سرد

وديع العبيدي (1) القائمة الأولى التوت في الطريق فتركت في الصحراء. (2) حملت متاعي قاصداً مكان عملي مع انقضاء عطلة الاسبوع.. وما متاعي غير ما يحمله الغريب في هذه الدنيا.. لا يأسى على شيء ولا يسعى إلى غاية.. وإنما حياته مثل سحابة تدفعها ريح فتندفع.. أو تسطع عليها شمس فتتفتت.. لا أعرف أين أنا...
جدي كان إنسانا هادئا، لا يتكلّم أبدا لمجرد الكلام. وجهه كان يشعّ بابتسامة عذبة ، وملامحه تنم عن هدوئه الداخلي النادر. أحيانا، كنت أراه في أزقة القرية، حين كنتُ ألعبُ مع صديقاتي، بمعطفه الكحلي الغامق وقبعته الشركسية السوداء، يمرّ بقربنا. لم يكن يقول لي شيئا، ولكن ابتسامته الواسعة كانت تقول لي كل...
حين توقف امام الخيمة، احس برغبة في ان يستفرغ ما في قلبه وروحه، فالحزن قد بلغ مداه، والنكد ملاقيه اينما اتجه في هذه الارض التي ضاقت كثيراً في عينيه حيث ضاقت روحه فصار يرى الكون صغيراً، ربما يشير ذلك الى ان روحه تتهيأ للرحيل الى عالم ارحب، هذه المرة اختار هذا البستان القريب من ضريح احد الصوفيين...
هكذا كانوا يستشعرون مقدمه... من همسه المنفلت..من شخيره المتعب..من صخب خفيه وهما يكنسان الأرض..من رائحة السمك التي ترافقه أينما حل وارتحل.. ومن ظله الأعوج وهو يسابق هيكله الخيزراني.. فترقص قلوبهم فرحا..يخادعون الرتابة على غفلة من أنفسهم..يعلنونها فرجة مفتوحة.. فيتكومون على بعضهم البعض مثل فريق...
جلس في مقهى التراث الشعبي ..على ناصية الطريق الخراب .. بين برج الساعة المتوقفة ومصرف ليبيا المركزي … طلب قهوة وزجاجة صغيرِة من ماء النهر الصاعي … وتقنفذ على نفسه في كرسيه يفكر … على باشا الجزائري .. الذي أمر بتشييد برج الساعة … مصرف ليبيا المركزي.. الذي كان برجا إسمه برج المجزرة … سيف البحر...
الخراطيم مقّلصة والصنابير ظامئة والحيتان فاغرة أفواهها.. وغابات الصبّار تستنزف الطاقات بالرغم من أجسادنا النازة بعرق الانكماش ولسع السياط العالق بنا كذرات رمال متصمّغة إلا أن الشفاه والأهداب تتحدى النواجذ الزعاف.. صمت مخجل يخيّم على أجوائنا ..أهي الرغبة عن اللا جواب أم هروبا من صدى الأجوبة...
تنبح الكلاب في شارعنا كل ليلة حتى ينقشع عنها الصباح، فيتحول نباحها الى عواء ثم يهجع… تتحرك في وسط الشارع بشيء من الحرية، تقترب نحو صناديق القمامة، ترتفع اليها بأقدامها الامامية، تنبشها بأفواهها، تلتقط ما يسد جوعها ولا تتجاوزه، تلعق فمها بلسانها، تدفع جسدها بأقدامها إلى الخلف وتهبط على الأرض...
(1) خمسون يوماً من المسير إلى الشمال، عابراً قرارة الأبنون، إلى سرير القطوسة، ومنه إلى جبال الهروج.. مائة عام أو يزيد، عن آخر رحلة لأسلافه نحو الشمال “حدريس أبنو كي ها” آخر عنقود سلالة المشواشيين الأقحاح، الذين عمَروا مدينة الماندو قبل آلاف السنين.. ليبي القسمات، دست الشمس لونها في ثنايا وجهه،...
اشتريتُ دجاجةً للعشاء وزيّنتُ الكيسَ ببعض الخضار ، ولا أدري لماذا وضعتُ علبةَ التبغ بين مواد الوجبة ، كنتُ عائداً أوَّلَ الليل على قدمين منهكتين بجثث الحجارة وحفر الطرقات ورغم ذلك تخيَّلتُ أشجاراً كثيرة لا وجود لها ولم أُفوِّتَ تحيَّةَ جارٍ قديم تصالحتُ معه بصعوبة بعد أعوام من تبادل مقاسات الشجب...
استيقظ من نومه منهكا …. أحس بألم غير محدد يغزو جسده ويتسرب الي كل خلية من خلاياه …. شعور بالغثيان وشعور بالعدم يطغي علي كل أحساسيه . قام بغسل وجهه بالماء البارد …أحس ببعض الانتعاش ..ألقي نظرة علي وجهه في المرآة ….يالله لقد مر الزمن سريعا الشعيرات البيضاء غزت شعره الاسود وتكاد تعلن أنتصارها...
بدأ النهار حارا، كنت ما زلت تحت تأثير السمفونية الأولى لبرامس، واختلط لدي السمع بالبصر؛ ولم أعد أدري هل أنا في النهار أم في سفر الحركات والسكونات المتناوبة التي تحيل اللحن إيقاعا ليتوقف العقل ويدع الروح وحدها تسبح في تموجات عظم المادة اللطيفة والغليظة. وكتدرج اللحن تدرج النهار. عند التاسعة...
بدور… بائعة التمر البصري، دكناء كحبة بن. كانت كالعشرين شتاءً.. أيهذا الجمال، يدوخ! حزن في عينيها البليلتين، كانكسار الغروب بعصائره المعتقه. حزنها جحيم سحيق، صفيق..، حزن يسير بمساء خلف أطراف عميقة السماء. كل شيء بين يديها يسكب في طيوب، يطاله رفات السفر، حليكة، والسفر مداه الذهول، يتمادى بنان شحذ...
قبل أن تظهر في حياتي كنت شخصا آخر.. أقرب ما أكون إلى حيوان أليف.. ليس لي من همّ إلاّ لقمة أسدّ بها رمقي، أو شربة ماء أطفئ بها عطشي، أو بعض أحلام صغيرة تافهة تراودني بين الحين والحين.. إذا نمت، نمت ملأ شواردي، وإذا نهضت، انطلقت انطلاقة الجنّ، لا ألوي إلاّ على اللّهو واللّعب والرّكض في حرّ الدنيا...
صحيحٌ أنّنا شعبٌ لا يقرأ إلّا الكفَّ والأبراج، لكنّ هناك نوعيّةً من الكتب تُطبع عشرات المرّات، ويُقبِل الناسُ على مطالعتها بنهمٍ شديد، ومن المؤكّد أنّ مؤلّفيها يجْنون الملايين. وعلى سبيل المثال نذكر من هذه العناين التي تلقى رواجًا كبيرًا: ــــ كيف تحمي نفسك من العين والحسد؟ ــــ كيف تحصلين على...
"القصيرات هُنّ المحظوظات": لطالما ردّدتْ أمّي عبارتَها ضاحكةً، وهي تَهمُّ لإحضارِ الطبليّة، كي تساعدني على بلوغِ الأماكن المرتفعة. كنتُ في الثالثة عشرة، وأحلمُ بدخول الجامعة للتخصُّصِ في التعليم. أورثتْني أمّي قِصرَ القامة، من دون الإيمان بحظّ القصيرات، وإن كانت تُدعِّم إيمانَها بالشواهد حتّى...
أعلى