نشروا صورًا لجثة رجلٍ ملقاةٍ على الأرض ، وقالوا إنها له ، ارتجف قلبي وكاد أن يتوقف ، لا إنه ليس هو . إنها صورٌ مفبركة ، وتلك عادتُهم في صناعةِ الأكاذيب .
دققتُ في الصور ، إنها لرجلٍ بزي محارب ، وأنا أعرفُ أنه لا ينزلُ ميادينَ القتالِ ، ولا يحملُ السلاحَ ليشاركَ في العملياتِ ، فهو القائدُ...
إنه الآن يعمل فيها ما يعمل. يدخل فيها ما يدخل ويخرج ما يخرج. فخذاها مفتوحتان وهو يطلب من الممرضة وضع السطل في المكان الملائم. وفكر خيرون وهو يتأمل أعشاب حديقة العيادة وميلاد أضواء الليل هنا وهناك: تصور أن تكون مكانها، ولمَ لا؟ ألست طرفا فيما حدث ويحدث؟ فتصور أن تكون مكانها والدكتور يلعب فيك...
أَيْقَظَتهُ زوجته من نومه باكرا ، كالعادة ، حمل المعولَ والمسحاةَ والمنْجل والمِقْرَاض الأسود ، اتجه إلى الركن المعتاد، وانتصب متكئا على مسْحاته، يرقب الطريق عسى أن يُطِلّ زبون كريم، يحتاج خدمات بستاني. لما أحس بالتعب أسند ظهره إلى الحائط، وأشعل السيجارة الأولى ، بدأ الملل يدب في أوصاله، ودون أن...
هي هناك.. في الشرفة جالسة.
المرأة العجوز التي ستموت في يوم غائم بين مزامير أحفاد غائبين، تجلس الآن في الشرفة تلاطف زرافتها التي تمد عنقها المبقع بالحناء تأكل قبعات المارة. ألفنا منظرهما البهيج بينما تلعبان الشطرنج وتتحدثان حديث النبات للنبات وحينا تركعان مثل راهبتين وقورتين ترتقان بالصلاة حشرجات...
سبعةُ أيام ٍ مرّت منذ أنْ أُحيل جبرين ، مؤذن جامع قريتنا ، للصالح العام ، و ها هي الجمعة الثانية التي لم يُصلّها أهل قريتنا جمعةً مباركةً ركعتين ، وهيَ هيَ الجمعة الثانية التي لم ينزل فيها كاتبُ عزرائيل ، مطفأ العينين ، من عند رأس المؤذن السابق المحتضر منذ الجمعة الفائتة . سبعةُ أيامٍ ظل فيها...
أصوات دافئة كأنها همسات الملائكة، شموع تكتوي خلف ستائر المحلات، وروائح الكعك بالقشدة البيضاء اللزجة تغري العين والمعدة.
هكذا تستعد العاصمة " سانتياغو" للاحتفال بأعياد الميلاد. الجد بيدرو يعد حفيدته بقضاء هذه الليلة في القرية الصغيرة التي تبعد عن العاصمة ببضع الكيلومترات.
يخرج كعادته الصباحية،...
غير بعيد شجرة فى حالة خريف دائم، أوراقها مصفرة الاخضرار، مخضرة الترابية، معلقة بغصنها برباط ما … شجرة كلما هب الريح انتزع منها أكثر من بضع أوراق حتى لتخالها فى نهاية اليوم ستقف جرداء عارية، ولكنها أبداً هكذا لا تنقص أوراقها ولا تزيد. دائمة الخضرة مستمرة الاخضرار المصفر المترب، لا ثمر لا ولا زهر...
الحمد لله.. أخيرا وجدت سقفا أحتمي به من قسوة الشارع وهمجيته. احتوتني "الحاجّة عايشة" ولم يعد يستبيحني كل من انتصب أيره ومضى ينشد فريسة تحت جنح ليل المدينة وتحت قناطرها، أو بين أزقتها وظلمة شوارعها ومقابرها. لعلم ساكنة هذه المدينة فـــ"الحاجة عايشة" هي "عايشة بروبر" سابقا، إييه !!... نعم يا سيدي...
