سرد

وأخيرا حصل على شهادة الباكلوريا، أحس بسعادة عارمة، وشعر بارتياح كبير، وكأن ثقلا قد انزاح عن كاهله..عانى الكثير في السابق، وذاق مرارة الرسوب مرارا، وواجه اليأس وواجهه لحظات عديدة، لكن الكلمة الأخيرة كانت لإرادته وعزيمته.لم يكن كسولا أو بليدا، فقد استوعب المقرر بطوله وعرضه، وكرر استيعابه مرات...
القاعة فارغة، الكراسي مصطفة دون أن يجلس عليها أحد..بالركن منبر مستطيل وضعت عليه ميكروفونات تستعد لنقل أصوات المحاضرين..وبالجدار لافتات تعلن عن ندوة حول الكتابة الرقمية..المستقبلون بباب القاعة ينتظرون استقبال من يأتي..لحظات تمر دون أن يظهر أحد..لكن بعد فترة يظهر بعض الحضور، يليهم آخرون على فترات...
وضعت الورقة أمامي.. وقررت أن أكتب قصة..نعم..ولم لا؟..الكل يكتب الآن..فلم لا أدلي بدلوي..وأخوض المعمعة مع الخائضين؟..فلأتحرك إذن..مادامت الحركة بركة كما يقولون. فكرت أن أمارس طقوسا عند الكتابة كما سمعت كبار الكتاب يفعلون، فقد يساعد ذلك على تدفق الأفكار، وفتح شهية القلم، واسترضاء ربات الإلهام...
كانت المرة الأولى التي رأيت فيها الحاج لقوالبي، عندما كان يخوض حملته الانتخابية في سباقه نحو القبة، زارنا بالحي تسبقه ابتسامته، ثرثرمعنا، ووعدنا بأشياء كثيرة، بما فيها التي يصعب تحقيقها، ثم اختفى ولم نعد نراه إلافي الصور المبثوثة، متحركة أو ثابتة ضمن مناسبات معينة.. لا أدري لماذا يعرفه الناس...
لم تمطر أمس ولا أول أمس .. بل لم تمطر منذ أسابيع وشهور ! جف الزرع والضرع، واكتست الأرض لونا داكنا بعد أن جفاها الاخضرار، ولعلعت الشمس مهيمنة بحرارتها اللافحة بعد أن طردت كل غيمة حاجبة. تهامس الناس في البداية في رعب مرددين لفظة الجفاف غير مصدقين، ثم ارتفع الهمس ليصبح جهرا يطرق كل الآذان كأنه...
جناحان لعلي سعيد الكفراوى دارنا المقامة علي التلة، تكسوها طبقة جديدة من الجير، وتعلو سطحها أعلام ملونة ترفرف بعلامة الفرح، وعلي واجهتها رسوم لسفينة راحلة علي شراعها كتابة، وبجانبها رسم، أسد يحمل سيفا، وجمال علي ظهرها المحمل. فرح أختي اليوم !! خلف البوابة فناء به شجرة ليمون، وأخري برتقال، ونخلة...
مد رجليه مستريحا، وتأملهما برهة طويلة ثم خطرت له فكرة.. لماذا لا يستغلهما في الجري والسباق..سباق الحواجزالتي أحكمت عليه الخناق من كل الجهات .. لماذا لا يجرب حظه فيتخطاها بجريه.. لقد جرى كثيرا..طاف الشوارع والدروب..دق أبواب جميع المؤسسات..الخاصة والعمومية بحثا عن عمل..لكن الحظ لم يبتسم له..ظل...
بعد نقاش متواصل، استقر رأي سكان القرية على حسم الأمر، وإنهاء الموضوع الذي أخذ منهم وقتا طويلا، وجدلا مرهقا كاد يتحول أحيانا إلى خلافات عميقة تؤدي إلى تفرقة صفوفهم وكسر وحدتهم. اتفقوا على خطة واحدة، وقرروا تنفيدها دون تردد، استيقظ الجميع باكرا، وتوجهوا كلهم نحو الطريق الوحيدة المؤدية إلى المدينة،...
