نشروا صورًا لجثة رجلٍ ملقاةٍ على الأرض ، وقالوا إنها له ، ارتجف قلبي وكاد أن يتوقف ، لا إنه ليس هو . إنها صورٌ مفبركة ، وتلك عادتُهم في صناعةِ الأكاذيب .
دققتُ في الصور ، إنها لرجلٍ بزي محارب ، وأنا أعرفُ أنه لا ينزلُ ميادينَ القتالِ ، ولا يحملُ السلاحَ ليشاركَ في العملياتِ ، فهو القائدُ...
في داخل البيت، اذ النوافذ والابواب كلها مغلقة، كان السيد ضامن حسن ملتصقا بالجدران الباردة، يلمسها ويخرمشها حينا، ويمسحها باصابعه حينا اخر، والبيت كان واحدا من تلك البيوت المعزولة عن قلب المدينة، يكاد ان يكون خاليا الا من بيوتات العناكب ومن صف واحد من المقاعد الملونة الممسوحة المتآكلة عند موضع...
كان الهواء نقياً إلي درجة كبيرة جعلت حتي الجراثيم تخرج للتنزه في الهواء الطلق، وبدون أن تدري أصابتني وأصابت الجميع بالرشح.. إنه الربيع.. وفي أوقات الربيع يطيب للبشر أيضاً الخروج إلي الهواء الطلق كما تفعل الجراثيم.. ولكن لا ورد في الحديقة، ولا بعبع في الرأس.. فلا مفر إذن من زيارة المشتل في طريقي...
تواعدنا أن نلتقي في نهاية الجدار.. الجدار كان طويلاً يبدأ من بيتنا، ويلتقي في نهايته بجدار آخر يؤدي إلى بيت ديدن. كنت أمر به كل يوم في طريقي بين البيتين. وياما التقينا هناك خلسة من عيون المارة الوقحة التي تبحلق فينا عندما ترانا متعانقين هناك. كففنا عن تلك اللقاءات اليومية بعد أن عزمنا على...
في بداية الْخَريف الْماضي، قبل أنْ يرحلَ إلى العالَم الآخر، قال لي بوجهٍ باسِمٍ، وصوتٍ هادئٍ، وهو على فراشه يَحْتضِر:
ـ لا تقلقْ، بُنَيَّ، سأعود في فصل الربيع، وإنْ قُبِضَتْ روحي!
لَمْ تنزلْ من عيني دمعةٌ واحدةٌ، لأنني كنت أثِق به، أي أنه سيرْجِع إلَيَّ، وإلى أمي الْحَنون، التي لَمْ تُطِقْ...
أدرك بعد فوات الأوان أن عواطفي الزائدة عن الحد ولطفي كادا أن يفتكا بي ويحرقا قلبي، بل ويورطاني ورطة العمر، لحظة جعلتني تلك الواقعة البئيسة على شفا حدث مدمر، كان يمكن أن يقودني إلى أسوأ مصير يمكن تخيله، وبالتالي أضطر إلى أن أدفع الثمن غاليا مقابل ذلك من جراء تهوري وسذاجتي. أقول تهوري مع أنني كنت...
من نقطة ما، لا تدركها الأبصار، تنطلق كل الخطوط، منعرجة، منحنية، متداخلة، تائهة... تنبثق كل الألوان صافية، غامقة، ناعمة، غامضة، ملتبسة... في البدء، ترسمني وردة وتسميني "وردة"، تنيمني في حضن حديقة أبي، وترعاني حتى أصير سمكة ذهبية، أمرح في مسبح الفيلا الغناء، وعندما يأتي الربيع الوسيم تحوّلني حمامة...
الزقاق موحش و بارد.. أجرّ خلفي عربة الخضر الفارغة فتصطدم عيني بمشهد القطة الهزيلة متكوّمة على نفسها في شقّ الجدار المطلّ على مقهى الحيّ ..
تتقدّم أمامي السيدة "فيونا" جارتي القادمة من إحدى تلك المدن البعيدة و الباردة أراها تتحرك داخل ثوبها البرتقالي المتصلّب..أراقب مشيتها الخفيفة و أتذكر أنّ...
السائح الألماني إيمانويل غندبرغ لم يكن يعلم أن نهاية رحلته لإفريقيا ستنقضي في جنوب السودان. الثقب الصغير في أنبوب الزيت لا يدعو للقلق. الشمس تبسط خيوطها الأولى اللاذعة على ضفة النيل الأبيض كأنها غطاء الجحيم، فلا مفر منها إلا الغابة الكثيفة الخضراء التي تترامى على مد البصر. تتناهى إلى سمعه أصوات...
"دخلناها نتعقب الفارابي، فإذا هي جنة يحفها العقل، وتغسل أدرانها خمرة أزلية.. فقلنا: ذلك ما نبغ.. فصاح أبو نصر: لابقاء إلا للنفوس الفاضلة الكاملة.. إنها البشرى.. إنها البشرى".
"الآلهة لاتمحو الأثر، وجودها ضرورة ملحة لاستيعاب المسافة الفاصلة بين الخوف والرضا الأبديين.
هذا الحجر الصلد المنسكب من يد...
القطار الذي يغادر طوكيو مستعد لقضاء ليلة كاملة حتى يبلغ الحدود .. وجوه مغبونة مكسوة بوحشة الخوف ليتوسع الوطن .. تملأها حرقة السؤال حول أحقية هذا التوسع .
الشاب يكوتي ملم بالنكبات .. يدرك أن الرغبة هي المسؤولة عن الألم .. يقدم على تمارين اليوغا قبل صعوده القطار.
الازواج والعشاق يتوادعون ..الصفير...
بدأت وطأة زحمة الشارع الكبير المعتادة كل مساء تخف، عندما أرخى الليل سدوله.
بين الممرات كان الراجلون يعدون خطوهم مُوَلٍّين نحو ملاذهم الليلي، لكن عند منتصف الشارع عند الزاوية اليمنى كانت الحياة تدب فيه من جديد بعد سكون النهار قلة من المارين كانت تقترب منه ، أما الذين يسلكونه فقد كانت لهم حاجة ،...
لم أكن قد ابتعدت كثيراً عن ذلك الفندق الفخم الذي كنت أقيم فيه حتى تذكرت انه يجب علي العودة بسرعة لأمر مهم كنت قد سهوت عنه. عدت أدراجي بسرعة بينما انشغل تفكيري بأمور متضاربة عدة، وكلما تسارعت خطواتي باتجاه ذلك الفندق المتألق وأنا أنظر إليه من بعيد كلما ازداد تشوش أفكاري.. حتى أصبحت في حالة من...
خرجت رباب من بيتها الصغير في قرية من قرى الجولان وهي ترتجف من البرد فالثلج لا يزال يتساقط منذ ليلتين وكل شيء حولها لبس ثوباً أبيض تدثرت بمعطفها السميك ولفت رأسها بشال جدتها الصوفي السماء صافية وحنون الآن ولكن ما يدريها أن العاصفة ستعود من جديد لا يهم فالمسافة بين بيتها وبين مبنى البريد ليست...
بالأمس، كنتُ في منزلِ جدتي الجوهرة، بصحبةِ أختي و ولدها الصغير. كانَ الوقتُ عِشاءً، و كنتُ أصبُّ القهوةَ الساخنةَ في فنجالها المقعّر، بينما أباعدُ عنها طبقي البرحي و الروثان كي لا يفسدا معدل السكر في دمها قبل النوم. استلقت أختي على ظهرها، و وضعت ولدها فوقَ ساقيها، و أخذت تأرجحهُ بحنانٍ و هي تغني...