سرد

كلما وصلت إلى الشارع المؤدي إلى بيتنا, يخفق قلبي بسرعة مجنونة. لا يستكين إلا بعد أن أرى البيت في مكانه. البنايات الحديثة القبيحة, التي تحيط به, لا تحرسه, بل تخنقه. ورغم ذلك يصمد برصانة, بطابقيه المتواضعين, وشرفاته الضيقة, نصف الدائرية, وأبوابه وشبابيكه الخشبية باهتة اللون. أحيانا, وأنا أتقدم...
في الساعة العاشرة قبل منتصف الليل من كل أربعاء, يأتيه من يأخذ الجثة ويعطيه ألف دينار, بشرط أن تكون الجثة لرجل وغير مبتور منها أيّ عضو مهما صغر حجمه. كان يبيع الجثث التي يدفنها بيديه, منذ سنوات وهو يحفر في أرض المقبرة, لا أحد يعرف عنه أي شيء سوى أنه رجل مؤمن وعفيف لا يأخذ أكثر من حقه في الحفر...
كانوا يرددون أغنية جماعية عندما ظهر في الباب رجل غريب. لم يكن بقي في الخمارة كرسي واحد خاليا. و هي ـ الخمارة ـ عبارة عن حجرة مربعة تقوم في أسفل عمارة عتيقة بالية. تضاء نهارا و ليلا لقتامة جوها المدفون. وتطل على حارة خلفية بنافذة وحيدة من خلال قضبان حديدة. طليت جدرانها بلون أزرق فاتح يرشح رطوبة...
دلف إلى الحانة بسرعة، وكأنه يتملص من ملاحقة مجهولة تثقل كاهله، اتجه كآلة مبرمجة نحو البارمان، رمى بثقله على حافة الكونطوار، اتكأ بذراعه وطلب كأس نبيذ أحمر قان هي افتتاح لزمن لا يستطيع التكهن بنهايته. تلك كانت….. الكأس الأولى، سكب محتواها في جوفه دفعة واحدة، هذا النوع من الخمر الرخيص لا يستساغ...
أتذكر أن الوقت كان أواخر الشتاء، ولكن الشمس يومها كانت ساطعة، حين توقفت السيارة الصغيرة البيضاء على شاطئ البحر. قالت أمي، وهي تطفئ المحرك: - احذروا أن تبللوا ملابسكم. اندفعنا باتجاه البحر، نرتجف شوقاً إليه، شريف ورفيق وياسر وأنا، شمّرتُ أطراف البنطلون، وكذلك فعل الآخرون. خلعنا أحذيتنا، وركضنا...
عندما طلبت قهوتي في ذلك الصباح، حوالي العاشرة تماماً، كان المقهى شبه فارغ من الزبائن. كان هناك بعض الطلبة متفرقين على موائد متباعدة، يراجعون دروسهم أو يتناقشون في أشياء قد تهمني أو لا تهمني أو قد تهمهم وحدهم. كنت بانتظار "س" فموعدنا دائما يكون في نفس الساعة كل يوم سبت أو أحد، بطبيعة الحال...
يشكل المقهى، الفضاء الأثير لدى أدبائنا - كتاب القصة بالأخص- بمختلف أجيالهم.حيث لا تكاد تخلو مجموعة من مجاميعهم القصصية، من تناول هذا الفضاء وما يحبل به من وقائع ونزوات. هناك من يعتبر المقهى عالمه الأدبي، بحيث أنه لا يستطيع الكتابة عن شيء آخر، خارج هذا العالم بالذات. نلتقي هنا إذن، مع المقهى في...
جالت عيناه في زوايا الشارع. كان الطقس دافئا مستكينا. يبحث عنها بين صفوف القادمين, لم يتبين وجهها من بين الوجوه القادمة, نظر إلى الساعة في معصمه: - هذا هو وقتها. انتظر قليلا ربما تمر أمام دكانه كما هي عادتها كل صباح, تلقي التحية عليه ملتفة في جلبابها ذي الثوب المهترئ ورأسها المشدود بمنديل كحلي لا...
مصت سيجارتها عميقا ورفعت وجهها إليه: أظافري تتقصف، سأستعمل طلاء "فيرني شلين" أحب ملابس " كلافن كلاين " وأنتعل حذاء " جوتشي "، أموت في عطر " اترو سردي"، سيجعلني أمنحك الليلة ما توده. كانا معا يعريان صمتهما برصيد فرنسي جاهز ومتقطع. في مائدة عن يميني جلس عجوز في لون خشب محروق، تحلقت حوله فتيات...
ما كرهت في طفولتي شيئا كخبز الشعير. بل لم يكن الأمر مجرد كراهية . كان شيئا أكثر قوة. فقد اعتقدت طويلا أن مسألة الوسامة وبياض البشرة مردها إلى الخبز الأبيض. وان السواد وبشاعة الصورة مردها إلى خبز الشعير، وأن الإفراط فيتناول هذا الخبز يفضي حتما إلى التهلكة. هكذا نشأ موقفي المتصلب من هذا الخبز،موقف...
وضعت الحقيبة قربها وظلت تنظر إلى الفراغ. مد هو رجليه بكسل أمامه. أيقظها سؤال «الجارسون»، طلبت عصير برتقال ثم أدارت رأسها إلى النافذة. سمعته يدس يده في جيبه باحثا عن علبة الثقاب. «سيشعل واحدة من سجائره الرديئة». فكرت أن ذلك مقيت وإذا أضيف إلى هذا القرف والفراغ. - أرجوك لا تنفث جهتي. إنك تجعلني...
الليل يغطي، بردائه الأسود المثقوب بالمصابيح والنجوم، مربعات أسمنت هذه الغابة النائمة على الدوخة والجوع وبرك القيء والخوف… يقترح بأدب جم ثم يصر (ح )الأصغر سنا، بعد ليلتنا التي مرت سريعا، على شرب كأس قهوة لطرد ماتبقى من رذاذ الدوخة، من على دماغه الذي لم ينفذ صبيب النبيذ لأديم صحوه الصخري إلا...
أخذت مكاني في الركن الذي ألفته في المقهى التي اخترتها. لم يسألني النادل، حمل إلي القهوة المرة دون أن يضع بجانبها قطع السكر. قلت وقد ألقى تحية عابرة حميمية: - هذه الصحف -وكانت تحتل جانبا من الطاولة- ليست لي، يمكن أن تحملها. أجاب بعفوية: -زبون كان هنا نظر فيها، تركها بعد أن شرب قهوته. يبدو أن وقته...
هذا اليوم قصدت المقهى الذي نلتقي فيه في نهاية كل أسبوع، وأنا خالي الذهن من كل ما تعرضتَ له. اقتنيت «المساء» من بائع الصحف الذي يتخذ من أدراج مقهى باليما كشكا له، وعندما نظرت إلى الصفحة الأولى فوجئت بنبإ اعتقالك. تذكرت للتو أننا كنا قد تهاتفنا قبل يومين أو ثلاثة، وحينها أخبرتَني بأن الشرطة...
خلع عنها ملابسها . خلع ملابسه .اتخذ مكانه على الكرسى المجاور للطاولة الصغيرة . بقايا مأكولات، علب سجائر مختلفة الماركات ، مناديل ورقية ،كتب ، اسطوانات موسيقى ، صور لنساء بملابس البحر مقصوصة بعناية من مجلات قديمة ، وفى الركن تستقر أدوات القهوة . أشعل الموقد الكحولى ، وضع فوقه الكنكة الملآنة...
أعلى