كان "شندويل" جالساً القرفصاء، معتمداً رأسه براحتيه، وقد ملكه تفكير مضطرب حائر، وران على الدار هدوء ثقيل، يشيع فيه هم وقلق ورتوب. وجب أن يحسم شندويل الأمر على أي نحو يكون. لم يعد طفلا ولا صبيا، إنه شاب مكتمل الشباب، بل إنه بلغ مبلغ الرجولة، وانصرم الوقت وشندويل لم يُغيِّر جلسته، يضرب في متاهة لا...
غادر المنزل وقد بنى عزمه على أن ينفّذ فكرته!.. وسار في الطريق زائغ النظرات، وفي رأسه أتون يتأجج، ولكن خطواته كانت متلاحقة محكمة تدلّ على عزيمة واقتدار، كأنّها خطوات جنديّ ماض إلى حومة القتال!.. إنّه يشبه الجنديّّ فيما يقصد إليه، من أداء مهمة وخوض معركة، ولكن الفارق بينهما أن الجنديّ يمضي وهو في...
يثور غاضباً في وجه سحنته المُتجعِّدة أمام المرآة، تكاد سباته المعقوفة إلى الجهة اليمنى أن تلامس أنفه: أنا من أنا، أقف عاجزاً لحد الهزء بين حُثالة هؤلاء القرويين. يَرتدُّ إليه صوته المنحبس في جوف محاصر بحموضة مقززة، كم نصحته زوجته بقلع أسنانه: هذه الرائحة الكريهة، لن تزول إلا بتغيير الفم...
لم يطب لحبيبي مالك أن أقول إن جده رجل بشع؛ فبرم شفتيه، وأدار ظهره، وكنت لأرى بداهة وجهه وقد تغضن، فعرفت أنه بذلك في طريقه لمخاصمتي، فحزنت، لكني لم أبذل كثيرا من جهد بعدها لإرضائه، فقط أرسلت له قبلة مكوّرة في الهواء محمولة على رؤوس أصابع يدي اليمنى، وضحكت ضحكة أنثوية، فخرّ مالك عند منبت شجرة...
طفولة و ... يستحمون بالسماء.. السماء تدلف وتكف: تارة تسكب فوق رؤوسهم وعاءها، تلعب معهم لعبة التخفي فتعتم ثمّ.. تضئ ، تلعب معهم لعبة الألوان ؛ فترسم قوس قزح على صدرها ثمّ.. تمحوه، تباغتهم وتمسكهم وتلقي بهم في الوحل.. يعودون للحظة الخليقة الأولى ممزوجين بالطين كديدان لزجة حديثة الولادة. تصيح...
(1) سرّحت شعرها وعقدته بمشبك مذهب تاركة خصلات نافرة فوق الجبين..نظرة أخيرة إلى الدمع الوردي المبتهج فوق الشفتين , الجاكيت الجلدية السوداء والكولون, ثم وقع قدميها: تيك تيك تيك, باتجاه الخارج.. الصباح ينتظر فاردا ذراعيه, وهي : تيك تيك تيك, لا تبالي بالنظرات المتقافزة نحوها كالفراش , بكراسي...
في غرفة عمي ذات خريف : لا تخفي عيناه كلّما تحسَّستا ظِلَّ صاعدٍ إليه، ما يُضمرُهُ بسبب التناوُب عليه في تفَقّدِ أحواله بين الساعة والساعة، في مواجهة تساؤل أصحابي عن اعتكافه الذي طال أكثر من عشر سنوات،لا أجد أشبهَ بِعمِّي المعتزل في غرفة السطح، غير أبي العلاء المعري رهين المحبسين، أقتربُ من...
أعلى