نشروا صورًا لجثة رجلٍ ملقاةٍ على الأرض ، وقالوا إنها له ، ارتجف قلبي وكاد أن يتوقف ، لا إنه ليس هو . إنها صورٌ مفبركة ، وتلك عادتُهم في صناعةِ الأكاذيب .
دققتُ في الصور ، إنها لرجلٍ بزي محارب ، وأنا أعرفُ أنه لا ينزلُ ميادينَ القتالِ ، ولا يحملُ السلاحَ ليشاركَ في العملياتِ ، فهو القائدُ...
"لكنني أحببتها بولهٍ كما لو أنَّ جميعَ مصائبي كان سببُها أنها مرةً فكّت شعرها و أسدلتهُ فوقي ليبتلعني الظل"
( بابلو نيرودا )
سمعتُ عن المؤرخ الطبري ذات مرةٍ أن من أصعب الأمور التي يقارفها المؤرخ حينما يعالج الحوادث و الأخبار هو أن يحددَ بدايةً لها. مثل هذه العقبة الكأداءُ تزدادُ تمنّعاً و...
زار المملكة الشريفة في الآونة الأخيرة ، ضيف من عيار ثقيل، ولذلك ، وخلال ساعات قليلة ، طليت القناطر والأرصفة على أوساخها ليلا ، وكنست الشوارع والجسور ، وتم تخصيب شجيرات غريبة الشكل باتت تقف منحنية على طوار الشارع العام ، فيما غطت شاحنات التعاون الوطني مطارح النفايات التي تؤثث فضاء المدينة برمال...
تمطى وتثاءب فجأة, ثم دفع الى الهواء جسده المتهالك , من فرط العياء والتدخين طوال الليل ناحية المدينة العتيقة.
في الخارج,الجو رائع , هادئ، شفاف منعش و يشد الروح, نسيم الزوال يسربل برداء من النشوة والحركة , الأجساد ,والأزهار، الأفكار والذكريات .
داخل القاعة , دخان , ظلام, صمت يلف الأشباح المنغرسة...
قضبان بلا مترو، بلا عجلات، بلا توقف، بلا دوران.
فقط أقدامنا الصغيرة المبتلة بدموع الشتاء، وجواربنا المدرسية البيضاء التى لم تعد كما كانت فى الصباح بيضاء!
نحمل على ظهورنا أثقالنا: الكتب الدراسية التى ستلد فى نصف العام أخرى، نحملها أيضا على ظهورنا فى حقائب ضخمة، كمسافرين نبدو على قضبان بلا مترو،...
قبل أن يعتدل خليل في سريره الحديدي القديم، تثاءب، ثمّ تمطى.. ودار بعينيه في أرجاء الغرفة المستطيلة التي تضمّ أفراد العائلة.
كان أبوه جالساً قرب النافذة الخشبية ببجيامته المخططة المهترئة عند الركبة، وقرب الدكة كان أخوته الصغار قد تجمعوا بشكل غير منتظم حول صينية الألمنيوم وعليها صحن كبير من...
تخلص من ملابسه، مبقيًا على الفانلة الداخلية وحدها. جلس لاهثًا يطالع في المرآة صورة جانبية للمرأة المتداعية بجواره. شرعت تخلع أقراطها وخواتمها وتضعها فوق البوفيه، فكت أزرار بلوزتها وملّصت ذراعيها منها، ألقت بها على كرسي السفرة وشرعت تبحث عن قفل سوستة الجيبة بينما يتصاعد لهاثها. راهن نفسه على الحد...
شوق.. يا شوق.
حين تطلع شوق من الدار تصحو الدنيا, تنضو عنها رداء الليل. تخرج وعلى بدنها اللين جلبابها المنسوج بألوان الفجر والزرع المندى بأنفاس الكون. تحبك القمطة السماوية فتبرق أطرافها بنجوم متوارية خجلا من صبح حسنها النوار. وتفتتح طيور القبة غناويها من أجل شوق.
أنت يا شوق تعرفين ولا تعرفين...
