.. ثمة طين خفيف يغطي أناملها، ويلطخ ببقع صغيرة ثوبها الأسود.. بعد ساعات.. في الطريق الى بغداد.. لم يجرؤ على مسح الطين المتراكم فوق نافذة الحافلة؛ كان يخشى ضياع رائحته وتلاشي ملامح اكتشافه الجديد الذي أطَّر...
كان لداروين في طفولته صديقة حميمة, لكن لسوء حظه وحظ البشرية انفصلا عن بعضيهما, لسبب بسيط هو أنه في أحد الأيام, حين عيرها بشعرها المجعد, عيرته بقدميه الهزيلتين ويديه الطويلتين0 فأصبح كلما يتذكر هذه الحادثة تنتابه حالة من الألم واليأس, ويعتصر لها قلبه, خصوصا حين انتقلت هذه الصفة على لسان أقرانه...
عبق التبغ المختلط بأريج عطور ذكورية يداهم أنفي.. عيوناً متلصصة تحاصرني وتراقب حركاتي وأحاول أن أتجاهلها.. حفيف أوراق الشتاء المتساقطة يختلط بصوت الرياح الصاخبة وضجيج السيارات التي تشق طريقها مسرعة نحو مصائرها صانعين سيمفونية بعثت بالأشجان في نفسي..رتبحث عنه عيناي في كل مكان ولكن بلا جدوى..رأتوق...
بلدته التي بدت بيوتها كحبات متناثرة تخترقها سكة الحديد من وسطها، في مخيلته تعاقبت صور شتى تدفعه ليلملم شتاته قبل الوصول اليها.. كانت رغباته تهتاج في كل خطوة على الأرض التي تتماوج أمامه وسط السراب المتراقص الواصل حد الأفق.. خطواته يجرها بعناء، وجهه يتفصد بحبات العرق وعيناه مدفونتان في تجاويف...
استيقظت مبكرًا كعادتى، أوقظ طفلى الحبيب، وأحضر له الفطور، كيوم طبيعى، أذهب به لإيصاله إلى المدرسة، لكن يختلف هذا اليوم عن غيره فى روتينه، فبدلًا من أن أذهب إلى عملى سأذهب إلى المشفى لأخذ نتائج تحاليلى، وبالفعل ذهبت ثم عدت لأخذ ابنى بعد انتهائه من يومه المدرسى وأعود به إلى البيت، وأحضّر له...
سألني السائق سؤالاً أخيراً عندك جد فى العرديباب ؟ قلت له مؤكداً وبشكل حاسم نعم عندى جد واسمه الحاج عندلة. ثم سألني وكأنه يريد أن يؤكد شيئاً هل هو موجود حالياً... فى الأيام دى بالذات. لا أدرى لماذا يتدخل السائقون الثرثارون فيما لا يعنيهم،أنا ذاهب الي العرديباب، وعليه أن يكبح فرامل عربته فى...
هناك في دنيانا الكثير من المهن التي يكمن فيها أو يكتنفها الخطر ويتسبب في كوارث ، ولذا يجب علي الشخص أن يتخذ حذره ، وربما تحدث الحوادث بالرغم من الحيطة والحذر ومن هؤلاء العاملين الجنود المجهولين موظفي الأرصاد الجوي والذين يتطلب عملهم تحديث حالات الطقس وقياسه في فترات معينة من اليوم ويستخدمون في...
(( عا آآوووه ………)) صرخة طويلة ممطوطة تشبه صرخة حيوان جريح تصحبها ضحكة مجلجلة تنم عن قلب مفعم بالطيبة ، تردد صداها جنبات مدينتنا عطبرة * ، تأتي دائماً عند الغروب ، تقشعر لها جلود الناس ثم تلين بعد ذلك ويعم السلام المدينة ، يضحك الجميع في طهر طفولي ، يشفى الأطفال المصابين بأمراض المناطق الحارة ،...
" و انت عرفتها كيف و وين و متين يا ولدى ؟ " هكذا ألقت زوجتى " شامة " بأسئلتها فى وجه وحيدنا " نادر " و هو يجلس أمامنا تحت راكوبتنا الفسيحة . الوقت أصيل لكن السخانة لا تزال تلفح وجوه الناس و الأشياء ، حتى شجرة النيم التى تتوسط دارنا تهدلت أغصانها كأنما بصق الزمان عليها شيخوخة مفاجئة ، بدت لى فى...
في مقهى ما من مقاهي الـمدينة، كانت تجلس مع صديقتها الأجنبية، تشرب الشاي بهدوء، تضحك بشكل حقيقي، تبتسم بعمق، تحرّك يديها تماماً كما تفعل في كل الأمكنة، في مؤسستها مثلاً. هنا في هذا الـمقهى لا شيء حقيقياً أو عميقاً، ومع ذلك فهي تفرض الآن صدقها وتلقائيتها في عالـم مكوّن من قش متطاير وخشب محروق، لـم...
جرت في المقهى مباراة صاخبة في لعبة الكونكان بين معروف السماع ورشيد القليل، كثر مشاهدوها وتطايرت في أجوائها التعليقات الحماسية الساخرة المتحدية، وانتهت بهزيمة رشيد، فتباهى معروف بانتصاره، ونصح خصمه بلهجة ممازحة بمواصلة التدرب ليل نهار قبل اللعب مع أساتذة مثله. فاغتاظ رشيد، ومزق أوراق اللعب، وقذف...
أعلى