سرد

1 الشَّارع كرنقال غامض، الآلاف من ضروب الأشياء … سيارات بزعيقها الصَّاخب، تتعالى الزَّعقات الممجوجة مع أصوات العجلات السَّمجة، فتتجمَّع في ساحاتِ الرُّوح كغيومٍ سوداء، فتعكِّرها. البشر نهرٌ متدفِّق، والجُّموع تدبُّ صاخبة، حركات متعاكسة ذهاباً وإياباً، وجوهٌ ترتسم فوق رمال الذَّاكرة وتنمحي بسرعة...
راقبته طويلاً من الرصيف الـمقابل، بائع القهوة الـمتجوّل، شاب ضرير ونحيل وقصير في الثلاثين من عمره تقريباً، كان يقف أمام واجهة مقهى ركب الزجاجية، صوته وهو ينادي على الناس يبعث على الغيظ؛ فهو مضحك ومبكٍ ونسائي في آن. قهوة قهوة قهوة، يتوقف قليلاً، ينظر إلى اللاشيء، أو ينتظر اللاشيء، ثم يتابع: قهوة...
ادعى رجل النبوة في البصرة، في زمن المهدي. فلما أدخل عليه، قال: “أنت نبي؟”. قال: “نعم!” قال: “إلى من بعثت؟”. قال: “أو تركتموني أُبعث إلى أحد؟! بُعثتُ بالغداة، وحُبستُ بالعَشيِّ!”. النويري، “نهاية الأرب في فنون الأدب” أما أني كذاب فذاك حق، وأما أني سرّاق فو الله أني كذلك، وأما أني قد ادعيت النبوة...
في ذلك الوقت صار البيت من الآثار القديمة التي لا يُؤبه لجمالها بعد أن كان تحفة في القرن الماضي، هيهات أن تروق في نظر الذوق الحديث هذه الحيطان العالية الضخمة التي تُشبه جدران الحصون والقلاع، وهيهات أن تتقبل عينٌ قبولا حسنًا مثل هذا الفِناء الوحشي المتسع، الذي هو أشبه ما يكون بأفنية المقابر. ثم...
عند ظهيرة يوم شتويّ اشتدّ قرّه والتحفت سماؤه ببرقع من السّحب الرّماديّة ، ولجت فاطمة و ابنها أحمد حانوت نسيج قائم في ركن من أركان أحد المنازل قرب نخلة باسقة غير بعيد عن طابية عالية يكسو أعلاها صبّار و تين شوكيّ . بادرت فاطمة العمّ حبيبا النّسّاج بتحيّة خافتة ، ناعسة لا تكاد تسمع من تحت...
ليس المذياع وحده رفيقها هذا المساء..ثمة حزن يفوح من عينيها معلنا حضوره غصبا السهرة .. حزن يهطل من أعماقها .. ويبطن ملامحها وينبعث من ارتعاشات أصابعها العابثة بلا تركيز بقرص المذياع .. اللحن المنساب داهمها … جعلها تجوب مخيلتها مستحضرة التداعيات المحتضرة في ذاكراتها … علاقة قويه جدا تربطها بهذه...
الإهداء إلى المهمشين في كل مكان إلى تجاعيد الوجوه المتعبة إلى الآخر الذي أختلف معه إلى رفيق عمري .. قلقي المزمن يقول الكاتب والصحفي الاميركي مارك توين: (صاحب الفكرة الجديدة مُجرم حتى تُكتب لفكرته النجاح) لذا أتمنى أن أبرأ من الجريمة التي ألصقت بأفكاري هذه.. (1) أنا وهُمْ أنا وطه حسين 1...
وتقولين : ليتتني أموت قَبلك َلااحتمل الفراق , أنا أضعف من أن أعيش بدونكَ ها هي نبؤتك تتحقق ياعزيزتي , لا اعلم إن كان هو الحب أم الانانية الطاغية لدوافعك , أنا مجرد بقايا إنسان يعتاش على ذكراكِ قلتِ : هل تتزوج من بعدي ؟ قُلتُ: لا استطيع العيش من بعدكِ بمثلِ هذا اليوم ياحبيبتي تُطرز الموائد بشراشف...
*بابل … ومادام لا يريد أن يقر بما تعارف عليه الناس من أراء مسبقة ،فليس أمامه ألا أن يمعن التفكير ليجد الإجابة . لم يكن ما أصابه من إحباط موضع استغرابه ومع ذلك يجد مشقة لأدراك ما يحصل وهمس لنفسه :لقد هرمت . أزاح الرجل ستارة النافذة ،وأنهد على الكرسي البلاستيكي المغمور بشمس الصباح . راح يتصفح...
يوم ربيعي،مشرق جميل. والساعة تقارب العاشرة صباحا ،كانت امي تجلس قبالتي خلف الطاولة تصوب مرة بصرها نحو المطبخ في نهاية الصالة لتعود تتأمل ومن خلال النافذة الملاصقة للطاولة ،عصفورا يدور مضطربا داخل شجرة في حديقة المنزل . أما أنا فقد كنت اتظاهر بالانشغال باوراقي التي امامي .اقلبها او ادون فيها...
أحس بقرصة برد تتسلل إلى ظهره العاري ، فتلمس في جوف العتمة التي تضرب أرجاء الغرفة، باحثا عن اللحاف فوجده عند طرف زوجته التي استأثرت به لوحدها من غير قصد منها . هذا الشيء يتكرر فقط عندما يأوي إلى مخدع زوجته الثالثة التي تزوج منها قبل ستة أشهر ، ولا يتذكر أن ذات الشيء حدث مع زوجتيه الأخريين. أما (...
"الزمان مكان سائل، والمكان زمان متجمد" ابن عربي لا شيء.. لا شيء.. لا شيء أبدا، غير الخواء المُمِضّ المريع يطوف من حولي مالئا فضاء الغرفة. لكأني بالأشياء تخطو إلى نقطة واحدة: الخواء.. الخـ.. و.. ا.. ء. ومهما أفعل، أجده يزداد إيغالا.. يلوك الروح عنوة،...
قسطاني بن محمد الليل لم ينته بعد وخلت المدينة إلا من الكلاب، وشيء ما يحثك على المسير. لم تكن تجري رغم شعورك أن شيئا ما هناك قد انقضى ولم تصدقه الكلاب. وفي الأفق البعيد كأن هناك حريق. لابد أن هناك حريق. وكما في الأحلام أحيانا لست أنت الذي تسير، العمارات والأرصفة والأشجار تطوى لك. وصوت أغنية...
مردخاي شخص بسيط، يوجد مثله عشرات الآلاف في تل أبيب، (هو مصرّ على أن أمثاله قلائل هناك) وهو يحب أن يعيش حياة سهلة مريحة، لا ينغّص على أحد ولا ينغّص عليه أحد، ولذلك ظل مردخاي محبوباً من جيرانه. دخل الجيش وخرج منه، وظل يعتبر نفسه جندياً وهو في الاحتياط. مارس مهناً بسيطة تصلح لمواطن بسيط. مردخاي عمل...
إلى محمد ربيع اليوم يا صديقي، قرضت ثلاثة من أظافري التي انتظرت عاماً كي تطول. نعم انتظرت عاماً كاملاً، ثم منذ قليل قرضتها تباعاً. بعدها ابتلعت حبة مسكن قوية، ربما ما زلت تذكر أني كنت مصابة بصداع نصفي مزمن، ولم أشف منه بعد. ورشفت من كوب الشاي رشفة، لست متأكدة تماماً من أن هذا ما حدث بالترتيب...
أعلى