سرد

كان زوجها يقول لها ، حينما يبهت إيمانها وتستلم لليأس ، أن العناية الإلهية قادرة على تغيير المستحيلات الى ممكنات ، والممكنات الى مستحيلات .. تستيقظ حواس المرأة العجوز ، مع شروق الشمس ، فيملأًُ الشعاع الدافئ، روحها بطاقة خلاقة ، خفية ، ودافقة ، تبعث الحياة في كيانها الهرم ، متزامناً مع إنجلاء...
أركبني أمامه على دراجته الهوائية وقادها باتجاه المدينة. كنتُ أتَلَفّت مُلاحِقاً بعينين كسيرتين رفاق طفولتي وزملائي في المدرسة يلهون باللعب وسط شارعنا الترابي العريض راكضين خلف كرة من البلاستك. أَتَلَفّت وقلبي يهبط إلى قدميّ المتدليتين بشكل جانبي والمحصورتين بساقيّه القويتين المنهمكتين في تحريك...
عيناها ساهمتان يتخلل بياضهما خيط احمر متقطع منذ الصباح ، مرت نصف ساعة بدون ان تفركهما او تمسح دموعهما، بل تشاغلت بخصلات شعرها الامامية مبتعدة عن العمودين المتقابلين الذين تستند فوقهما طارمة بيتها الدائرية، تبدأ مشيتها الهادئة بمحاذاة سياج الحديقة الخشبي الذي يطوق نباتات الياس المتساوية الارتفاع...
عندما بات القمر في منزلة الثريا، استقبل الشيخ مسعود العزّام" القبلة، جاثيا على ركبتيه، كالجالس إلى الصلاة، فوق سجاّدته الصغيرة،المفروشة على حصير، بال، أخضر، لابسا لباسا ابيض، لا سواد فيه، خاضع الرأس، مرهق الوجه، حادّ العين، يحرق الجاوي و الدّاد و الندّ، في مجمرة نحاسيّة قديمة أمامه , تتصاعد منها...
يخال أن الإنسان الطيب اليوم ممقوت من الآخرين، وعليه فوق ذلك أن يدفع ثمن طيبته وبساطته ورقته وهدوئه للناس الذين يحيطون به لأن الله جبله على هذه الطباع الجميلة الوادعة المحبوبة سمعته وحريته ويحارب حتى في رزقه ويودع السجن إن تطلب الأمر ذلك!. خلع ضمير مخسوف الخدين غائر العينين بأيدي مرتجفة بجلسته...
للفقد وجع معتق في جوى القلب؛ أن يصبح اسمها بين ليلة وضحاها ام الشهيد!، أن يصبح اسمها زوجة الشهيد بعد بضع شهور من زواج مازالت تتدرج فيه طريق السعادة وتمارس الحب بقلب أخضر يانع يحتضن الحياة مع كل خفقة لرؤية وجه حبيبها!، أن يختار ملك الموت رفقة ذلك العريس الذي تنتظره أمه كل يوم ليقبل يدها ويخبرها...
كان طلبة شعبة الآداب بكلية ظهر المهراز بفاس يتسابقون نحو الصفوف الأولى من أجل حجز المقاعد الأمامية القريبة من الأستاذة زينب، إذ كان هذا التسابق ليس من أجل الإصغاء و الاستفادة من محاضراتها ، و لكن من أجل الاستمتاع بجمالها الاستثنائي، و الأستاذة زينب حاصلة على شهادة الدكتوراه في الآداب العربي ...
أنا لا أخذلك أبداً، نبرة صوتي تقول لك بأنني سعيدة، ضحكتي المجلجلة تخبرك بأن صحتي على ما يرام، وأنني أنام ملأ جفوني وأرى أحلاماً هانئة، ملابسي كما تراها في الصور بألوان زاهية، لأنني أرى أن لا علاقة للألوان بعدد سنين العمر أو بما يعترض الإنسان من اضطرابات نفسية، لذلك فأنا أختار من الألوان ما أشاء...
تدور الصحراء حولي، تقهقه.. كعاهرة ثملة ترقص الريح، تكشف سوءتها، بغزارة ينهمر المطر، من جحره، بأنياب مجوّفة منحنية، يخرج ثعبان أسود.. أركض، بمكرٍ تسحب الفيفى بساطها من تحت قدميّ، أسقط، أشعر بالرمل حارقاً، ناعماً حدّ انسياب النار في جسد الموت، أصرخ، أستيقظ…. يلفّعني الليل، تجتاحني برودة غريبة تهزّ...
إلى سارة وليندا ومنال ومريم وأشواق.. وإلى رجاء وسمر ونور.. وندى، وكل الأمهات ممن تأسرُ قلوبَ أطفالهن حكاياتُ ما قبل النوم قبلَ الطّوفان وتمادي البشر في المظالم والفسادِ والطُّغيان، لم تكنِ القططُ من عداد الحيواناتِ على ظهْرِ سفينةِ النّجاة، لأنها لم تكن مَخْلوقَة بعد. لكنْ؛ حينَما انتشرتِ...
لا شيء يؤرقها غير حصولها عَلَى النَّزْرِ اليسيرِ مِمَا تحظى به الكثيرات مِنْ بناتِ جنسها، بَيْدَ أنَّ مَنْ يُفترض أنْ يكون أقرب الناس إلى قلبِها، لَمْ يمنحها يوماً ما يمكن أن يفضي إلى إيجادِ بيئة أسرية تغمرها الألفةِ وَدفء العاطفة الدافقة، بالإضافةِ إلى إغفالِه ما بوسعِه أن يقدمه لإشاعةِ روح...
تبدأ الريح بالعصف من غير توقع. تحمله مع الأوراق و غبار السنين. يتعرى من تجاعيده ومن كل سمات الموت، ليحط في مدار بعيد ينسكب فيه الزمن في مسار معاكس يبعده عن شيخوخته. ينظر إلى الأسفل. تلوح حلقات عمره المستهلكة وهي لم تزل محتفظة بكل توهجها و حرارتها. تقذفه الريح صوبها. يتجرد من كل شيء وهو يهوي...
تتبدى الصباحات الخريفية كابية مشوبة برائحة مطر خفي يتمّنع عن مغادرة السحب الرمادية العابرة، لكنه يرخي بظلال برودة خفيفة تدغدغ الجسد فتسري فيه قشعريرة غامضة لذيذة! تلك الصباحات الكابية تحرض فيك تساؤلات شتى لطالما زادت درجات القلق المتشبث في نفسك مذ طغت هموم الآخر على همومك كلها وراحت تبث داخل...
كنت امشي في طريقي المألوف مشيتي المعتادة الوئيدة، والريح عالية، والشمس براقة، والجو قارص البرودة.. امشي ووشاحي القديم المتهريء يلحف رقبتي وأذنيّ. أمرّ من جنب الأشجار التي جلدها برد الشتاء وأسقَط ربيعها وكنت أزحف في طريق يعج بأوراق ميتة تجرفها الريح طول طريقي إلى المدرسة حيث كنت في الصف المنتهي...
أفاق السّيد إبراهيم هذا الصباح فزعا يرتعد: "هل تأخرت عن عملي؟ " نظر إلى ساعته: "غير معقول حتى الساعة توقفت... إن النهار قد طلع في الخارج، يجب أن أطير إلى عملي طيرانا، لن أعطيه فرصة أخرى، ذلك "النذل" كي يسوّد ملفي أكثر.. ثلاثون سنة لم أتأخر فيها ولو دقيقة واحدة عن المؤسسة، أصل أول الموظفين...
أعلى