أجرى، لا أدرى ما الذى أهرب منه ولا الذى أبحث عنه، لكن أجرى بكل ما فى القلب من عزم وما فى الجسم من مروة. صفا المصابيح على جانبى الشارع يدهشهما وقع خطوتى على ثلج الرصيف، ينظران إلى بعيون صفراء تتسع دهشة واحدة بعد الأخرى، وأنا أحث الخطى، تغوص منى الأقدام فى هشاشة هذا السكون السرمدى المليء بأسرار...
· الدعوى
زفر مقهورا ..! -
انا لم أقتلها ..!-
فك اللفاع الصوفى عن رقبتة قليلا ليتنفس . الناس يقولون عن هذا اللفاع، أنه يأكل من رقبته فتنحل يوما بعد يوم . كلهم ذاهبون الى مأتمها. يحس تزاحم خطوهم وأنفاسهم وخشيش جلابيبهم حوله. راجعون من صلاة العشاء. لذعه البرد والخوف فتشبث باللفاع، يلتف حول...
حينما بدأ يستدرجه شيئا فشيئا وفي خطوات صغيرة ومدروسة جدا قصد القيام بتلك المهمة الجسيمة، كان الشاب مطرقا يستمع في وجوم وخشوع، لم ينبس طول الوقت ولو بكلمة، لكن عندما بلغ الحديث نقطة حسن الجزاء الذي سيناله جراء عمله، والافاضة في شرح ما ينتظره من حسنات وملذات الآخرة، انفعل الشاب وبدون تفكير قال:
-...
حتى الآن، لا أعرف ما سأحكيه لكم، وهل ذلك وقع فعلا لي منذ عقود أم حدث أمس فقط، أم أن الأمر مجرد حلم رأيته ذات ليلة، واستقر في ذهني على أنه واقع، وسرت أحكيه لكل من يسألني عن الحال التي انتهيت إليه أنا الماثل أمامكم. مهما يكن اشهد الله أن ما أرويه ربما وقع بين اليقظة والحلم، ولن أضيف شيئا من عندي...
* إهداء: إلى الذين قضوا في سبيل لقمة عيش نظيفة تحت أنقاض مناجم الفوسفاط باليوسفية
هناك أسفل حائط " لكريني" جلست, كان جليسك وأنيسك "بولبادر" يطل عليك من اللافتة اللاصقة على قنينة الشراب الاحمر الرخيص, وكان صاحبك قرطاس "الطايب وهاري"**، حملته معك من السوق الاسبوعي الذي يبعد نصف ميل عن الحائط...
قبلت الدعوة بتلقائية دونما تفكير مسبق. حينما وصلت إليهما، أخذت كرسيا ودون تفكير مسبق أيضا وضعته بينهما أمام مائدة الغذاء. وهكذا جلسنا نحن الثلاثة كلنا جنبا الى جنب على طرف واحد من المائدة.
كنت قد تأخرت عن الموعد بدقائق عديدة، ولم يتسن لي أن أفكر بعمق في السؤال الذي راودني لحظة الجلوس، حول سبب...
في محطة بوخارست أنتظر القطار الذي سيأخذني الي بودابست، رائحة عرق السوس وعطر الكولونيا وحفنة من الهرمونات ونساء بلهاوات يقطعن المسافة بيني وبين بائع التذاكر، عازف قيثار لا أحد يعبأ به، والرصيف مزحوم بالهامبرغر والصراخ والمحلات وبنطلونات الجينز وقمصان الهيلاهوب وغناء وتشويق وغرائب تنام علي مصاطب...
في المقهى ، وبعد عشر سنوات على تركه التدخين ، عاد ثانية إلى سجائر المارلبورو ، التي اعتادها في السجن ، أيام كان محسوباً على حزب محظور ، ينفث الدخان بأعصاب موتورة ، ويكرر ـ مع نفسه ـ كلمات روزفلت: الشجاعة لا تعرف المستحيل.
ليس المهم هذا الشعور القاتل بخيانتها ، بل إحساسه بالغفل والبلاهة: كيف يكون...