سرد

فؤاد قنديل لست أدري على وجه الدقة السر في أني أحببت اليمام أكثر من الحمام، ربما بسبب صوتها الرخيم، وربما بسبب ندرتها وربما بسبب شعوري إنها مسكينة وهيابة تتجنب الزحام والعنف والصخب.. وربما لأني في الوقت ذاته أشعر بأنها تتمتع بدرجة كبيرة من الاعتزاز بالنفس كالهدهد.. لكن اليمامة تعتز بتواضع، وتسمو...
علي ان أقول في البدء _ لكي لا يفاجأ أحد بعد ذلك_ أنني لا أقوى على المشي، وانني، منذ الحادثة، اقضي معظم ساعات نهاري مشدودا الى هذا الكرسي المعدن ذي العجلتين الكبيرتين، جالسا في الظل الكثيف لشجرة الكالبتوس الضخمة_ التي زرعها جدي عند باب الدار _ أراقب السيارات والمارة بذهول مريض في طور النقاهة،...
انطلقوا في الهزيع الأخير من الليل بعد أن اعتلوا صهوات خيولهم، مخلـّفين وراءهم رائحة الموت ودخان الحرائق وعفن اللحم البشري ونباح الكلاب الضالة وهدير الطائرات وعويل سيارات الاسعاف. كانت الخيول تعدو خببا ً باديء الأمر وقد اخذت تجتازشريط الأرض الذي يفضي الي الصحراء، وما لبث ايقاع عدوها أن أخذ يتصاعد...
كان ضوء الشمس ينعكس على جسد امرأة، وحيدة كما السماء، وكأنها قادمة من طول الارض وعرضها ، تهرع في كل الاتجاهات، وهي تعانق مياه النهر الباردة التي تغرق قامتها. تجاورها ، تحتضنها، فتتحرر عوالم البهجة الرقراقة في روحها، من الصعوبة ان تجد حقيقتها ولكنها ومع النهر تضع كل احمالها وراء ظهرها، وتغرق...
في بادئ الامر ، روعني المشهد بما احتواه من غرابة وانا ادفع الباب بعنف ، فاجأتني البنت الكبرى في غرفتها ، شبه عارية ، صرخت بوجهي وانا اقف حائراً امامها قبل فتح الباب بالقوة التي عهدتها بنفسي ، دفعتُ الباب وتعرت الصورة كما تتعرى الروح من ستائرها ، والفم مفغور الى مداه ، ضاع منه الصوت واختفت نبرة...
كما هي الحال في معظم أيام شهر تموز ، كانت هذه الأمسية حارّة ً جدا ً ، وهما يجلسان تحت رحمة دوّامة ٍ من هواء ثقيل ، تنثها حولهما مروحة ٌ سقفية ٌواطئة ٌ. كانا عجوزين مهمومين صامتين . قبل دقائق دلف أحدهما إلى داخل البيت ، وأحضر جريدة ً مطوية ً بعناية ؛ وضعها أمام جاره وصديقه سليم الوزان قائلا ً...
1 - المسّرة تماماً، كما لو في حلم؛ انسابت الى الآذان تباشير موسيقى ناعمة انفتحت عليها القلوب، ثم مالبثت ان تعالت في تدرج بطيء، بطيء حتى غدت تصدح آخر الأمر بمارش عسكري شديد الوقع طبق الآفاق .. كان ذلك مع أولى خيوط الفجر. بحثاً عن الاخبار في المحطات فتح الناس أجهزة المذياع فلم يعثروا على غير...
منى عارف وأعرف أنك محبوبي. في حضورك ينتابني الصمت كثيرًا فأعود أختلي بنفسي كي أفكر فيك، وأكتشف أن قليل القليل يكفي لنخفف من أحمال القلب. القليل من الحب يكفيني، والقليل من القرب يكفيني أيضًا. مثل أوراق الفل الهندي، قليل من رذاذ من الود يجعله يتفتح ويهفهف عبيره، ويرتعش القلب كلما هبت نسائم الحب...
قُبيل الفجر، أخرج إلى شرفتي الصغيرة، أطل منها على الليل، والشارع النائم إلا قليلا. القمر بدرٌ أو كأنه، السماء مطلية بالفضة واللبن، لا يحجب بشرتها ثمة سحب. أدخن سيجارة، وأنظر دومًا جهة اليسار، أتابع “المحل” المغلق، وأنتظر صديقًا هجرني، رغم أني لم أُسئ إليه. أين أنت يا رجل؟ تركتني وأنت وحدك عصاي...
فاطمة البربري طوّفت روح إخناتون فوق أحد المعابد التي تردد عليها الملك الفرعوني قديمًا. تخيّرت جسد ذلك الحارس البائس القاعد على أحد الكراسي المتهالكة لتتلبسه. كان أول وجه يقابلها في المقبرة الأثرية. ولكن ما لم يكن في حسبان الروح الهائمة وهذا الحارس البائس تلك المصادفة التي حدثت. فالروح تلبست نفس...
مكحل ، وإذ أرى .. لا .. لا .. أنا وقعت عيناي عليه .. الكحل كانت تخزنه فيه فى زمان راح وانقضى ، أخذته بين يدى ، والبال شارد أنا ، ولكنى كنت منشرح الصدر ، وسحبت غطاءه ، لا أعرف كيف .. إنما أنا سحبت غطاءه ، وانتبهت على نفسي .. حتى بدني كله ارتج ، وأنا أسعل ، ورأيت غرفتى .. الدخان عبق فراغها ، واشتد...
الميدان ساعة تغسل الوقت من عفار السرفيس والضوضاء. وثوار الأسمنت خرجوا مع الناس. تماثيل الجرانيت المصلوبة تضاءلت أقزاما. انصهرت شمس الظهيرة علي الأسفلت الأسود. ماذا أقول عن الحب إن غابت ياسمين عن سمائي..؟ أقابلها في بلورة الحظ. والأبراج في صفحة الجرائد الصباحية تهمس عرافة البرنامج التليفزيوني...
1 من عل أرقب كرَّ أيامها في صدرهِ، تتركه ولا تغادر، تظل متربصةً في ما بين السطور. ينسل من جواري إلي الظلمة، وقد أجهشت أنفاسه بحشرجة أفهمها وأتركه. في القلب غصة ودمع يتجمد يعز عليه أن يبين، ويبين. تكسر “ليلى مراد” صمتنا. حين يعود، يحلف: قذىً بعيني. 2 الثورات تحرق ما قبلها وتأتي على من...
( حين يصير الحنين يماما على الكف ، والراقصون مدائن لاتقفل الليل أبوابها ، والصباح ) ** ( إلى علي الدميني ، والمقطع السابق من ديوانه بياض الأزمنة) ** هذا بالضبط ما لم يفكر فيه البارحة . لقد نام خالي البال من أي شيء يكدر صفو هدوئه ، صحيح هو مسجون ، ولكنه يشعر بالراحة الأكيدة أن رأسه لم تعرف...
حين وقفت زينوبة أمام صنبور المياه عند الفجر.. كانت ترتعش ليس من البرد فحسب ولكن من شعور مرتقب ببرودة المياه التي ستنهمر على يديها الحمراوين والمنتفختين من شدته. انقطع التيار الكهربائي منذ الأمس، ولم يكن لزينوبة إلا أن تستعد له. ارتدت الروب الصوف فوق فستانها القطيفة الطويل، وجوارب يصل حتى...
أعلى