أمي من وادي أم الربيع، من هذه المنطقة الأرضية الخصبة، حيث الربيع فصل دائم الحضور. لا فصل يأتي إلى هذه المنطقة سواه. من هنا ربما سمي النهر العظيم الذي يخترقها، بهذا الاسم الشاعري الجميل.هذا الاسم الذي سيطلقه سارد القصة، على شاعرة جميلة، سيتعرف عليها في مستقبل الأيام. كنا صغارا نمشي إليه، نتجه...
أيّها الحلُمُ، تجوّلْ وفتّشْ جيداً في الذاكرة، لعلك تجد (كلّي) المبعثر هناك.. الذي أسكنْتُه قطْعة قطْعة، في طبقاتها وغرفها وزواياها القَصية، حتى نسيتُ أغلب العناوين.. أحياناً يدلني وجهٌ أو صوتٌ أو عطرٌ على ما أريد، وأحياناً أفتح كل الأبواب وأقلّب كل الأدراج وأفـكّ كل الصُرر، فلا أحظى ببعض ما...
لا زلت أحتفظ في ذاكرتي بتفاصيل ذلك اليوم الربيعي الجميل. كنت برفقة اخوتي وأخواتي في جنتنا الواقعة في أطراف الواحة الكبيرة. كان من عادتنا قضاء يوم العطلة في الجنة، نساعد جدّنا في أعماله الفلاحية من ناحية، ونقضي يوما بين أحضان الطبيعة من ناحية أخرى. لذلك ترانا في انتظار اليوم الموعود على أحر من...
كنت وأنا أقود سيارتي على الطريق المؤدية إلى المطار، أراجع في ذهني تفاصيل المكالمة الهاتفية التي دارت بيني وبين البروفيسور كاتاني، منذ ثلاثة أيام خلت. والبروفيسور كاتاني هو من أشرف على بحث التخرج الذي أعددته في علم الآثار في إحدى الجامعات الإيطالية، وللرجل عليّ في الواقع فضائل لن أستطيع ردها ما...
حاولت كثيرًا كتابة قصة حول الصوت الأكثر توهجًا في ذاكرتي حتى اليوم، ولكنني كنت أتراجع دائما خوفًا من الانحدار إلى مستوى النكتة الفجة، فالاتهامات بالمبالغة واقفة دائما بالباب لخيال الكاتب الذي لا يملك إلا أن يبتسم في مواجهتها، لأنه وحده يعرف أن الحقيقة كانت أكبر وأنه اضطر لتخفيفها لتصير أدبا...
خرجت إلى البريّة الممتدّة حتى مشارف الربيع.. بسلّتها المهملة منذ الشتاء، بكّر الربيع في بثّ خصبه وسكْب عذوبته في العروق هذا العام. تورّدت بشرة الصبيّة بمزيج الضوء والعطور، وانتشت البهجة على وجنتيها، ورطّب شفتيها طعم الندى المتبخّر من الحشائش الغافية، تشبّعت روحها بالنسائم، وتنبهّت حواسها بوشوشات...
عندما وقفت امامه ذات مساء، تداركت انهياري، واتكأت على الجدار، متوسلة اليه حمايتي، واحتمال انهياري قبل أن أحدق في وجهه.. وهو يناديني :
- فيرونا.. ارفعي رأسك، اريد ان اتحدث معك .
فوجئت باسمي على شفتي إنسان لم اعرفه من قبل، ولم يعرفني من بعد.. كانت نبرات صوته مشدودة.. فيها أمر، مثلما فيها رجاء...
1
تنتهي ولائم النميمة فجأة في دارنا. تمسح أمي وجهها بالراحتين، تلمس الحصير تطيرا، تتنهد و تقول:
- على العموم. ماشي شْغَلْنا.. (في الواقع ، لم يعد لديها ما تقول).
ما حدث بالضبط، خلال الأيام الأخيرة، هو البرد والغبار. غطت سماء القرية ظلمة كثيفة، اختبأ الجميع في المنازل، توقف الأطفال عن الذهاب...